حرب الـ11 يوما.. كواليس التفاعلات داخل إدارة بايدن خلال معركة غزة

الأحد 23 مايو 2021 01:54 ص

كان البيان الذي أطلقه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور "روبرت مينينديز" ردا على الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة، قاسيا بشكل غير عادي، وأثار على الفور ضجة داخل البيت الأبيض، بحسب شخص مطلع على رد الفعل.

وقال "مينينديز"، الذي عادة ما يكون مؤيدا قويا لإسرائيل، إن إسرائيل تجاوزت المعقول وتحتاج إلى شرح أفعالها، بما في ذلك تدمير مبنى شاهق في غزة يحتوي على مكاتب إعلامية دولية.

واختتم "مينينديز" حديثه قائلا: "يجب إنهاء هذا العنف. أي موت للمدنيين من الجانبين على حد سواء هو انتكاسة للاستقرار والسلام في الشرق الأوسط".

ولم ينسق "مينينديز" انتقاداته لحليف الولايات المتحدة مع الإدارة، كما أنه لم يعط البيت الأبيض تنبيها مسبقا، ما دفع مساعدي الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى فهم التحول في نبرة السيناتور المؤثر وما يعنيه ذلك من مواقف الديمقراطيين السائدة تجاه النزاع.

وقال مسؤول كبير في الإدارة إنه لم يؤثر أي عضو في الكونجرس على تفكير "بايدن" أو استراتيجية البيت الأبيض، لكن المزاج السياسي المتغير أعطى مسؤولي الإدارة فرصة لمزيد من الضغط على إسرائيل لإنهاء الصراع.

وكانت الرمال السياسية المتغيرة عنصرا رئيسيا في رد فعل "بايدن" المتطور على الحرب في غزة، وهي أول أزمة سياسية خارجية كبرى لإدارته، والتي يُنظر إليها داخل الإدارة على أنها انحراف غير مرحب به عن الأولويات الأخرى في الداخل والخارج.

وتمثل تلك الحلقة أيضا نقطة انعطاف واضحة في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يعكس الشكوك المتزايدة تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بين الديمقراطيين الذين يشعرون بالقلق من الإجراءات الأخيرة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، فضلا عن علاقته الحارة بالرئيس السابق "دونالد ترامب".

واتفقت إسرائيل وحماس على وقف إطلاق النار في وقت متأخر من يوم الخميس، الأمر الذي أنهى 11 يوما من القتال، ولكن فقط بعد أكثر من 80 مكالمة واتصال بين مسؤولين أمريكيين مع الأطراف ذات الصلة بالمعركة، بما في ذلك 6 محادثات بين "بايدن" و"نتنياهو"، وفقا لمسؤولين مطلعين على المحادثات.

وقال "فرانك لوينشتاين"، الذي كان مبعوثا خاصا لجهود السلام التي تبذلها إدارة "أوباما": "إنها بيئة سياسية مختلفة جدا جدا يجب أن تأخذها كل من إدارة بايدن وإسرائيل في الاعتبار. والسؤال هو، من يمكنه ممارسة تأثير سياسي على الإدارة؟ ومما لاشك فيه أنه كان هناك الكثير من الأصوات التقدمية العالية التي كان بايدن يستمع إليها هذه المرة".

ودخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في وقت مبكر من يوم الجمعة، بعد ساعات من موافقة مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر على مبادرة مصرية لوقف القتال. وقالت إسرائيل إن الهدنة غير مشروطة لكنها تأتي بعد حملة ناجحة لتدمير البنية التحتية العسكرية لحماس وقتل العديد من قادتها، وقالت حماس إنها وافقت أيضا على الاقتراح المصري، الذي دخل حيز التنفيذ في الساعة 2 صباحا بالتوقيت المحلي.

وادعى البيت الأبيض قدرا من الانتصار بإنهاء القتال بشكل أسرع مما كان عليه في المعارك السابقة. وأشاد "بايدن" بالوسطاء المصريين وكرر دعم الولايات المتحدة لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وفي الوقت نفسه، بدا "بايدن" مدركا للقلق الديمقراطي المتزايد من أن الدعم السلبي لإسرائيل قد يأتي على حساب المتعاطفين مع الفلسطينيين.

وقال "بايدن"، الجمعة، عندما سئل عن تغير السياسة بين الديمقراطيين: "لا يوجد تحول في التزامي بأمن إسرائيل. لا تغيير على الإطلاق". وأضاف أن "التحدي التالي سيكون إعادة بناء المنازل والبنية التحتية في غزة دون أن تستفيد حماس".

