الكاظمي في مواجهة شاقة مع مليشيات إيران بالعراق.. من ينتصر؟

الجمعة 25 يونيو 2021 12:12 م

خلال الأعوام التي سبقت اختياره رئيسا للحكومة العراقية، تابع "مصطفى الكاظمي" رؤساء وزراء يأتون ويذهبون مع أخطاء تبدو متناقضة.

وأطاح الإيرانيون بـ"حيدر عبادي" بعد 4 أعوام (2014 إلى 2018)؛ لأنه اقترب من الأمريكيين، ووافق على الالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران. وسقط خليفته، "عادل عبد المهدي"، بعد عام واحد بسبب العكس تماما؛ فقد كان مقربا من الإيرانيين، ولعب دورا مفيدا لطهران خلال انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وعندما تولى "الكاظمي" رئاسة الوزراء في مايو/أيار 2020، بدا عازما على تجنب كلا الخطأين، وحاول السير على خط رفيع جدا بين إرضاء الولايات المتحدة وإيران.

ووعد "الكاظمي" بإجراء انتخابات مبكرة لتشكيل برلمان جديد يحل محل البرلمان الحالي الذي تم التصويت عليه في 2018، ويضم عددا كبيرا من النواب المدعومين من إيران ورجال المليشيات الذين تحولوا إلى سياسيين.

وتعهد "الكاظمي" كذلك بالتحقيق في مقتل 600 متظاهر خلال احتجاجات أكتوبر 2019. وكان على رأس جدول أعماله الحد من نفوذ المليشيات المدعومة من إيران، وعلى رأسها وحدات "الحشد الشعبي"، وخاصة "كتائب حزب الله".

قوي أم ضعيف؟

وكان "الكاظمي" مدعوما من المرجع الديني الشيعي في العراق "علي السيستاني"، وكان محبوبا من قبل الأكراد بسبب معارضته المستمرة لـ"صدام حسين". وفي البداية، رحبت كل من إيران والولايات المتحدة بتعيين "الكاظمي" معتبرين أنه ليس عميلا تابعا لكنه ليس خصما كذلك.

وعلى عكس أسلافه، لم يعش "الكاظمي" في طهران مطلقا، ولم يتقاض رواتب من إيران؛ ما جعله اختيارا مناسبا بالنسبة للسنة العراقيين.

وكانت أكبر نقاط ضعفه أنه كان وافدا جديدا نسبيا على السياسة العراقية؛ حيث لم يتقلد قط وظيفة حكومية قبل تعيينه رئيسا للمخابرات عام 2016.

إضافة إلى ذلك، فإن "الكاظمي" لا ينتمي إلى أي من العائلات السياسية القوية في المجتمع الشيعي، مثل "الصدر" و"الحكيم"، ولا ينتمي إلى أي من الأحزاب السياسية التي تسيطر على البرلمان والشارع العراقي. لهذا السبب، دعمت أطراف مختلفة تعيين "الكاظمي"، معتقدين أنه سيكون ضعيفا للغاية، وأنهم سينجحون في التلاعب به.

ومنذ اليوم الأول، حاول "الكاظمي" إثبات جدارته وضرب الجماعات الشيعية التي ساعدت على وصوله إلى السلطة. وفي البداية، حاول تحسين سيطرة الحكومة على المعابر الحدودية، وحرم المليشيات من الوصول إلى الأموال والأسلحة المتدفقة من إيران، كما قام بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وتهميش الضباط الذين اعتبرهم مقربين جدا من إيران. لكن عند محاولته مواجهة "الحشد الشعبي"، اصطدم "الكاظمي" بجدار خرساني.

محاربة الحشد الشعبي

تم إنشاء قوات الحشد الشعبي في الأصل لمحاربة تنظيم "الدولة"، لكنها تجاوزت هدفها وأصبحت دولة داخل الدولة في العراق. وفي عهد "عبد المهدي"، تم الاعتراف بها كجزء من المؤسسة العسكرية العراقية. ومن الناحية الفنية، فإن قوات الحشد الشعبي تتبع القائد العام وهو "الكاظمي". لكن ليس سرا في بغداد أنهم يتبعون إيران ويرجعون إليها بالتقارير وليس إلى رئيس الوزراء العراقي الذي لا يثقون به ولا يحبونه. وكانت عدم الثقة متبادلة.

وقبل عام، أمر "الكاظمي" باعتقال 14 عضوا من "كتائب حزب الله"، لكنه أطلق سراحهم سريعا تحت ضغط المجتمع الشيعي. والشهر الماضي، هاجم "الكاظمي" الحشد الشعبي مرة أخرى؛ حيث اعتقل قائدها بمحافظة الأنبار "قاسم مصلح" في 26 مايو/أيار.

وتم اتهام "مصلح" باستهداف المدنيين والصحفيين الذين تجرأوا على انتقاد إيران، وأُلقي عليه باللوم في مقتل "إيهاب وزني"، الناشط البارز الذي نسق المظاهرات المناهضة لإيران في كربلاء، كما تم اتهامه أيضا بتدبير هجمات صاروخية على القوات الأمريكية في العراق بعد اغتيال الجنرال الإيراني "قاسم سليماني" في يناير/كانون الثاني 2020.

وشنت مليشيات عراقية مجهولة ما لا يقل عن 300 هجوم منذ أواخر عام 2019، ويعتقد أنها تعمل بأوامر من الحشد الشعبي. وحدثت 3 هجمات منها منذ اعتقال "مصلح". واستهدفت الهجمات السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء وقاعدة "عين الأسد" العسكرية في محافظة الأنبار. وحتى الآن، لقي 4 أمريكيين مصرعهم في تلك الهجمات بطائرات بدون طيار، إضافة إلى 25 عراقيا.

