جيش أدمن السلطة.. كشف حساب 8 سنوات من الانقلاب في مصر

السبت 3 يوليو 2021 01:12 م

"تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت".. "ميلاد الجمهورية الجديدة".. الجملتان تعودان للرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، ولكن بينهما 8 سنوات من القمع والاستبداد والفشل الاقتصادي والانقسام المجتمعي، كنتاج طبيعي لانقلاب الجيش على الثورة، طمعا في السلطة التي أدمنها.

ففي مثل هذا اليوم (3 يوليو/تموز 2013)، قبل 8 سنوات، وقف "السيسي" وهو وزير الدفاع وقائد الجيش، معلنا الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب "محمد مرسي"، أفرزته الثورة المصرية، التي تحدث عنها العالم بأسره، في 2011.

اعتمد "السيسي" في خطته على تجييش المشهد ضد "مرسي"، فاتخذ من كل قبيلة رجلا، لكنّ من ظنّوا في الرجل خيرا، وأنهم أذكي وأزكى وأحق ممن كان يحكم، تجاهلوا تلاعب العسكريين بالجماهير، فأهدوا "السيسي" في النهاية الحكم على طبق من ذهب.

وتضمن بيان "السيسي" حينها، تعبيرات داعبت مشاعر الغاضبين من حكم "مرسي"، كان أبرزها "استشعار القوات المسلحة أن الشعب الذي يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم"، و"إجراء مصالحة وطنية بين كافة القوى السياسية".

إلا أن الواقع خالف كل ذلك، فقد استحوذ الجيش على السلطة، وتحكم في كل مناحي الحياة.

كما تسبب ذلك اليوم المشهود، في تفاقم الانقسام المجتمعي، وحول المصريين إلى شعبين، في لحظة جسدها المطرب المؤيد للانقلاب "علي الحجار"، حين غنى "أنتم شعب واحنا (نحن) شعب".

8 سنوات من الفشل، نجح فيها "السيسي" بإجهاض الثورة المدنية والقضاء على كل من شارك فيها، بالاعتقالات تارة، والقتل تارة أخرى، أو بإجبار الثوار على الهجرة، بل وملاحقتهم في الخارج لإخراسهم.

قصة "السيسي" المضادة للثورة، بدأت قبل ذلك التاريخ، عندما نجح في خداع "مرسي"، الذي وصفه بأنه "وزير بنكهة الثورة"، وأظهر تدينا والتزاما عسكريا، قبل أن يدبر الكثير من الأشياء خلف الكواليس.

فاستطاع ببراعة خداع كل القوى بعد 3 يوليو/تموز، وصدّر رئيس المحكمة الدستورية "عدلي منصور"، ونائبه "محمد البرادعي"، ورئيس الوزراء "حازم الببلاوي" في المشهد، ليوهم الجميع أنه غير طامع في السلطة، وأن القادم دولة مدنية.

بل صدرت عنه تصريحات تشير إلى أنه لن يترشح للرئاسة، حتى لا يقال إن الجيش تحرك من أجل مصلحة شخصية، فإذا به وبعد سلسلة خطوات مبرمجة يترشح، تحت مزاعم "تلبية رغبة الشعب".

تلت الانتخابات التي فاز بها باكتساح، في ظل مرشحين "كومبارس"، تعديلات دستورية، فتحت الباب أمام صلاحيات الرئيس الجديد، ثم انتخابات برلمانية، رفع فيها المرشحون والنواب الفائزون صور "السيسي"، تعبيرا عن ولائهم له.

ومع انتهاء مدته الرئاسية الأولى، في 2018، أعيد انتخابه من جديد، في مسرحية هزلية، لم يجدوا فيها له منافسا، ليخرج على المصريين رئيس حزب مغمور، لا يعرفه أحد، يقول إنه ترشح ضد الرئيس ولكنه يدعمه.

وأعقبت الانتخابات، تعديلات دستورية جديدة، عنوانها مد فترات الرئاسة، ومنح "السيسي" حكما لمصر، يصل إلى عام 2030، في خطوة رأتها المعارضة (خارج البلاد)، بأنها تغلق الباب أمام أي تداول للسطة، في وقت تراها السلطات مهمة للاستقرار.