وأضاف: "أعتقد أن حزبي ما زال يدعم إسرائيل.. ولن يكون هناك سلام حتى تعترف دول المنطقة بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية مستقلة".

وقال مسؤولو الصحة في غزة إن القصف الجوي قتل 232 فلسطينيا بينهم 65 طفلا على الأقل. وخلفت صواريخ حماس 12 قتيلا في إسرائيل، 2 منهم من الأطفال، واضطر القصف الإسرائيلي معظم السكان إلى الفرار مرارا وتكرارا بحثا عن ملجأ.

وجاءت نقطة محورية واضحة في الموقف الأمريكي تجاه القتال قبل أسبوع، في 15 مايو/أيار، عندما دمرت غارة جوية إسرائيلية برجا في قطاع غزة كان يضم مكتبا لـ"أسوشيتد برس" ومراكز إعلامية أخرى، وادعت إسرائيل أنه كانت تقطنه المخابرات العسكرية لحماس.

وعلم موظفو إدارة "بايدن" بالضربة بالطريقة نفسها التي علم بها معظم العالم، من خلال صور الفيديو والحسابات الإخبارية، وفقا لما ذكره شخص مطلع على الأزمة. وتحدث ذلك الشخص وآخرون مطلعون على طريقة تعامل الإدارة مع الأزمة بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة قضايا دبلوماسية حساسة.

وكانت النائبة "رشيدة طليب"، وهي أول فلسطينية أمريكية تنتخب للكونجرس، من بين الديمقراطيين الذين هاجموا علنا سلوك إسرائيل. لكن انتقادات "مينينديز" جعلت البيت الأبيض في أزمة، حيث أصبح عالقا بين سياسة خارجية حتمية لدعم إسرائيل وتزايد الاستياء في الداخل.

وفي بيانه بعد الضربة، كرر "مينينديز" تأكيده على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وهو موقف يشترك فيه الحزبان مع "بايدن" لكنه ليس أمرا حتميا بالنسبة للديمقراطيين الأصغر سنا والأكثر ليبرالية. لكن "مينينديز" أضاف: "إنني منزعج للغاية من التقارير التي تتحدث عن أعمال عسكرية إسرائيلية أسفرت عن مقتل مدنيين أبرياء في غزة، فضلا عن استهداف إسرائيل لمباني تضم وسائل إعلام دولية".

ولم يتحدث "منينديز" و"بايدن" منذ أن أصدر السيناتور بيانه، وفقا لشخص مطلع على العلاقة.

وقدمت رسالة "مينينديز" المكونة من فقرتين إلى "بايدن" وفريقه فرصة لاتخاذ موقف أكثر صرامة مع "نتنياهو". وكان الضغط ذو شقين؛ التأكيد على أن الضربة لم تكن مبررة، وكذلك الحاجة لإنهاء المعركة بسرعة، حسبما قال أشخاص مطلعون على الدبلوماسية الأمريكية والإسرائيلية.

وقال مسؤول أمريكي: "لقد ساعدنا ذلك بصراحة"، وتحول موقف الإدارة منذ هذه اللحظة من الدعم المبدئي غير المشروط للإجراءات الإسرائيلية إلى الدعم المخفف مع الإشارة إلى الحقوق الفلسطينية والضغط على "نتنياهو" لإنهاء الصراع.

واستخدم "بايدن" نبرة ودية في 12 مايو/أيار في أول مكالمة هاتفية أجراها مع "نتنياهو" بعد بدء القتال بيومين، وفقا لأشخاص مطلعين على الاتصال.

وقدم مساعدو "بايدن" لاحقا بيانا يدافع بقوة عن إسرائيل، حيث أدان "بايدن" هجمات حماس الصاروخية وأكد "دعمه الثابت لأمن إسرائيل ولحقها في الدفاع عن نفسها وشعبها، مع حماية المدنيين".

وفي اليوم التالي، بدا أن "بايدن" لا يزال يدعم العملية الإسرائيلية دون تحفظ، قائلا إنه لم ير "رد فعل مبالغ فيه"، وبحلول ذلك الوقت، بعد 3 أيام من المعركة، قُتل 85 فلسطينيا في غزة، من بينهم صبيان يلعبان خارج منزلهما في بلدة بيت حانون جنوب قطاع غزة، وقُتل 10 إسرائيليين.

ولكن بعد هجوم إسرائيل على برج الجلاء في 15 مايو/أيار، تغيرت لهجة الإدارة مع تغير أسلوب "مينينديز".

