مناورات مصر للعودة إلى مركز الصدارة الإقليمية.. فرص النجاح والفشل

الثلاثاء 29 يونيو 2021 06:17 م

لم يتحدث الرئيس الأمريكي "جو بايدن" خلال الأشهر الأربعة الأولى من توليه المنصب، مع نظيره المصري، "عبدالفتاح السيسي"، في خروج ملحوظ عن التقليد؛ نظرًا لتاريخ العلاقات الأمنية الوثيقة بين البلدين.

لكن بعد شهور من الصمت، تحدث "بايدن" مع "السيسي" مرتين على مدار 5 أيام في مايو/أيار، معربًا عن "امتنانه الصادق" لمصر "لدبلوماسيتها الناجحة" في تأمين وقف إطلاق النار الذي أنهى 11 يومًا من القتال العنيف بين إسرائيل وحماس؛ الفصيل الفلسطيني الذي يدير قطاع غزة.

بعد يومين، زار وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكين" مصر والأردن كجزء من جولة إقليمية لتعزيز وقف إطلاق النار. وقد دفع دور القاهرة الرئيسي في تأمين الهدنة بها إلى دائرة الضوء الدبلوماسية مرة أخرى، مما سمح لإدارة "السيسي" ليس فقط بإعادة تأكيد نفسها في المنطقة والتحقق من التأثير المتزايد للقوى المنافسة، ولكن أيضًا لتحسين علاقاتها المتوترة في البداية مع فريق "بايدن".

وقد كان الصمت المحرج بين القادة الأمريكيين والمصريين فور تنصيب "بايدن" قد ظهر في  برقية مسبقًا. بينما وصف "ترامب"، "السيسي" بأنه "الديكتاتور المفضل" بالرغم من التقارير العديدة التي تفيد بأن قوات الأمن التابعة "للسيسي" كانت تضايق المعارضين وتعتقلهم وتعذبهم، فقد وعد "بايدن" بوضع مخاوف حقوق الإنسان في صميم العلاقات الأمريكية مع مصر.

وفي يوليو/ تموزالماضي، وعد "بايدن"، المرشح حينها، "بعدم وجود المزيد من الشيكات الفارغة لـ" الديكتاتور المفضل لترامب".

ولكن، مع احتدام القتال الشهر الماضي بين إسرائيل - أقرب حليف لأمريكا في المنطقة - وحماس، توصل "السيسي" إلى كيفية جذب انتباه "بايدن". وفي تحول صارخ من خطاب القاهرة السابق تجاه حماس، التي وصفتها المحاكم المصرية بأنها منظمة إرهابية، بدأت وسائل الإعلام الحكومية المصرية في وصفها والفصائل المسلحة الأخرى بـ "حركات المقاومة" والقوات الإسرائيلية بـ "المحتلين".

في منتصف شهر مايو/أيار، فتحت الحكومة المصرية معبر رفح الحدودي، وهو الممر الوحيد لغزة إلى العالم الخارجي الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، وأرسلت أكثر من 3000 طن من المساعدات الإنسانية في قوافل مزينة بصورة "السيسي".

كما وعدت مصر بتقديم مساعدات بقيمة 500 مليون دولار في إطار جهود إعادة إعمار غزة، بعد القصف الإسرائيلي الأخير الذي شرد حوالي 91 ألف فلسطيني ودمر 450 مبنى، بما في ذلك 51 منشأة تعليمية و6 مستشفيات، وفقًا للأمم المتحدة.

وباعتبارها واحدة من القوى الإقليمية القليلة التي تتعامل مع كل من حماس وإسرائيل، تمكنت القاهرة من استخدام هذا النهج الأكثر دفئًا تجاه غزة، فضلاً عن علاقاتها الأمنية الطويلة الأمد مع إسرائيل، للتوسط في وقف إطلاق النار وإعطاء إشارة إلى واشنطن بأنها بقيت قادرة على "معالجة" الملف الفلسطيني.

التطبيع وتضييق النفوذ

وتأتي جهود مصر لصنع السلام وسط مؤشرات على تنامي نفوذ دول الخليج العربية في المنطقة. وكان الاتفاق الأخير بين إسرائيل والإمارات لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مصدر قلق بشكل خاص بالنسبة للمصالح التجارية والاستراتيجية للقاهرة. وقد هددت الصفقة، المعروفة باسم "اتفاقيات أبراهام"، الدور التقليدي لمصر كوسيط رئيسي في القضايا المتعلقة بالأراضي الفلسطينية.

على المدى القريب، قد توفر الصحوة الدبلوماسية الأخيرة في مصر بعض التوازن الذي تشتد الحاجة إليه للأمن الإقليمي.

