أمريكا وسد النهضة.. هل يمكن الرهان على واشنطن لحل الأزمة؟

الأحد 30 مايو 2021 01:38 م

لماذا يبدو موقف الولايات المتحدة الأمريكية من أزمة سد النهضة الإثيوبي غامضا؟ وإلى أي مدى سيكون موقفها النهائي حاسما في حل الأزمة؟ وما هي دلالات العقوبات التي فرضتها على إثيوبيا مؤخرا؟ ولماذا ترفض التلويح المصري بتوجيه ضربة عسكرية إلى السد حال تسببه في إضرار خطير بالأمن المائي للبلاد؟.

هذه الأسئلة وغيرها باتت محور نقاشات الخبراء والمحللين خلال الأيام الماضية، خاصة في ظل تطورات شهدتها العلاقات الأمريكية المصرية من جانب والأمريكية الإثيوبية من جانب آخر، عززت من قدرة واشنطن على ممارسة الضغط على كل منهما، لكن دون مؤشر واضح على "إرادة" حقيقة لحل النزاع.

فإثيوبيا التي كانت قد وافقت في عهد ترامب على مشاركة واشنطن والبنك الدولي في عملية التفاوض بشأن السد، حتى كادت مباحثات واشنطن أن تصل إلى اتفاق ثلاثي ملزم لأديس أبابا والقاهرة والخرطوم، مستوحى من نموذج التعاون الناجح الذي يحكم حوض نهر السنغال، تراجعت في اللحظة الأخيرة فجأة، وادعت أن الاتفاقية المقترحة تحرم إثيوبيا من حقها في توليد الكهرباء بكفاءة من سد النهضة أو إنجاز مشاريع مستقبلية، وتفرض حصص مياه لا تشترك فيها إثيوبيا.

وبعد فشل المفاوضات التالية في عاصمة الكونغو الديمقراطية كينشاسا، تبادلت الأطراف الاتهامات بشأن المسؤولية عن الوصول لطريق مسدود، وأعلنت القاهرة والخرطوم اتخاذ إجراءات حاسمة في حال واصلت إثيوبيا الملء الثاني لسد النهضة بشكل أحاجي، وهو ما أعلنت الخرطوم أن تم فعليا ابتداء من 6 مايو/أيار الجاري، دون تدخل أمريكي "حاسم" حتى الآن.

اكتفت واشنطن بموقف دبلوماسي، عبر عنه وزير الخارجية "أنتوني بلينكن"، لدى استقبال الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" له في القاهرة، يوم الأربعاء الماضي، مؤكدا على ضرورة استئناف المفاوضات بشأن سد النهضة.

غير أن مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير "جمال بيومي" يرى أن زيارة "بلينكن" للقاهرة في هذا التوقيت، مثلت واحدة من مكاسب الدبلوماسية المصرية بعد الجدارة التي أثبتتها القاهرة في ملف وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة، وفقا لما أورده موقعه "مصراوي".

مغازلة اقتصادية

وفي المقابل، واجهت إثيوبيا العقوبات الأمريكية ضدها بسبب جرائم الحرب في النزاع المسلح بإقليم "تيجراي" بمغازلة الولايات المتحدة عبر بوابة الانحياز الاقتصادي لها على حساب الصين، إذ أعلنت فوز مشروع مدعوم من واشنطن (فودافون) على حساب آخر يحظى بدعم بكين في مناقصة ضخمة بمجال الاتصالات.

وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن المشروع الذي تصل قيمته مليارات الدولارات يحظى بتمويل من شركة تمويل التنمية الدولية (DFC) التي أنشأتها الحكومة الأمريكية في عام 2019 لتقديم بديل عن التمويل الصيني لمشاريع البنى التحتية في الدول النامية.

وإزاء ذلك، أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي "جيك سوليفان"، في بيان، مساء الجمعة الماضي، أن "الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع حلفائها وشركائها لتعزيز السلام والازدهار المشتركين في جميع أنحاء القرن الأفريقي"، كما ذكرت الخارجية الأمريكية، في بيان، أن "مبعوث القرن الأفريقي سيعمل على قضايا إقليم تجراي والخلاف بين السودان وإثيوبيا وملف سد النهضة".