فقد بدأ نظام "السيسي" عهده بالتراجع الفوري عن جميع المكاسب التي تحققت بعد ثورة 2011، بما في ذلك تلك التي حققها "مرسي" خلال فترة ولايته القصيرة في منصبه.

فأغلق نظام ما بعد الانقلاب وسائل الإعلام المعارضة على الفور، واعتقل القادة السياسيين، وحظر الأحزاب السياسية القيادية، ونفذ عدة مذابح ضد المتظاهرين، على رأسها مذبحتا رابعة والنهضة اللتان تعدان معا أكبر واقعة قتل جماعي لمتظاهرين في يوم واحد في التاريخ الحديث.

كما نجح نظام "السيسي" في تعزيز رواية إعلامية منفردة ومؤيدة للنظام. وقد تحقق ذلك من خلال عمليات إغلاق وسائل الإعلام، تزامنا مع حملة موسعة من الترهيب المسلح.

وعلى مدار هذه السنوات، لم يجد المعارضون، سوى مكان واحد، هي الزنازين، التي جمعت الإسلاميين مع الليبراليين واليساريين، بل أيضا مؤيدي السلطات التي تنقلب عليهم، وهي الخطوة التي تبررها السلطات بأنها محاولة لتثبيت الاستقرار السياسي والأمني.

ورغم هذه الادعاءات، لا تزال قرى ومناطق في سيناء، تحت سيطرة مسلحين، يشنون بين فترة وأخرى هجمات على قوات الجيش والشرطة هناك، ما توقع قتلى وجرحى.

وعلى خلفية ذلك، اعتقل السيسي عشرات الآلاف من المصريين، ووسع دائرة الاشتباه وأجرى محاكمات جماعية، لم تشهدها لبلاد من قبل، وأصدار أحكاما بالإعدام على المئات، ونفذ العشرات منها، فضلا عن الإخفاء القسري للآلاف وإعدام خارج إطار القانون للمئات، حسب ما وثقته منظمات حقوقية دولية عدة.

كما استطاع "السيسي"، بعد انقلابه، أن يصل إلى أن أكثر من ثلث المصريين تحت خط الفقر، حسب تقارير رسمية، كما قضى من خلال عدة خطوات على ما يعرف بالطبقة المتوسطة مع استمرار رفع الدعم، وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الرئيسية والخدمات الرئيسية كالمياه والكهرباء والغاز.

ولا يمكن تجاهل مشروع تفريعة قناة السويس، التي رغم خطورتها على خطوط الأمن القومي، إلا أن "السيسي"، جمع من المصريين 8 مليارات دولار، ووعد هو ووزراؤه بمئات المليارات من الدولارات عائدات لها، وعندما فشل المشروع، خرج ليعلن أنه كان مشروعا لرفع الروح المعنوية.

وتوالت مشاريع "السيسي" على شاكلة تفريعة القناة، فكان مؤتمر شرم الشيخ، وما صحبه من أرقام فلكيه عن المشاريع في مصر، دون تحقيق أي إنجاز يذكر.

كما توالت وعود "السيسي" عن جنى ثمار التنمية بعد 6 أشهر، ثم بعد سنة، ثم في خلال سنتين، وكان وعده الأخير حينما قال، إنه "في 30 يونيو/حزيران 2020 هاتشوفوا (سوف ترون) دولة تانية"، وهو ما لم يتحقق بعد.

كان أخطر ما قام به "السيسي"، علي المستوى الاقتصادي، قراره بتعويم الجنية المصري في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ليصعد الدولار من 6.75 جنيهات إلى 16 جنيها، ويفقد الجنيه أكثر من 60% من قيمته، ويفقد المصريون نفس النسبة في مدخراتهم.

كما قفزت الديون الخارجية، منذ وصول "السيسي" إلى الحكم منتصف عام 2014، حيث لم تكن آنذاك تتجاوز 46 مليار دولار، وذلك نتيجة توسعه في الاقتراض من الخارج لتمويل مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية.

وسجل الدين الخارجى لمصر بنهاية 2020، نحو 129.2 مليار دولار.

