رغم إشادات إنصاف المرأة.. كيف أحكم السيسي قبضته على القضاء؟

الأحد 13 يونيو 2021 04:50 م

تمثل القرارات الأخيرة الصادرة عن المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية في مصر، برئاسة "عبدالفتاح السيسي"، نقلة نوعية في تاريخ العمل القضائي في البلاد.

فللمرة الأولى يتم التحكم في جميع شؤون القضاة، من تعيينات ورواتب ودرجات وندب بصورة مركزية، من خلال المجلس الأعلى الذي تم استحداثه في التعديلات الدستورية الأخيرة في أبريل/نيسان 2019.

وهذا المجلس كانت فكرة ظهرت منتصف 2018، بمناسبة دراسة النظام لمشكلة ندب القضاة، التي فجرت وقتها خلافات بين الهيئات القضائية المختلفة ووزارة العدل.

ووجدت الرئاسة وقتها أنه يجب العمل على توحيد آراء القضاة تجاه الملفات المختلفة التي قد تثير أزمات بين الهيئات وبين الدولة لتسهيل التعامل ومحاصرة مساحات المعارضة.

وعلى الرغم من أن الدستور ينص على أن المجلس الأعلى يضم جميع الجهات والهيئات القضائية المنصوص عليها في الدستور، فقد تم استثناء القضاء العسكري من حضور الاجتماع مع "السيسي".

هذا الاجتماع، تمت الدعوة إليه صباح يوم الاجتماع فقط، ما يؤكد أن حضورهم كان شكلياً فقط لاعتماد قرارات معدّة سلفاً، ومقصود تمريرها في هذا الوقت تحديداً، قبل نهاية العام القضائي الحالي بنهاية يونيو/حزيران الجاري.

وعلى إثر الاجتماع، تقرّر تعيين النساء في وظائف مجلس الدولة والنيابة العامة ابتداءً من الأوّل من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، علماً بأنّ الهيئتَين لم تعيّنا حتى الآن أيّ عنصر نسائي على الرغم من مرور نحو 3 أشهر على صدور توجيهات "السيسي" في هذا الشأن.

وبالرغم أن المادة (11) من الدستور، تنص صراحة على تعيين الإناث في القضاء بشكل عام، وأن القضاء العسكري أصبح فرعاً من هذا القضاء، فإنه سيكون حالياً الجهة الوحيدة التي لا تُعيّن الإناث بذريعة طبيعته العسكرية، وهي "مسألة حساسة".

ولهذا السبب، وفق مراقبين، لم تتم دعوة القضاء العسكري للاجتماع، حتى لا يثار ضده أي انتقادات وتساؤلات.

وسبق أن أثار بعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى، هذه القضية في اجتماع سابق مع وزير العدل عمر مروان، في إطار مماطلتهم في قبول تعيين الإناث بالنيابة.

وبالتالي رأي "السيسي" استبعاد القضاء العسكري من الجلسة تماما، لتكريس وضعه المميز داخل الدستور والمجلس الأعلى، فهو يجمع بين امتيازات الجيش والقضاء، ويحظى بتمييز وظيفي في آن.

أما مسألة تعيين الإناث، فرغم التوجيهات السابقة الصادرة من "السيسي" بها في مارس/آذار الماضي، فإن مجلس الدولة وحده هو من اتخذ خطوات تنفيذية بشأنها، بفتح باب التقدم للسيدات عضوات النيابة الإدارية وقضايا الدولة الحاليات للتعيين في درجتين فقط من المجلس.

لكن النيابة العامة لم تعلن شروط التعيين فيها ولم تفتح الباب لذلك.

ولهذا السبب كان اجتماعا مهما، لأنه وضع سقفا زمنيا يلزمها بإنهاء إجراءات التعيين قبل أول أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بما يعني وجوب مسارعة مجلس القضاء الأعلى لفتح باب التقدم لتعيين دفعة خاصة من الإناث.

وهذا أمر كان المجلس ينوي تأجيله لحين تعيين الدفعة المقبلة، من الذكور أيضاً، حسب مراقبين.