كما فتحت "اتفاقيات أبراهام" الباب أمام العديد من المبادرات الاقتصادية الإسرائيلية الإماراتية الجديدة التي يمكن أن تتحدى المصالح المصرية. وعلى وجه الخصوص، أعرب مسؤولون مصريون عن مخاوفهم بشأن مشروع مخطط لنقل النفط الإماراتي إلى البحر الأبيض المتوسط ​​عبر خط الأنابيب العابر لإسرائي، الذي يمتد من مدينة إيلات المطلة على البحر الأحمر إلى ميناء عسقلان على البحر الأبيض المتوسط؛ حيث من شأن ذلك أن يهدد حصة كبيرة من شحنات النفط التي تتدفق عبر قناة السويس المصرية.

بالنسبة لمصر، إذن، كان انخراطها الدبلوماسي المكثف مع الولايات المتحدة وإسرائيل وحماس نصرًا لازما. وقد سلط وقف إطلاق النار الضوء على أهمية القاهرة في المنطقة، بينما لم تتمكن الإمارات وحلفاؤها الخليجيون من التأثير على الفصائل الفلسطينية على الأرض أو تقييد السلوك الإسرائيلي. كما شددت على محدودية "اتفاقيات أبراهام".

بعيدًا عن "إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، نهائيًا"، كما وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بنيامين نتنياهو"، لم تُترجم الاتفاقات - على الأقل حتى الآن - إلى تأثير دبلوماسي أو استراتيجي أكبر للإمارات.

كما جاءت وساطة مصر في المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين وسط تقاربها مع 2 من المنافسين الإقليميين الرئيسيين للإمارات؛ وهما تركيا وقطر، اللتان تتمتعان بعلاقات وثيقة خاصة بهما. وقد عقدت القاهرة وأنقرة مؤخرًا أول محادثات دبلوماسية رسمية بينهما منذ قطع العلاقات في عام 2013. ومن المقرر أن يلتقي "السيسي" قريبًا بأمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" في الدوحة، وهي أول قمة مباشرة خلال 8 سنوات.

بالطبع، لا تزال هذه المحادثات في مراحلها الأولى. لكن إذا تقدمت أكثر في الأشهر والسنوات المقبلة، فقد يفتحون الباب أمام تحالف جديد للقوى في الشرق الأوسط لمنافسة الإمارات وحلفائها الخليجيين.

استعادة دورها التقليدي

سيسمح هذا المحور الناشئ لمصر باستعادة دورها التقليدي في قلب السياسة والدبلوماسية في العالم العربي. كما يمكن أن يكون له تداعيات مهمة على المسعى الفلسطيني لتقرير المصير، حيث أظهرت مصر قدرًا أكبر من الاستعداد والقدرة على العمل كوسيط نزيه بين إسرائيل والفلسطينيين.

ومع ذلك، لا تزال هناك عقبات كبيرة قبل أن تتمكن القاهرة من الالتزام الكامل بدور قوي في تحالف ثلاثي مع الدوحة وأنقرة. حيث تفتقر مصر إلى الموارد المالية الهائلة لدولة الإمارات وتواجه تهديدات أخرى مشتتة للانتباه من جيرانها الأفارقة، لا سيما نزاعها مع إثيوبيا حول سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي يهدد بشكل كبير الأمن المائي لمصر.

وحتى إنجاز القاهرة الأخير لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، لا يزال في أيامه الأولى، مع وجود مؤشرات محتملة على تجدد الأعمال العدائية بين الجانبين.

ومع ذلك، على المدى القريب، فإن الصحوة الدبلوماسية الأخيرة في مصر يمكن أن توفر بعض التوازن الذي تشتد الحاجة إليه للأمن الإقليمي. فقد كان لبروز الإمارات المتصاعد في السنوات الأخيرة تأثير مزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، حيث قادت القيادة الإماراتية الحصار المفروض على قطر عام 2017، وتصاعدت الحرب في اليمن وتدخلت في الصراع في ليبيا.

وبالنظر إلى المستقبل، سيعتمد نجاح النفوذ المصري الجديد إلى حد كبير على قدرتها على الحفاظ على توازن دقيق بين الخصوم الإقليميين. إذا نجحت القاهرة في شق طريق مستقل، فسيكون لذلك تداعيات واسعة النطاق في المنطقة وخارجها.

المصدر | محمد العريان/ وورد بوليتكس ريفيو – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الدور المصري العلاقات المصرية الأمريكية إدارة بايدن غزة العلاقات المصرية الفلسطينية

بايدن: نسعى لتهدئة دائمة.. والسيسي يطالب بوقف فوري للعنف

للمرة الأولى منذ المصالحة الخليجية.. أمير قطر يهاتف السيسي