حشد ديني إثيوبي دعما لسد النهضة.. ومصر تراوح مكانها

الاثنين 14 يونيو 2021 02:56 م

المتابع لملف سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، ويجد معارضة وتخوفات من مصر والسودان، يكتشف أن ثمة دعما شعبيا واسعا بـ"خلفية دينية"، في أديس أبابا للسد، وما سيجلبه من تنمية للبلاد.

فهناك ما يشبه استنفار المؤسسات الدينية الإثيوبية ممثلة في الكنيسة بتنويعاتها والمجلس الإسلامي الأعلى والإفتاء، لدعم السد، إلا أنه في مصر، تجد المؤسسات الدينية لا تتحرك لمواجهة السد، وإن تحركت تكون خطواتها على استحياء.

فبعيدا عن المفاوضات المتعثرة، والمعركة التي تخوضها مصر على المستويات السياسية والدبلوماسية، والتلويح بالخيار العسكري على مستوى التصريحات أو التدريبات المشتركة على الأراضي السودانية، إلا أن البعد الديني المواجه للسد غائب تماما عن الساحة، فيما يشبه الصمت.

ورغم تاريخية العلاقة القديمة بين الكنيستين الإثيوبية والمصرية، فإن الأخيرة لم تقم بدور جاد في سياق المسار التفاوضي.

وقد شاركتها في ذلك المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية ممثلةً في كل من الأزهر والأوقاف ومن ثم دار الإفتاء، التي غاب تموضع قضية النيل عن أجندتها، رغم انعكاساتها الكبيرة على المشهدين السياسي والمجتمعي في الداخل المصري، الأمر الذي استدعى، في سياق المقارنة بين المؤسسات الدينية في كل من مصر وإثيوبيا، محاولةَ فهم الأسباب التي تقف وراء غياب المؤسسات الدينية المصرية عن المعركة، التي يقول المصريون إنها أخطر الأزمات التي تهدد مستقبلهم وأمنهم القومي.

الكنيسة الإثيوبية

ظلت الكنيسة الإثيوبية، على مدار 16 قرنا، تابعة بشكل مباشر للكنيسة الأم في الأسكندرية.

فقد كان بطريرك الكنيسة المصرية في الأسكندرية، هو من كان يقوم بتعيين وترسيم مطران الكنيسة الإثيوبية، وذلك من بين عدد من الرهبان المصريين.

إلا أنه في النصف الثاني من القرن الماضي، شهدت الكنيستان "طلاقا بائنا"، في حكم الإمبراطور الإثيوبي "هيلا سيلاسي" وتحديدا عام 1959.

وعلى مدار العقود الماضية، كانت للمؤسسة الدينية الإثيوبية، دائما "دور هامشي" في قضايا السياسة الخارجية في جميع فتراتها، إلى أن جاء رئيس الوزراء الحالي "آبي أحمد"، وقدم منظورا خاصا تجاه الكنيسة.

وقام "آبي أحمد"، بإحداث تنوع عرقي داخل كنيسة "التوحيد" الإثيوبية، التي تجمع أكثر من 40% من مسيحيي إثيوبيا، ونجح في إرجاع بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية "الأنبا مركوريوس"، بعد 27 عاما قضاها في المنفى بالولايات المتحدة.

وعلى إثر ذلك، نجحت خطة "آبي أحمد"، في توظيف إثيوبيا للروايات الدينية للترويج لدورها ومكانتها الخاصة، حتى خلقت الكنيسة "شعورا بالأمة الإثيوبية ودورها"، وأهمية حمايتها، وهو ما انعكس في قضية "سد النهضة".

وعلى الرغم من خلاف الكنيسة مع "آبي أحمد"، حول أزمة إقليم تيجراي، إلا أن ذلك لم يمنعها من دعمه والوقوف بجانبه في بناء السد.

ولعل آخر بيان صادر عن الكنيسة الإثيوبية في مايو/أيار الماضي، دليلا على ما تم ذكره، حين قال: "يجب على بعض البلدان التوقف عن التدخل في تنميتنا الوطنية، ويجب على شعوب العالم أن تفهم أن إثيوبيا تحافظ على وحدتها".

