استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

طوفان من العواطف.. وصفر من التحليل

الأربعاء 28 أكتوبر 2015 12:10 م

يمكن الاستلقاء على الشاطئ، أو أمام التلفاز في البيت، والحديث عن الثورات العربية، برومانسية المغرمين الحالمين، وأن تهتف "الثورة الثورة"، كما لو كنتَ تُمثل مشهداً في فيلم، من دون أن يكدر صفو استجمامك حمَّام الدم الدافق في المشرق العربي. لكن هذه الرياضة لا تشبه، بأي حال، التحليل السياسي وتفسير الظواهر. 

لم يبلغ السجال حول الثورات العربية مداه الأقصى، ربما لأنه لم يفضِ إلى خاتمة تناسب مخيالنا. ثمة رغبة جارفة بتحقيق انتصار، حتى لو كان معنوياً، بالثأر من الأنظمة، عبر تدمير الدول التي تحكمها. المهم أن لا نتوقف عن رؤية بصيص من الأمل، ولو من جبين أبو بكر البغدادي، أو من خاتم أبو محمد الجولاني. والأهم أن نستمر في الحلم، وفي "بيع الوهم على الذات"، بأن ميزاب الدم سينبت زهرة الديمقراطية. 

لكل مثقف انحيازاته التي لا يُخفيها، ولأن النشاط الثقافي لملمة لشتات الأفكار، وتصنيفها ووضعها في روزنامة مفاهيمية، تسهل على القارئ الاستفادة منها، لفهم الأحداث وتفسيرها، فإننا في الحديث عن الربيع العربي، لا بد أن نعطي مفهوم الثورة حقه من النقاش، من دون أن نتجاوز التركيز على ما هو أهم من الثورة، وهو مفهوم الشعب ومصيره، فهو الذي تقام الثورة على أرضه، وباسمه، وبالنيابة عنه أحياناً. 

هناك تيار يريد وضع الثورة قيمة فوق القيم، بإعطاء الفعل الثوري قداسة بذاته ولذاته، وجعله متعالياً، بغض النظر عن انحرافات الثورة ومآلاتها. ليس لأنه ينتمي لخطاب ثوري، بقدر ما هي ذريعة للاستبداد بالخطاب الديمقراطي، وجعله حكراً عليه، عبر شيطنة أي نظرة عقلانية للصراع القائم، تحمل رؤية نقدية للأطراف المتصارعة، بما فيها النظام و"الثوار". 

الثورة عملية تهشيم لقوى اجتماعية مهيمنة على النظام السياسي القائم، ومنظومة القيم التي يحملها، من أجل استبداله بقوى اجتماعية جديدة، لها برنامج سياسي إصلاحي واضح، قادر على نقل الناس نقلة تاريخية على جميع الأصعدة. الثورات العربية انطلقت بعفوية طفولية حاملة طموحات محقة، إلا أن بعضها تحول، بفعل بطش النظام، وانجرار المعارضة للعنف المنظم، إلى اقتتال أهلي مزَّق المجتمع، وهدم أساسات الدولة المراد نقلها إلى مستوى سياسي واجتماعي أفضل. 

الثورة تمرد على المنظومة القائمة، بهدف تغييرها، وهذا لا يجعل منها قيمة بحد ذاتها، ولا يصنع لها قداسة، أما تحليل منجزاتها، أو الانحياز لها، واتخاذ المواقف منها، سلباً أو إيجاباً، فهو يعتمد، أساساً، على المشروع المراد تشييده، والأدوات والخطاب المُستخدم في إسقاط النظام. والموقف، هنا، يراعي تقييم المشروع على الأرض، بعيداً عن تخيّل حالة رومانسية للثورة، والعيش في أزمة إنكارٍ للواقع. ولا يمكن لمثقف مسؤول يدّعي الانحياز للديمقراطية والحريات أن يتجاوز أن الثورة السورية اختُطِفَت، وتحولت إلى "أولمبياد جهادي"، وأن شعارات القوى الفاعلة داخلها بعد العسكرة غارقة في الطائفية، وترفض في غالبها الديمقراطية، وتطلب تحكيم "الشريعة"، وتستهدف الناس على أساس الهوية، ولا تنظر للمواطنين إلا رعايا طوائف. وقد دعت الفصائل التي يؤيدها "رومانسيو الثورة"، منذ بواكير التمرد، إلى تدويل القضية، باستجلاب تدخلات غربية وتركية، في حين استجلب النظام الدعم الروسي والإيراني، ما قاد البلاد إلى حرب أهلية مُدَوَّلة، دمرت الدولة السورية، وفتت المجتمع ومزقته. 