ويشير الإعلان الأمريكي إلى رغبة في ممارسة بعض الضغوط على إثيوبيا من أجل تفادي إلحاق "ضرر كبير" بحصة مصر والسودان المائية، لكن دون الوصول إلى مستوى إجبار أديس أبابا على تنفيذ الرغبة المصرية والسودانية بالوصول إلى اتفاق ثلاثي ملزم يضمن ملء وتشغيل السد بتنسيق مسبق.

وفي هذا الإطار، كشفت الولايات المتحدة الأمريكية عن استراتيجية تقوم على دفع الأطراف المتنازعة بشأن ملف سد النهضة، للوصول إلى مقاربة تؤكد على حق إثيوبيا في بناء منشآتها المائية، مع أهمية حصول دولتي المصب السودان ومصر على البيانات والمعلومات التي تمكنهما من وضع توقعات مستقبلية صحيحة، تجنب أي اضرار محتملة من السد.

لكن المحلل والباحث الإثيوبي "موسى شيخو" يشير إلى أن "واشنطن تدفع أديس أبابا في اتجاه القبول بتبادل البيانات، لكنها لا تطرح مبادرة منفصلة عن جهود الاتحاد الأفريقي، وذلك في إطار إستراتيجية تقوم على دفع الاطراف الثلاثة للتوصل إلى اتفاق، بدلا من توتير الأجواء"، وفقا لما أوردته قناة "سكاي نيوز عربية".

موقف استفزازي

فهل تقبل القاهرة بهذا الموقف؟ يرى الأستاذ المشارك في مركز الشرق الأدنى للدراسات الاستراتيجية بواشنطن "ديفيد دي روش"، أن مصر تعتبر الموقف الإثيوبي "استفزازيا بشكل كبير"، مضيفا: "مصر تعتمد بشدة على النيل، ولا يمكن للمصريين أن يبتسموا ويتحملوا ذلك"، وفقا لما نقلته إذاعة "فويس أوف أمريكا".

ورغم استجابة مصر لوساطة أمريكا بشأن التدخل لتثبيت هدنة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، لم ترد أمريكا بالتدخل لحل أزمة سد النهضة بحسم، بل حذرت وزارة خارجيتها بوضوح من أن "الحل العسكرى لأزمة السد الأثيوبي سيكون كارثيا على المنطقة".

وفي هذا الإطار، حذر المبعوث الأمريكي لمنطقة القرن الأفريقي "جيفري فيلتمان" في مقابلة مع مجلة "فورين بوليسي" من تبعات الخلاف حول سد النهضة مشبهاً الأزمة بانهيار سوريا وفوضى الحرب الأهلية وما تبعها من أزمة اللاجئين وتأثيرها على أوروبا، مؤكداً أن الأزمة ستكون أعمق في حال انهارت إثيوبيا التي يقطنها 110 مليون نسمة.

ويستند الموقف الأمريكي من ملف سد النهضة إلى رؤية إدارة الرئيس "جو بايدن" لمنطقة القرن الأفريقي باعتبارها تضم جزءا مهما من الحلفاء الأمرييكين، فضلاً عن كونها منطقة هامة من الناحية الاستراتيجية، رغم كونها جزءا معقدا من العالم تحكمه خلافات تاريخية وعرقية لا يمكن تجاوزها بسهولة.

 لذلك تضع الإدارة الأمريكية في مقدمة أولوياتها الخارجية "حل النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا والأزمات العرقية في إثيوبيا التي تهدد السلام الاجتماعي بخاصة بعد حرب التيجراي واشتعال غضب الأمهرة من حكومة آبي أحمد"، فيما لا يحظى ملف سد النهضة بالأولوية ذاتها على ما يبدو.

لا للحلول العسكرية

من هنا جاء رفض المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأمريكية "جيرالدين جريفيث"، الإجابة على سؤال حول موقف واشنطن حال رفض أديس أبابا الحلول التفاوضية مع القاهرة والخرطوم، قائلة: "لن أدخل في فرضيات ما يهمنا الدخول في حل سلمي ومرضي للأطراف"، مؤكدة أن أمريكا تدرك أهمية نهر النيل للشعوب في المنطقة، وذلك في مقابلة مع الإعلامي المقرب من النظام المصري "أحمد موسى"، ببرنامج "على مسؤوليتي"، المذاع على فضائية "صدى البلد".