وعرض "بايدن" الذي تجمعه علاقة غير ودية مع"نتنياهو"، دعما أكثر تحفظا لإسرائيل في مكالمتهما الهاتفية بعد يوم الضربة، وجاء في بيان صادر عن البيت الأبيض أن "بايدن" "أثار مخاوف بشأن سلامة وأمن الصحفيين وعزز الحاجة إلى ضمان حمايتهم".

وفي اليوم التالي وخلال مؤتمر صحفي في كوبنهاجن، أضاف وزير الخارجية "أنتوني بلينكن" أن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل تفاصيل إضافية بشأن هجومها على برج الجلاء، لكنه "لم يتلق أي معلومات".

وفي الأيام التي تلت ذلك، أكد المسؤولون الإسرائيليون أن المعلومات الاستخباراتية التي تظهر أن المبنى كان يؤوي مقاتلي حماس قد تمت مشاركتها مع الولايات المتحدة، في حين حث المسؤولون الأمريكيون إسرائيل سرا ودون جدوى على نشر المزيد من المعلومات. ووصف أحد الأشخاص المطلعين على الأحداث السخط والتشكيك بين مساعدي "بايدن"، الذين اعتقدوا أنه مهما كان المبرر، فإن الضربة لم تكن مفيدة في أحسن الأحوال.

وقال "دينيس روس"، المبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط في عهد رؤساء ديمقراطيين وجمهوريين: "إنها بالتأكيد تبدو وكأنها نقطة تحول، لأن الإسرائيليين كانوا بطيئين جدا في إيصال المعلومات الاستخباراتية التي لديهم والتي بررت ذلك كهدف. ولو تم نقل هذا بطريقة ما في الوقت المناسب وإذا كانت المعلومات الاستخباراتية مقنعة، لكان ذلك شيئا آخر".

ومع التأكيد على أن لإسرائيل الحق المطلق في الدفاع عن النفس، أثبتت إدارة "بايدن" أيضا "حسن نيتها" لإسرائيل، وقال "روس"، ملخصا الموقف الأمريكي: "إذا تعرضت لـ4 آلاف صاروخ من جارك، لا يمكن تصوّر أنه ليس لديك الحق في الرد، ولا يمكن تصوّر أنه لا يوجد ثمن يجب دفعه".

وقال إن الموقف الأمريكي الداعم بقوة في بداية الحرب ساعد "بايدن" لاحقا في ممارسة المزيد من الضغوط عندما قررت الولايات المتحدة دفع حليفها بقوة أكبر نحو وقف إطلاق النار مع تفاقم الأزمة.

ووجد "نتنياهو"، الذي يواجه اضطرابات سياسية داخلية، قطاعا متشككا بشكل متزايد بين المشرعين الديمقراطيين في الولايات المتحدة بالإضافة إلى "مينينديز"، وبالطبع حدث تحول في المشاعر العامة في الحزب الديمقراطي.

وقالت "رشيدة طليب"، في كلمة ألقتها في مجلس النواب بعد عدة أيام من اندلاع القتال: "من واجبنا إنهاء نظام الفصل العنصري الذي عرّض الفلسطينيين لعقود لمعاملة غير إنسانية وعنصرية".

ويوم الثلاثاء، تحدثت "رشيدة" أيضا على انفراد مع "بايدن" لعدة دقائق عندما زار ديربورن بولاية ميشيجان، التي يبلغ الأمريكيون العرب ما يقرب من 50% من سكانها. وبعد فترة وجيزة، أثناء حديثه، شكر "بايدن" "رشيدة" لكونها "مقاتلة"، وقال إنه كان يصلي من أجل "جدتها وعائلتها" في الشرق الأوسط.

وقدم السيناتور "بيرني ساندرز"، وهو يهودي، الخميس، قرارا يرفض بيع الولايات المتحدة لأسلحة دقيقة التوجيه بقيمة 735 مليون دولار لإسرائيل. وقال أحد النواب الديمقراطيين إن العديد من الديمقراطيين الذين يدعمون إسرائيل أصبحوا محبطين بشكل متزايد من "نتنياهو" وحكومته.

وكان وزير الدفاع "لويد أوستن" ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال "مارك إيه ميلي"، على اتصال شبه يومي مع قادة الجيش الإسرائيلي، وكانا يتمتعان بما وصفه المسؤولون الأمريكيون بإدراك جيد للأهداف التي أرادت إسرائيل ضربها.