لم تشهد مصر خلال سنوات حكم "السيسي"، بناء مستشفيات أو مدارس، وإنما شبكة طرق وكباري، حتى أصبح المصريون يتندرون عليه في جلستهم الخاصة بأنه "مقاول وليس رئيسا لدولة".

هذا الفشل الاقتصادي، تزامن مع تغول الجيش المصري في كل الأنشطة تقريبا، من مزارع تربية الأسماك، وزراعة الفواكه والخضراوات، والإنتاج الغذائي، وإنتاج اللحوم، وحتى الطباعة.

وتشير تقارير غربية إلى أن الجيش المصري يسيطر على قرابة 60% من حجم الاقتصاد المصري، خاصة مع إسناد مشروعات وصفقات حكومية إليه بالأمر المباشر، وتنفيذ مشروعات صناعية وسياحية من اختصاص وزارات أخرى.

في المقابل، تنازل "السيسي" في خطوة أثارت غضبا وانتقادا كبيرا، عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية، مقابل 2 مليار دولار، وسط اتهامات ببيع أراضي مصر.

كما فشل "السيسي" ودولته الجديدة، في التوصل لأي اتفاق يحمي حقوق مصر المائية في نهر النيل، واستطاعت إثيوبيا في ملء أول للسد، وثان جاري حاليا، مستندة لاتفاق المبادئ الذي وقعه "السيسي" خلال زيارته السودان في مارس/آذار 2015.

في ضوء ذلك، أصبح من الصعب اليوم أن نلتمس الأعذار لمنتقدي "مرسي"، الذين ادعوا أن مصر تشهد دكتاتورية أكثر قمعية من عهد "حسني مبارك".

ولكن اليوم، تبدو فترة "مرسي" كفرصة ضائعة.

قد نختلف بأن "مرسي" لم يكن قائداً مثالياً، لكن النظام السياسي الذي كرسته ثورة ما بعد 2011 ودستور 2012، كان سيسمح بالتنافس السياسي، وعلى المدى الطويل، ربما كان ليفكك نفوذ الدولة العميقة في مصر.

ومع ذلك، تكون السنوات المقبلة في عهد "السيسي" أكثر صعوبة بالنسبة للمصريين من الثمانية الماضية، بعدما برهنت الدولة أنها غير مجهزة للتعامل مع أزمة الفيروس المستمرة، ناهيك عن تداعيات أزمة سد النهضة ومشكلة نقص المياه التي سيواجه المصريون تداعياتها في وقت قريب.

ومن المفارقات، أن فرصة مصر الوحيدة للنجاة قد تكون في انتفاضة شعبية أخرى، على أمل أن أي تحرك شعبي مقبل يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الديمقراطية، وليس إلى تكريس القمع والديكتاتورية.

ويصف البرلماني السابق "عزالدين الكومي"، 8 سنوات من الانقلاب بأنها كانت "ثماني سنوات من الدمار والخراب والقمع والقهر".

ويقول إن النظام المصري حظي خلالها "بدعم كل قوى الشر الدولية والإقليمية والمحلية ماديًا ومعنويًا نكاية فى الإسلاميين ومن أجل إفشال موجة الربيع العربي".

ويضيف أن "حكم العسكر لا ينتج إلا الفشل والهزائم العسكرية والدمار والخراب الشامل فى كل مناحي الحياة".

كما يصف الكاتب "وائل قنديل" ما حدث بأنه "انقلاب على النيل"، حيث "كان نهر النيل طوال الوقت من أدوات الضغط السياسي على مصر".

ويضيف: "ها هو نهر النيل يتصدّر قائمة ضحايا تلك الجريمة، بعد أن قدمه السيسي ثمنًا لاعتراف أفريقي، من بوابة إثيوبيا، بشرعية انقلابه، وإنهاء تعليق عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي، الرافض لمنطق الانقلابات العسكرية".

ويرى "قنديل"، أنه "على مستوى الأفعال تبدو المسألة كأنها قضية وجود السيسي في السلطة، ومن ثم يصبح النيل عنده مجرد ورقة من أوراق لعبة سياسية، يستعملها لنفسه".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السيسي انقلاب انقلاب عسكري ثورة مصر انقلاب السيسي ثورة يناير مرسي فشل اقتصادي انتهاكات

السيسي يتمنى العودة بمصر لما قبل ثورة يناير