ولذا يرى وكيل المخابرات المصرية الأسبق، اللواء "محمد رشاد"، أن "قيام واشنطن بفرض عقوبات أمنية واقتصادية على إثيوبيا بسبب الحرب في إقليم تيجراي، يندرج تحت ملف حقوق الإنسان، إذ يريد البيت الأبيض من كل الأطراف المشتركة في هذا الصراع أن تنسحب من الإقليم"، مشيرا إلى أن ذلك "لا علاقة له بملفات سد النهضة والحدود مع السودان" وفقا لما نقلته وكالة "سبوتنيك" الروسية.

ويشير خبير المياه المصري في مركز دراسات الشرق الأوسط "نور أحمد نور عبدالمنعم" إلى أن واشنطن "لو أصرّت على حل الأزمة لن تستطيع أديس أبابا الوقوف أمامها، لكن الأمور لم تصل بين واشنطن وأديس أبابا إلى مرحلة الخلاف، لأن هناك مصالح أمريكية كبرى للولايات المتحدة في القرن الأفريقي".

من هنا، وصفت تقارير صحفية عالمية تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع إثيوبيا بـأنه "السياسة ذات الوجهين"، حيث تظهر وجها يهاجم أديس أبابا بسبب انتهاكاتها في إقليم "تيجراي" التي وصلت إلى درجة ارتكاب جرائم حرب، ووجها آخر عند تعاملها مع أزمة سد النهضة.

براجماتية معهودة

وفي هذا الإطار، نقلت "فورين بوليسي" عن مسؤولين ومساعدين في الكونجرس الأمريكي أن إدارة "بايدن" تخطط لزيادة الضغط على "آبي أحمد" بطرق منها وقف تمويل المساعدة الأمنية الأمريكية لإثيوبيا، واستهداف برامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في البلاد، حسبما ورد في تقرير لموقع "إندبندنت عربية".

وسلط وزير الري المصري الأسبق "محمد نصر علام" الضوء على تلك السياسة بقوله: "أمريكا تحذر من كارثية الحل العسكري ولكنها لم تعلن بأن عزم أثيوبيا الملء الثانى للسد بدون اتفاق قانونى حول قواعد والملء والتشغيل هو السبب الرئيسي للأزمة (..) تنتقد أثيوبيا وسياساتها العنصرية مع مواطنيها بشدة وتوقع بعض العقوبات الاقتصادية والأمنية على النظام الأثيوبي، لكنها تحرص أيضا على نجاح رئيس الوزراء "آبي أحمد" فى الانتخابات وتسويق الملء الثانى للسد الأثيوبي لزيادة شعبيته" وفقا لما أوردته صحيفة "رأي اليوم".

غير أن عديد الخبراء يرون في موقف الولايات المتحدة تكرارا لـ"براجماتية معهودة" تستهدف وضع جميع أطراف الأزمة تحت الضغط الأمريكي وربط مصالحها ببوصلة واشنطن عبر إبقاء الأزمة "تحت السيطرة" لكن دول حل جذري.

ولذا يرى الدبلوماسي المصري السابق "معصوم مرزوق" أن الحل الحاسم لأزمة سد النهضة "لا يكمن عند أمريكا"، مشيرا إلى أن "صانع الأزمة لا يحلها"، وفقا لما نقلته "رأي اليوم".

وخلص "مرزوق" إلى أن الحل بالنسبة لمصر والسودان هو "تغيير الأمر الواقع بكل الوسائل المشروعة"، بحيث يتم فرض الواقع على الأرض دون انتظار عملية تفاوض تبدو بلا نهاية.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

سد النهضة أمريكا مصر السودان إثيوبيا أديس أبابا القاهرة الخرطوم آبي أحمد

السودان يحذر من الملء الثاني لسد النهضة: يشكل خطرا حقيقيا

الخارجية الأمريكية: متفائلون بتحقيق انفراجه بأزمة سد النهضة

حشد ديني إثيوبي دعما لسد النهضة.. ومصر تراوح مكانها