ودعا البيان، الإثيوبيين إلى مواصلة دعمهم للسد، باعتباره "خطوة للأمام في رفع الفقر".

ودائما ما يستشهد الإثيوبيون، بتصريحات رئيس الكنيسة الكاثوليكية الإثيوبية الكاردينال "برهانيسيس سورافيل"، حين قال إن إثيوبيا "لها الحق في تطوير أنهارها من أجل توفير الكهرباء لملايين مواطنيها مثلما فعلت مصر".

وأضاف: "المصريون يحصلون على الكهرباء بطريقة أفضل من إثيوبيا، ومن حقنا السعي نحو حياة أفضل".

المؤسسة الإسلامية الإثيوبية

أما مسلمو إثيوبيا، الذين يمثلون أعراقا من الصومال والتيجراي والأورومو وغيرهم، فخضعوا لرعاية منظمة منذ الإمبراطور "هيلا سيلاسي" الذي أوعز إليهم فكرة أن مصر تسرق النيل، وأن مصر تحصل منه كل شيء، وعبارات من هذا القبيل.

وحينما وصل "آبي أحمد"، إلى السلطة، منح المجلس الإسلامي (أكبر هيئة إسلامية في البلاد) في 2018، وضعا قانونيا بعد عقود من عدم الاعتراف به، ليصبح بذلك مؤسسة دينية إسلامية ذات سيادة كاملة.

وبالتالي، بات المسلمون يشاركون مناسباتهم وأعيادهم الدينية، ما جعلهم يقفون في صف "آبي أحمد" في قضاياه الوطنية.

ويعد المفتي الحاج "عمر إدريس"، أبرز هذه الوجوه، وهو الذي عرف عنه خطبه وتصريحاته المختلفة، التي تضفي شرعية دينية على مشروع السد وأهميته.

وكثيرا ما يؤكد مسلمو إثيوبيا، أن السد سيعمل على تحقيق مستقبل أفضل تطول كل مناحي الحياة خاصة الاقتصادية منها، وهو ما يجعل من مشروع السد قضية الأمة الإثيوبية بكل تنويعاتها الملية والعرقية.

تعاون مسيحي إسلامي

لم يقف الأمر عند ذلك، بل اتحد مسيحيو إثيوبيا ومسلموها، للوقوف دعما للسد، وأصدر مجلس أديان إثيوبيا، وهو مجلس يضم 7 مؤسسات، العام الماضي، بيانا دعم "حق إثيوبيا الطبيعي في تطوير نهر النيل".

وأعلن البيان دعم المجلس للحكومة الإثيوبية في خطواتها ببناء السد، دون تدخل خارجي.

وأكد أنه ينبغي على الحكومة أن تواصل التزامها ببناء السد وإكماله لصالح الجمهور، دون الإضرار بالدول المشاطئة لنهر النيل.

الكنيسة المصرية

أما في مصر، فتبدو الصورة أكثر سكونا، فلا تجد تحركات على الصعيد الديني، لمواجهة السد، الذي يهدد الأمن المائي والزراعي في البلاد.

فالكنيسة المصرية، تحركها على استحياء، رغم أنها لعبت أدوارا مهمة سابقا في العلاقات مع إثيوبيا، خاصة أن رأس الكنيسة المصرية الأسبق البابا "كيرلس السادس"، كانت تجمعه بالإمبراطور "هيلا سلاسي" علاقات شخصية، والتي كثيرا ما كان الرئيس المصري الراحل "جمال عبدالناصر" يوظفها في خدمة المصالح المشتركة.

بيد أنه في اللحظة الراهنة، بدا خطاب الكنيسة المصرية "هادئا ومتراجعا"، رغم صخب الأحداث التي رافقت معركة مصر التفاوضية مع السد، حتى باتت الكنيسة تفتقد إلى التأثير والحضور الفاعل.

