الإسلاميون في الدول العربية والسياسة الأمريكية في 2015

الجمعة 9 يناير 2015 06:01 ص

سوف يتأثر الإسلام السياسي العربي هذا العام إلى حد كبير بالسياسة الإقليمية للولايات المتحدة تماما كما هو الحال منذ مجيء إدارة الرئيس «باراك أوباما» إلى السلطة قبل ست سنوات. وفي الواقع؛ فإنه في الوقت الذي ارتفعت فيه مكانة الولايات المتحدة في المنطقة مع دخول «أوباما» البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2009م، ارتفعت أيضا حظوظ الإسلام السياسي العربي.

وشرعت أنظمة عربية مستبدة في قمع أحزاب الإسلام السياسي المحلية غير عابئة بأي عقاب على الرغم من احتجاجات الولايات المتحدة؛ لأن هذه الأولى ببساطة أدركت تعثر سياسات الثانية في المنطقة وتضاؤل نفوذها ما جعلها توقن أن الاحتجاجات مجرد تصريحات.

ولا يبشر هذا الترابط السياسي - الذي من المتوقع أن يسود العام المقبل - بخير للإسلام السياسي. وسيحدث ما حدث العام الماضي؛ حيث ستركز الولايات المتحدة في عام 2015م على تأمين دعم المستبدين العرب المشاركين في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» أكثر من حديثها عن سوء معاملة أحزاب الإسلام السياسي والحركات السائدة، وهو ما يترتب عليه عواقب وخيمة على المدى الطويل.

وفاق تركيز إدارة الرئيس «أوباما» منذ منتصف عام 2013م على ضرورة تكتيكية تجذب الحكام المستبدين إلى دائرة مكافحة الجماعات الإرهابية التزامها بأهداف المشاركة. ويعني دعم الولايات المتحدة المتزايد للحكام العرب المستبدين أن الإسلام السياسي العربي سيتم التضحية به.

وعلى سبيل المثال؛ تتجاهل واشنطن في الوقت الراهن آلاف الإسلاميين المعتدلين وغيرهم من نشطاء المعارضة الذين يقبعون في السجون المصرية.

ما هو الإسلام السياسي؟

ينطبق الإسلام السياسي على الأحزاب الإسلامية والحركات السياسية السائدة، والتي رفضت العنف ولجأت إلى التحول الاستراتيجي نحو السياسات التشاركية والتحالفات من خلال انتخابات حرة.

ويشمل الإسلام السياسي العربي عموما جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر والأردن، وحركة «حماس» في فلسطين، و«حزب الله» في لبنان، وحزب «النهضة» في تونس، و«الوفاق» في البحرين.

ولا يشمل مصطلح «الإسلام السياسي» جماعات متطرفة وإرهابية مثل «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا أو ما يُعرف باسم (داعش)، بالإضافة إلى عدم شموله تنظيمات «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا والعراق وسوريا، وجماعات المعارضة المسلحة في العراق وسوريا واليمن وليبيا. كما أنه لا ينطبق على الجماعات الإرهابية في إفريقيا مثل «بوكو حرام» وحركة «الشباب» وغيرها.

وللأسف؛ ساوى العديد من صانعي السياسة في الغرب على مدار السنوات الثلاث الماضية بين تيارات الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة والإرهابية، والغريب أن ذلك كان في عدة دول عربية أيضا. وقدّم هذا الربط الخاطئ الذي امتزج بخدمة المصالح الشخصية المبررات لواشنطن لتقيم علاقات حميمة مع أنظمة عربية مستبدة، وجعلها تغض الطرف عن القمع الدموي تجاه مواطني تلك الدول.

القمع يولّد التطرف

وقد أعطى ذلك مبررا وذريعة للحكام المستبدين لقمع الأحزاب الإسلامية واستبعادها من العملية السياسية. ففي مقابلة صحفية أواخر الشهر الماضي؛ ندد الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» بجماعة الإخوان المسلمين، وتعهد بأن الحركة لن تجد طريقا إلى مجلس النواب المصري الذي على وشك أن تُجرى انتخاباته. 

وتوفر قوانين الإرهاب الأخيرة في مصر - والتي وافق عليها السيسي وغيره من المستبدين العرب - غطاءا شبه قانوني لإسكات المعارضة التي من بينها الإسلام السياسي الذي ينتشر على نطاق واسع.

لقد استخدموا تعريفات توسعية وغامضة لمصطلح ”الإرهاب“؛ حيث ضمّنوا في تلك القوانين حبس أي شخص أو مجموعة «تضر بالوحدة الوطنية». ويعتبر أي انتقاد للنظام أو الحاكم في الوقت الراهن عمل ”إرهابي“ يُعاقَب صاحبه بالسجن لفترات طويلة.