ثمة اختزال شنيع، وتحجيم أشنع لمفهوم الشعب، بوضعه في مقابل النظام، بما يوحي وكأن النظام لا يملك جمهوراً، وكأنه ليس جزءاً من الشعب، أو أن هناك ثنائية أبيض وأسود، حيث النظام في مقابل الشعب. نُذكِّر جحافل الشعبويين بأن الشعب يتكون من تيارات سياسية، وطبقات اجتماعية، وجماعات إثنية وعرقية مختلفة ومتنوعة، وبعضها متشابك، وعلاقاتها البينية معقدة، حتى ليصعب تصنيفها تصنيفاً سياسياً دقيقاً، ما لم تكن هناك مساحة من الحرية، تسمح بتشكل أحزاب سياسية يمكنها التعبير عن نفسها في فضاء مفتوح. هذا التنوع غير المنظم وغير القابل للقياس لا يسمح بالحديث عن الشعب كتلة واحدة، إلا إذا كنا نسعى إلى تكوين مفهومٍ شعبوي عن الشعب من أجل استثماره سياسياً ضد الخصوم. يقال هذا القول، هنا، من دون التوقف لمحاكمة الأنظمة السياسية الحالية وسلوكها، فليس لهذا ارتباط مباشر بنقاشنا هنا. 

أثبتت الأنظمة المستبدة والرجعية أنها تملك حاضنة اجتماعية ليست بسيطة، كما حصل في الانتخابات المصرية بعد الثورة، حيث لم يكن الفارق بين الفلول وخصومهم كبيراً جداً، كما كنا نتوقع إبّان الثورة. وعندما تشعر الحاضنة الاجتماعية للنظام بالتهديد، أو تُستهدف، مباشرة، من المتمردين على النظام، فإنها تستنفر لحماية نفسها بالدفاع عن النظام، وهو ما شهدناه على شاكلة حروب أهلية، في أكثر من بلد عربي، حصلت فيه ثورة. 

ليس إسقاط النظام غاية في حد ذاته، ما لم يتبعه سعي حثيث نحو نموذج حكم أكثر صلاحاً من النظام الذي يتم التمرد عليه، وإلا تحول الانحياز للثورة مجرد انفعالات عاطفية، نابعة من الرغبة في الثأر والانتقام، كما حال الموتورين من رومانسيي الثورة الذين سيطرت عليهم الغرائزية، وصاروا لا يبالون بالخراب وسفك الدماء، ولا بتأييد من يتناقض مع شعاراتهم حول الديمقراطية والمواطنة. تقول لغة العقل إن لا منتصر في الحرب السورية. لذا، نجد ضرورة المناداة بحل سياسي ينهي الاقتتال، ويخفف المعاناة عن الناس، من خلال مصالحة وطنية، تحقق تغييراً في النظام، وتحفظ وحدة البلد. 

خمس سنوات منذ انطلاق الثورات العربية، تغيرت فيها معطيات كثيرة على الأرض، وكان من الطبيعي أن تتغير القراءات والمواقف، وكان المتوقع من النخب أن تقوم بجردة حساب، لمراجعة مواقفها ومفاهيمها، لكن معاقرة الإحباط واليأس كشفت عن حالة إنكارٍ رومانسية، تتخيل معطياتٍ لتبني عليها جبالاً من الأوهام.

  كلمات مفتاحية

الثورات العربية المشرق العربي الديمقراطية الربيع العربي

الاستعمار الداخلي والثورات المضادة

انهيار «النظام العربي» قبل الثورات!

«ميدل إيست مونيتور»: «السيسي» قائد الثورات المضادة في دول الربيع العربي

«ديفيد هيرست»: الثورات العربية ستنجح بفضل القيادات الشبابية

«الربيع العربي» يدخل مرحلة «الدعشنة»