وقال المسؤولون الأمريكيون إنه مع مرور الوقت، كان يجب على الجيش الإسرائيلي أن يوازن بين الضرورة العسكرية لتدمير مواقع الصواريخ والأهداف الأخرى مقابل الخسائر في الأرواح والمكانة الدولية.

ويوم الإثنين الماضي، تحدث "بايدن" مع "نتنياهو" للمرة الثالثة منذ بدء الأزمة، وأعرب عن "دعمه لوقف إطلاق النار"، بحسب بيان البيت الأبيض حول الاتصال. وفي حين أن هذا قد يبدو معتدلا، إلا أنه كان بمثابة بداية العد التنازلي للدعم الأمريكي الخطابي.

وكان استخدام كلمة "وقف إطلاق النار" مهما، لأن إسرائيل ترفض عموما المصطلح على أساس أنه ينطوي على اتفاق بين حكومة وحكومة، وبالتالي يضفي شرعية على حماس. وكان زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ "ميتش مكونيل"، على سبيل المثال، قال إن وقف إطلاق النار يمثل مشكلة لأنه لا يوجد تكافؤ  بين حماس وإسرائيل.

ويوم الأربعاء، في محادثته الهاتفية الرابعة مع "نتنياهو"، وجه "بايدن" تحذيره الأكثر صرامة. وفي بيان مقتضب من ​​3 جمل فقط لم يذكر حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، قال البيت الأبيض إن "بايدن" "أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه يتوقع وقف تصعيد كبير اليوم على طريق وقف إطلاق النار".

ولم تغب لغة البيان عن الديمقراطيين أو المسؤولين الإسرائيليين أو مراقبي الشرق الأوسط القدامى. لقد عكست المحادثة بين "بايدن" و"نتنياهو" التي وصفها شخص مطلع عليها بأنها صريحة ومباشرة، لكنها لم تكن مثيرة للجدل.

وأخبر "بايدن"، "نتنياهو" بما قاله المسؤولون الأمريكيون الآخرون للمسؤولين الإسرائيليين منذ بيان "مينينديز"، وهو أن الأرضية السياسية في واشنطن محفوفة بالمخاطر إذا أصر "نتنياهو" على موقفه وصعّد أكثر من ذلك. وبعبارات فظة بشكل غير عادي، قال "بايدن" لـ"نتنياهو" إنه "يتوقع" أن يرى الصراع ينتهي في ذلك اليوم.

من جانبه، أدرك "نتنياهو" الرسالة، كما قال شخص آخر مطلع. وكانت حكومته قد أعطت بالفعل إدارة "بايدن" مؤشرا على أن قائمة الأهداف الإسرائيلية تقلصت إلى حد كبير.

ولم يقلق فريق "بايدن" عندما استمرت الضربات العسكرية الإسرائيلية على قدم وساق يوم الأربعاء، حسبما قال شخص مطلع على تفكير البيت الأبيض. واعتقد البيت الأبيض أن إسرائيل كانت تنهي بضعة أهداف أخرى من قائمتها ومن ثم ستشارك في الجهود الجارية من أجل وقف إطلاق النار. وقال الشخص المطلع على تفكير البيت الأبيض إن هذا ما حدث إلى حد كبير.

ولم يمتثل "نتنياهو" على الفور، واستمر في حملته الجوية حتى الخميس، حتى مع تبلور مفاوضات وقف إطلاق النار، وشاركت مصر في الدبلوماسية المعقدة، حيث عملت كوسيط مع حماس.

وأجرى "بايدن" مكالمتين هاتفيتين أخريين مع "نتنياهو" الخميس، إحداهما بعد إعلان وقف إطلاق النار.

وقال العديد من الخبراء إن المخاطر التي تتعرض لها إسرائيل سياسيا كانت تتفوق على الفوائد المحتملة إذا لم توافق على وقف إطلاق النار.

وقال "روس"، موجها كلامه لـ"نتنياهو": "أنت تخاطر بوقوع حدث كارثي حيث تقتل عددا كبيرا من الأشخاص ما يخلق سيلا من الانتقادات بحيث يصعب عليك الصمود أمامه. وسيكون من الصعب عليك تبرير موقفك".

المصدر | آن جيران وآشلي باركر - واشنطن بوست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الأمريكية الإسرائيلية إدارة بايدن غزة تحت القصف فلسطين تنتصر الحزب الديمقراطي الحزب الجمهوري حرب غزة

أكسيوس: هذه تفاصيل مكالمات بايدن لوقف إطلاق النار في غزة