ويعد السيناريو الأقرب للتنفيذ، في ظل ضيق الوقت وعدم جاهزية مقار النيابة العامة واستراحاتها في العديد من المحافظات لسكن الإناث، هو فتح الباب لتعيين عدد محدود من عضوات النيابة الإدارية وقضايا الدولة أيضاً، ثم وضع ضوابط لذلك في السنوات المقبلة.

وبالعودة إلى قرارات المجلس، فقد تقرر توحيد المستحقات المالية بين الدرجات المناظرة في الجهات والهيئات القضائية الأربع، وهي القضاء ومجلس الدولة والنيابة الإدارية وقضايا الدولة، مع استثناء المحكمة الدستورية العليا من هذه المسألة.

وهو القرار الذي أثار جدلاً واسعاً، لأنه استبعد المحكمة الدستورية العليا من مضمار المساواة، على الرغم من أن معظم الخلافات السابقة والدعاوى القضائية المرفوعة من القضاة لزيادة رواتبهم كانت بخصوص المساواة مع قضاة الدستورية.


وفسر المراقبون، هذا الأمر بأن القرار مقدمة لأن يعمل المجلس الأعلى، بعد تنظيمه رسمياً بقانون، في تحقيق رغبة "السيسي" في خفض الميزانيات المخصصة للهيئات القضائية، ومجلس الدولة تحديداً.

حيث سيتم إسناد عملية توزيع المخصصات المالية لكل هيئة إلى المجلس الأعلى، بناء على الترقيات التي يحدد هو شروطها، مع حرمان كل هيئة من رفاهية توزيع فوائض الميزانيات على أعضائها في صورة مكافآت أو بدلات، كما كان يحدث في السنوات الست السابقة على التعديل الدستوري الأخير.

ويمكن ربط بين هذه المسألة وتكرار التأكيد على حظر ندب القضاة لأكثر من جهة حكومية واحدة، حيث إن القانون المنظم للمجلس الأعلى سيتضمن نصاً يجعل من سلطته وضع القواعد الخاصة بالندب على جميع الهيئات، ولن تعود كل هيئة مختصة بشؤون أعضائها هذه، مع إلغاء كل المسميات والأوصاف الأخرى التي كانت تسمح بالتحايل على قرار حظر الندب لأكثر من جهة.

وكان عدد من القضاة المنتدبين في عدة جهات قد سعوا، منذ عام ونصف العام تقريباً، لدى الجهات الحكومية المنتدبين فيها من وزارات ومصالح وشركات قابضة وتابعة، للضغط على إدارة مجلس الدولة للتراجع عن قرارها بتوحيد جهة الندب.

كما أبدى بعض الوزراء لرئيس الحكومة "مصطفى مدبولي" تضررهم من حرمانهم من انتداب القضاة كمستشارين، أو تخيير مستشاريهم للبقاء في جهة ندب واحدة، بناء على قرار رئيس مجلس الدولة الذي صدر وفقاً لتعليمات دائرة "السيسي"، لكن رئيس الحكومة رفض التدخل في القضية.

وينص الدستور الحالي على إلغاء الندب تماماً خلال 5 سنوات من تطبيقه، أي كان يجدر إلغاؤه منذ عامين ونصف العام.

لكن حاجة الحكومة للمستشارين القانونيين من أعضاء الهيئات القضائية عطلت تنفيذ النص الدستوري. بينما اكتفى "السيسي" بالتضييق عليهم بمنعهم من الندب لأكثر من جهتين، ثم لجهة واحدة فقط.

ثم أخيرا بتوحيد جهة صرف المستحقات، ثم تطبيق ضريبة الدخل على القضاة بصورة صارمة من خريف 2019 للمرة الأولى، بعد فشل محاولات رؤساء الهيئات القضائية التوصل لحل وسط مع وزارة المالية، لإعادة احتساب الضريبة، وتخفيض الشريحة الخاصة بالقضاة واستبعاد بعض البدلات من صافي الراتب الذي تحتسب الضريبة على أساسه.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السيسي القضاء المصري التحكم في القضاء الدستوري المصري الانتداب الحكومة المصرية شؤون القضاة

نادى القضاة لـ«السيسي»: القضاء مستقل والتدخل في شأنه جريمة