استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

إسـلاميون في معضلة الاعتدال

الثلاثاء 3 نوفمبر 2015 05:11 ص

عبر جلسات معمّقة ونقاشات مستفيضة، في باريس، عمل خبراء وباحثون غربيون وعرب على تشريح التحولات في مشهد الحركات الإسلامية في مختلف بقاع العالم العربي، وألوان الطيف الإسلامي من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، وما مرّ به في الأعوام الأربعة الأخيرة منذ الربيع العربي التي شكّلت منعطفاً حقيقياً في مسار الإسلام السياسي عموماً.

نظم المؤتمر القائمون على مبادرة "وافو" (اختصار لمجموعة كلمات تعني بالعربية: عندما تسقط الأنظمة السلطوية في العالم العربي)، التي تشترك فيها جامعات ومراكز بحثية أوروبية، وتهدف إلى دراسة تداعيات الربيع العربي. 

لا بد، ابتداءً، من تسجيل ملحوظة مهمة عن المؤتمر والقائمين عليه، هي أنّهم يتجاوزون، في بحوثهم وآرائهم المواقف الاستشراقية المعلبة العدائية المسبقة، التي تنظر إلى مصلحة الغرب في الاصطفاف مع الأنظمة المحافظة والسلطوية في مواجهة حركات التغيير، وتحديداً الإسلاميين، فكبير الباحثين، فرانسوا بورجا، منسق المبادرة من المعروفين بآرائه الموضوعية المعادية للأنظمة السلطوية، وكذلك الفريق البحثي الذي يعمل معه، وهو ما انعكس على اخيتار الباحثين والخبراء في المؤتمر، مثل الباحث الفرنسي المعروف، فرانسو بورجا، والأميركي مارك لينش ولورنت بونفوي، وساري حنفي وحسن أبو هنيه، وغيرهم.

بالضرورة، رصد الباحثون جملة كبيرة من التحولات النوعية الجديدة في المشهد الإسلامي، في هذه الحقبة، في أغلب الدول العربية، لكن الملحوظة الجوهرية التي صبغت النقاش العام هي القلق على مصير الحركات الإسلامية المعتدلة التي تؤمن بالديمقراطية، جرّاء الظروف الموضوعية والشروط الحالية التي تعمل في الاتجاه المضاد للمسار الذي اجترحته.

فالإسلاميون الذين يعلنون القبول بالديمقراطية يواجهون، اليوم، صعوداً ملحوظاً وانتشاراً غير مسبوق للاتجاهات المتشددة التي أصبح العنوان الرئيس لها تنظيم داعش، ليس فقط في العراق وسورية، بل في اليمن وصحراء سيناء وليبيا وتونس، وكثيراً من الدول والمجتمعات العربية الأخرى، فأصبح قادراً على استقطاب نسبة كبيرة من الشباب الذين يئسوا من التحولات الديمقراطية، خصوصاً غداة الانقلاب العسكري في مصر الذي كان بمثابة "نقطة تحول" خطيرة فيما يحدث في المنطقة العربية.

يتضافر مع صعود الراديكالية، وتعززه النزعة الطائفية التي تنتشر في المنطقة، والعنف البنيوي الذي تمارسه الأنظمة في بعض الدول، والإفراط في الاعتماد على الجانب الأمني في دول أخرى، والعودة إلى حقبة السجون والمعتقلات وتكميم الأفواه وضرب حقوق الإنسان، والاحتفاء بالسلطوية، بوصفها الدواء الناجع من آفة الثورات الديمقراطية، وفقاً لوصفة الإعلام المحافظ العربي.

هذه وتلك من الظروف والحيثيات التي تهيمن على المشهد السياسي العربي الراهن تضع الإسلاميين المعتدلين اليوم في مأزق خطير، فهم في مواجهة الطائفية والأنظمة السلطوية لا يجدون مسوّغات، أو استجابة لخطابهم السياسي من القاعدة الإسلامية الشبابية، حتى في أوساط شباب الإخوان المسلمين في مصر وسورية والعراق واليمن وحركة النهضة في تونس، فتأثير هذه الظروف على هذه الشريحة الحيوية والأساسية في المستقبل سلبي، ويدفع بها إلى الشكوك العميقة في جدوى العمل السياسي المدني السلمي، عبر المسار الديمقراطي.

