الموقف السعودي تجاه الأزمة السورية لم يتراجع ولم يتغير، العنوان العريض لهذا الموقف هو أن لا مستقبل للأسد في سوريا.
وضوح وتماسك الموقف السعودي الذي يرتكز على مرتكزات عدة، أكد عليها في الأسبوع الماضي وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير»، من خلال عواصم دولية عدة، قبيل محادثات فيينا، وهي: أن لا مكان للرئيس الأسد في مستقبل البلد الذي تمزقه حرب أهلية منذ نحو خمس سنوات، وضرورة حل الأزمة بالطرق السلمية وذلك بتطبيق قرار (جينف1) بتشكيل هيئة انتقالية أو مجلس انتقالي يتولى إدارة شؤون البلاد وإعداد دستور جديد وإجراء انتخابات تقود إلى حكومة تشارك فيها الأطراف كافة.
القضاء على «داعش» يستدعي إبعاد الأسد عن السلطة؛ لأنه هو من جلب المقاتلين الأجانب ليقاتلوا في صفوف «داعش»، ولأنه السبب في انتشار «داعش» والإرهاب، وكذلك دعم السعودية للمعارضة السورية ضد «آلة قتل بشار الأسد مستمر»، والوقوف إلى جانبها بهدف إقامة دولة موحدة في سوريا لا مكان لبشار الأسد فيها، وفي سبيل ذلك تقود الرياض عملاً ديبلوماسياً عربياً وإسلامياً مُكثَّفاً لدفع المجتمع الدولي إلى إيجاد حل للأزمة السورية، التي أسفرت على مدى أكثر من خمس سنوات عن قتل أكثر من ربع مليون شخص، وتشريد ملايين عدة بين نزوح ولجوء، علاوة على آثارها السلبية المنعكِسة على الشرق الأوسط.
التشديد السعودي على تلك المرتكزات في الأيام الماضية، التي سبقت الاجتماع الرباعي في فيينا، كان بمثابة رسالة إلى روسيا أنها إذا كانت جادة في مواقفها تجاه محاربة الإرهاب، فعليها أن تدعم الجهود الدولية التي تقوم على تنفيذ فترة انتقالية في سوريا وفق مبادئ (جنيف1)، وعليها أن تدرك أن الأسد لا يسيطر إلا على أقل من 20 في المئة من سوريا، ورهانها عليه، رهان خاسر باعتبار أن الشعب السوري قال كلمته في النظام ولن يتراجع، وأنها قد ارتكبت خطأ واضحاً بتدخلها في سوريا، باعتبار أن التدخلات الروسية لن تحل المشكلة السورية، بل أنها ستأجج من حدة الصراع والحرب والقتل، وستطيل من أمد الأزمة تعقيداً، لأن الحل الوحيد هو بتنحي بشار الذي قام بقتل الشعب وتشريده، ولذلك فإن السبيل الوحيد لحل الأزمة في سوريا هو انتقال سياسي بعيداً عن بشار الأسد، يستند على إعلان (جنيف1)، وأن يدفع الروس الأسد للرحيل وفق خطة يتفق عليها وبمدى زمني محدد ومقبول، ومن دون أن يكون لديه صلاحيات، وفي الوقت نفسه التأكيد أن التدخل العسكري الروسي لمصلحة الأسد فرض واقعاً جديداً يتطلب من أصدقاء الشعب السوري التعامل معه بجدية قبل فوات الأوان، وأن المملكة لن تتقاعس عن دعم المعارضة المعتدلة بالسلاح.
أهمية اجتماع فيينا وهو الأول من نوعه الذي يعقد بعيداً عن إشراف الأمم المتحدة منذ بدء النزاع السوري في آذار (مارس) 2011، أنه جاء لإيجاد أرضية معينة، لتوافق دولي حول الحل في سوريا، وردم الفجوة بين الأطراف، وجس النبض، ومحاولة تخطي العقبة الرئيسة، وهي هل سيكون للأسد دور في المرحلة الانتقالية التي يسعى المجتمع الدولي لفرضها على سوريا أم لا؟ وهل سيخرج من المشهد قبل بداية تلك المرحلة أم أنه سيخرج عند نهايتها؟ وكيف؟ وإلى أين؟ انتهت أولى جولات المحادثات باتفاق فقط على «مواصلة التشاور»، وخلاف واضح حول رحيل ومصير الرئيس السوري بشار الأسد، أي أن مساحة الخلاف الرئيس بين واشنطن وحلفائها من جهة، وروسيا من الجهة الأخرى لا تزال واسعة، حول هذه المعضلة الجوهرية.
روسيا تريد أن يبقى الأسد خلال الأشهر الستة الأولى من المرحلة الانتقالية، بينما ترفض هذا الخيار الجهات الأخرى، لكنها من الممكن أن تقبل ببقائه لستة أشهر تمهيدية للمرحلة الانتقالية، وإذا لم يصل الأطراف لأي إجماع أو اتفاق واضح المعالم ولخطة سياسية عملية وجادة في آليتها وتنفيذها، فيما يتعلق بالمصير السياسي للرئيس السوري بشار الأسد خلال جلسات المحادثات القادمة، فإن ذلك يشير إلى أن الصراع قد يستمر لفترة طويلة، وأن تستمر معاناة الشعب السوري طالما بقي بشار الأسد في السلطة.
* حسن بن سالم كاتب سعودي.