حتى إنها في مطلع مايو/أيار الماضي، ورغم حديث رأس الكنيسة المصرية البابا "تواضروس الثاني"، عن الأزمة، اكتفى بدعوة إثيوبيا لتجنب القلق والصراع في المنطقة، والذهاب لحل توافقي في أزمة سد النهضة.

وبدت لهجة "تواضروس" هادئة حين قال، في عظة دينية نقلها التلفزيون الحكومي: "نصلي كثيرا من أجل مشكلة سد النهضة، ليمد الله يده ويعمل فيها للوصول إلى حلول ترضي الجميع".

ودعا "تواضروس الثاني"، حينها إثيوبيا حكومة وشعبا إلى المشاركة والتعاون والتنمية بدلا من أي قلق أو صراع أو متاعب، وقال: "نحن أشقاء في نهر النيل الخالد، نصلي أن يُنجِح الله كل الجهود الطيبة، الجهود الدبلوماسية والسياسية، حتى لا نلجأ إلى أي جهود أخرى".

كما كانت تصريحات بابا الإسكندرية، في مطلع 2020، حول زيارته لإثيوبيا عام 2015، هادئة ومطمئنة للمصريين، خاصة انه كرر نفس الكلام الذي تروج له أديس أبابا، بأن "السد غرضه الأساسي إنتاج طاقة، وأنه لن يضر بالمصريين".

الأزهر والأوقاف والإفتاء

أما المؤسسات الإسلامية في مصر، فهي الأخرى، كانت ساكنة في تعاملها مع الملف، فلم يخرج شيخ الأزهر "أحمد الطيب"، إلا بتغريدة وحيدة حول السد، العام الماضي، قال فيها إن "نهر النيل هو شريان الحياة لمصر التي كانت دائما ولا تزال داعيةَ سلام واستقرار للجميع، لذلك فإن دفاعها عن حقوق شعبها في الحصول على حصته المائية واجب لا يحتمل الجدل ولا يقبل التهاون".

وأضاف: "إذا كان معلوما أن أحدا لا يستطيع أن يصادر حق إثيوبيا في التنمية والاستفادة من النهر، فإن أحدا أيضا لا يستطيع أن يصادر حق الشعب المصري التاريخي في مياه هذا النيل".

والعام الجاري، خرج "الطيب"، في بيان عام، لم يذكر اثيوبيا بالاسم، ولم يخص نهر النيل، بالقول: "من أمسِّ ما يتعلق بموضوع الإفساد في الأرض ويجب أن يتكاتف العالم لوقفه قبل أن تنتقل عدواه إلى نظائره من البيئات والظروف المشابهة ما ظهر حديثًا من ادعاء ملكية بعض الموارد الطبيعية، والاستبدابي بالتصرف فيها بما يضر بحياة دول أخرى".

وقال شيخ الأزهر إن "الله تعالى لما جعل الماء هو أصل الحياة على اختلاف أنواعها خص نفسه سبحانه بتفرده بملكيته وبإنزاله من السماء إلى الأرض وجعله حقًّا مشتركًا بين عباده".

ووفق مراقبين، فإن هذه التغريدة أو البيان العام، هي محاولة على استحياء من "الطيب" في تسجيل موقف للتاريخ وحسب، لافتين إلى شيخ الأزهر يرغب في النأي بنفسه عن الدخول في معارك سياسية مع السلطة الحالية، خاصة في ظل الخلاف القائم في الأساس بينهما.

لكن الغريب، أنه رغم تداخل وزارة الأوقاف ودار الإفتاء مع السلطة بشكل كبير، ووكونهما تتبعان الموقف الرسمي للدولة، ولا تخرجان عن الخط العام لها، فإنهما التزمتا الصمت ولم تتطرقا إلى الموضوع.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سد النهضة الكنيسة الأزهر مفاوضات سد النهضة الكنيسة الإثيوبية مؤسسات دينية

إثيوبيا تحشد قواها الدينية والسياسية لإكمال سد النهضة

مصر تكشف كمية المياه التي تحصل عليها إثيوبيا من نهر النيل والأمطار

اشتباكات بين رهبان مصريين وإثيوبيين بالقدس.. ما القصة؟ (فيديو)