على الطرف الآخر، محاولات الأنظمة السلطوية في تأميم الدين عبر زيادة دور المؤسسات الدينية الرسمية ومراقبة المساجد والفتاوى فشلت بصورة واضحة، أو حتى في شراء ذمم حركات ومجموعات من الإسلاميين، ليكونوا في صف السلطوية، إذ أظهرت تجربة حزب النور السلفي المصري في الانتخابات الأخيرة فشلاً ذريعاً في هذا المسار، بعد أن فقد الحزب، ليس مصداقيته وشعبيته، بل حتى جزءاً كبيراً من قاعدته الشبابية، بسبب وقوفه في خندق الانقلاب، وما تمّ بعده، من تكريس للنظام السلطوي.

على الرغم من ذلك، وعلى الهامش، اتفق المتحدثون على أنّ هزيمة حزب النور لا تعتبر هزيمة للتيار السلفي عموماً، فهو حتى في مصر يمثّل الطرف الوحيد من السلفيين (بالإضافة إلى المجموعة المعروفة بعلاقتها بالأجهزة الأمنية) الذي وقف مع الانقلاب، بينما وقفت الأحزاب السلفية الأخرى في الجانب الآخر، فضلاً عن أنّ موقف الحزب لم يكن ليمثّل الاتجاه السلفي الحركي في العالمين، العربي والإسلامي.

برز التباين بين الباحثين والخبراء، في الجلسة الأخيرة، بوضوح عند تناول تجربة الإخوان المسلمين في مصر، فمع أنّ الجميع اتفق على توصيف ما حدث بالانقلاب العسكري، وما بعده، بعودة النظام السلطوي، مدعوماً بأجندة عربية محافظة (معادية للتغيير والثورات الديمقراطية) إلاّ أنّ الاختلاف حدث في تقييم حجم ومستوى ونوعية الأخطاء التي ارتكبها الإخوان المسلمون، فيما إذا كانت تصل إلى حدود أخطاء تكتيكية واستراتيجية، على صعيد عقد الصفقات في المرحلة الانتقالية، أم أنّها تمسّ جوهر فهم الإسلاميين الديمقراطية، عبر محاولات فرض "الأخونة" على الدولة والمجتمع، وسلطة مكتب الإرشاد على الرئيس محمد مرسي.

فرضت هذه التباينات المهمة إعادة صوغ الأسئلة المفتوحة للمستقبل: فيما إذا كانت المشكلة هي في مدى عمق فهم الإسلاميين الديمقراطية، وإدراكهم مسارات التحول الديمقراطي وكيفية التعامل معها، كما طرح كاتب السطور، وهي المشكلة التي تعمّ الأحزاب السياسية العربية عموماً، كما طرح السوسيولوجي ساري حنفي، أم هي مشكلة ثقة الإسلاميين بمؤسسات الدولة والعملية الديمقراطية، مثلما طرح باحثون آخرون، أو هي إحسان الظن من الإسلاميين بالغرب وسياساته وثقتهم فيه، مثلما رأى فرانسو بورجا؟

للصديق الباحث الفرنسي، ستيفان لاكروا، رأي آخر، يستحق النقاش طرحه على هامش الجلسات، وهو معاكس تماماً للفرضية السائدة في العالم العربي التي تقول لا يمكن إقامة ديمقراطية بلا ديمقراطيين (غير موجودين حالياً!)، بينما رأى لاكروا أنّ التجربة الديمقراطية الفرنسية الحديثة لم تكن وليدة الديمقراطيين، بل هي التي ولّدتهم، إذ كان هنالك يمين محافظ ويسار شمولي وصراع اجتماعي- سياسي، وصل الجميع، في النهاية، إلى ضرورة القبول بالتسويات السلمية والمدنية، بدلاً من السلاح والقتال، فهل يمكن، بالفعل، أن نصل إلى "نقطة التوازن" هذه في العالم العربي، أي الإيمان بالديمقراطية كتكنولوجيا للتداول السلمي للسلطة وآلية سلمية للصراع، بدلاً من القتل والتعذيب والتخوين والتكفير.

* د. محمد سليمان أبورمان باحث بمركز الدراسات الاستراتيجية - الجامعة الأردنية، متخصص بشؤون الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي. من كتبه "السلفيون والربيع العربي"و" الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي"و "الحل الإسلامي في الأردن" و"الإسلاميون والدين والثورة في سورية".

  كلمات مفتاحية

الإسلاميون الحركات الإسلامية العالم العربي الربيع العربي الإسلام السياسي الديمقراطية

الإسلاميون وتصاعد قوى الشر: مسؤوليات وتداعيات

باحثون أمريكيون: الإسلاميون ليسوا أعداء الديمقراطية بالشرق الأوسط

الإسلاميون في الدول العربية والسياسة الأمريكية في 2015