وتستخدم المليشيات طائرات بدون طيار صغيرة محملة بالمتفجرات تستطيع التحليق على ارتفاع منخفض بحيث لا تتمكن أجهزة الرادار من رصدها.

وأثار اعتقال "مصلح" ضجة كبيرة من وحدات الحشد الشعبي؛ حيث نزل المقاتلون إلى الشوارع المحيطة بمكتب رئيس الوزراء في مواجهة الأمن العراقي وقوات مكافحة الإرهاب. وانتقد "الكاظمي" استعراض القوة، قائلا إنه "انتهاك خطير، ليس فقط للنظام والقانون، بل للدستور". وفي 2 يونيو/حزيران، هدد "الكاظمي" بالاستقالة إذا لم يتم إطلاق يده للسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الحشد الشعبي.

وقال الكاتب والمحلل السياسي العراقي "ليث عبد الرحمن" إن "مصادر مقربة من رئيس الوزراء تقول إن الكاظمي يستعد لعملية عسكرية في بغداد ومحافظة ديالى شمال غرب العاصمة العراقية"، مضيفة أنه "ينتظر ليرى ما سيحدث للمحادثات النووية الإيرانية الأمريكية قبل اتخاذ أي إجراء".

معركة سنجار

وفي مكان آخر، يخوض رئيس الوزراء أيضا معركة شاقة أخرى مع وحدات الحشد الشعبي، هذه المرة في سنجار بمحافظة نينوى شمال غربي العراق. وكانت مدينة سنجار سقطت سابقا في يد تنظيم "الدولة" في الفترة 2014-2015. وتم نهب المدينة واستعباد سكانها اليزيديين أو طردهم من ديارهم.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، توصل "الكاظمي" إلى اتفاق مع الأكراد لإعادة إعمار سنجار ونزع سلاح 20 ألف مسلح يتبعون لوحدات الحشد الشعبي التي سيطرت على المدينة منذ ذلك الحين.

ودعت اتفاقية سنجار إلى الإخلاء الفوري لمقاتلي الحشد ونزع السلاح دون توضيح كيفية القيام بذلك، وهو ما عجز "الكاظمي" عن تقديمه. ورفضت المليشيا نزع سلاحها ومغادرة المدينة، مهددة بقتال قوات "الكاظمي" إذا حاول إخراجها بالقوة، وهي معركة يعرف "الكاظمي" أنه لا يستطيع الفوز بها. وحاليا، فإن كل ما فعله "الكاظمي" هو نشر قوات في سنجار دون اتخاذ أي خطوات ضد المليشيات.

ويبدو أن السبب هو الانتخابات النيابية المقبلة المقرر إجراؤها في 10 أكتوبر 2021؛ حيث أن آخر ما يحتاجه "الكاظمي" قبل تلك الانتخابات هو مواجهة مسلحة أخرى في سنجار.

الانتخابات القادمة

وفي 4 يونيو/حزيران، أعلن "الكاظمي" أنه لن يترشح لانتخابات أكتوبر، قائلا إن مهمته الوحيدة هي التأكد من إجراء الانتخابات بطريقة سليمة. لكن القول أسهل من الفعل بسبب سيطرة المليشيات في العراق.

ويوجد 329 مقعدا في البرلمان العراقي، ويحتاج "الكاظمي" إلى موافقة 165 منها إذا كان يفكر في تجديد ولايته. ويبدو ذلك مستبعدا إلى حد كبير؛ لأن 169 من هؤلاء النواب إما يميلون إلى إيران أو تمولهم إيران، ويشمل ذلك "ائتلاف دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء السابق "نوري المالكي" بـ25 نائبا، وائتلاف "مقتدى الصدر" أو "سائرون" بـ54 نائبا، و"تحالف فتح" بزعامة "هادي العامري" بـ48 نائبا، و"تحالف النصر" بزعامة رئيس الوزراء السابق "حيدر العبادي" بـ42 نائبا.

وقام "ائتلاف دولة القانون" بالفعل بترشيح "المالكي" للعودة إلى المشهد، وهو الرجل الذي أعدم "صدام حسين"، وتحت حكمه اجتاح تنظيم "الدولة" الموصل. ويبدو "المالكي" واثقا من خروج "الكاظمي" بحلول أكتوبر، وكذلك "مقتدى الصدر" الذي يسيطر على الكتلة الأكبر في البرلمان، ويتطلع أيضا إلى أن يذهب منصب رئيس الوزراء لعضو في تحالف "سائرون".

والشيء الوحيد الذي يمكن أن يغير التوازن الحالي هو إذا أنهت إيران اتفاقها النووي مع الولايات المتحدة، وبدأت في الانسحاب من الأراضي العراقية؛ ما يعني إضعاف حلفائها في البرلمان، الأمر الذي يزيد بشكل كبير من فرص "الكاظمي" في ولاية ثانية.

المصدر | سامي مبيض/إنسايد زرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصطفى الكاظمي الحكومة العراقية وحدات الحشد الشعبي الميليشيات الإيرانية الانتخابات العراقية

الكاظمي يرفض الترشح للانتخابات: اخترت أن أكون طرفا محايدا

لعبة تقويض النفوذ.. الكاظمي يحرز تقدما ملحوظا على المليشيات العراقية