وفي 28 ديسمبر/كانون الأول تمّ اعتقال الشيخ «علي سلمان» - الأمين العام لجمعية الوفاق البحرينية - ما يُعد دليلا آخرا على الإجراءات الصارمة ضد قادة زعماء المعارضة والأحزاب السلمية في المنطقة. ومن المتوقع في عام 2015م أن يسود قمع الأنظمة لمثل هذه الجماعات والحركات.

ثانيا: في الوقت الذي تمثل فيه المنظمات الإرهابية تهديدا للمنطقة والدول الغربية على حد السواء، فإن تضمين الإسلام السياسي السائد في إدارة بلدانهم - على المدى البعيد - هو أمر جيد بالنسبة للاستقرار الداخلي والأمن الإقليمي، فضلا عن أنه يخدم مصالح القوى الغربية في المنطقة. 

ويخبرنا التاريخ الحديث أن الإقصاء والقمع غالبا ما يؤدي إلى التطرف. وقد تخلى بعض الشباب في هذه الأحزاب عن السياسة التشاركية لصالح سياسة المواجهة والعنف. ومن المتوقع أن يزيد ذلك في عام 2015م في ظل قمع الإسلام السياسي الذي أصبح أكثر انتشارا.

ثالثا: ينبغي ألا تكون الأخطاء الجسيمة لجماعة الإخوان المسلمين والنهضة مدعاة للدهشة أو الاستغراب نظرا لأنهما كانا حديثي عهد بتجربة الحكم. ولا ينبغي أن يكون هذا الأداء الضعيف ذريعة للإطاحة بهم بشكل غير قانوني وإبطال العملية الديمقراطية كما فعل الانقلاب العسكري الذي قاده «السيسي» في مصر يوليو/تموز 2013م.

وعلى الرغم من أن الأحزاب السياسية الإسلامية تميل للفوز في الانتخابات الأولى بعد إسقاط الطغاة، إلا إن الاختبار الحقيقي للدعم الشعبي لهم يظهر في الانتخابات المتتالية، وانتخابات ما بعد الربيع العربي الأخيرة في تونس هي مثال على ذلك.

وعندما يُمنح المواطنون العرب فرصة المشاركة في انتخابات حرة ونزيهة، فإنهم قادرين على انتخاب الحزب الذي يحقق مصالحهم بغض النظر عما إذا كان الحزب إسلاميا أو علمانيا.

ولو أعطى المشير «السيسي» في عام 2013م الفرصة لجماعة الإخوان المسلمين والرئيس «محمد مرسي» بالبقاء في السلطة حتى الانتخابات التالية لكان الشعب قد أطاح بهم؛ وفقا لاستطلاعات الرأي التي أُجريت في ذلك الوقت.

ولكن «السيسي» والمجلس العسكري لم يلتزما بأي تحولٍ ديمقراطي حقيقي في مصر. وبحسب تقارير منظمة حقوق الإنسان فإن الحالة الراهنة لحقوق الإنسان في مصر أسوأ بكثير مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق «حسني مبارك».

الولايات المتحدة والإسلام السياسي

وفور توليه مهام منصبه؛ أدرك الرئيس «أوباما» أن الخلافات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي - وخاصة الإسلام السياسي - تُحركها جملة من سياسات معينة بمنأى عن قيم الحكم الرشيد.

علاوة على ذلك؛ فإن أحد أهم العوامل الرئيسية وراء هذه الخلافات هو ما يسيطر على عقول الكثير من المسلمين بأن حرب أمريكا على الإرهاب ليست سُوى حرب على الإسلام.

كما أدركت إدارة «أوباما» أنه في الوقت الذي يتورط فيه عدد محدود من المسلمين في أعمال العنف والإرهاب، فإنه يتعين على الولايات المتحدة أن تجد طرقًا للتواصل مع 1.6 مليار مسلم منتشرين في أنحاء العالم. وهذا دفع الرئيس «أوباما» في وقت مبكر من إدارته لإعطاء فرصة لمقابلات إعلامية مع مُذيعين عرب بالإضافة إلى خطابه التاريخي في القاهرة في يونيو/حزيران 2009م.

ورغم ذلك؛ فإنه مع استمرار حرب العراق وأفغانستان، وسقوط المزيد من المدنيين ضحايا لغارات الطائرات الأمريكية بدون طيار في اليمن وأفغانستان وأماكن أخرى، فقد أصبح الكثير من المسلمين أكثر تشككا بالتزام واشنطن بالانخراط الصادق مع العالم الإسلامي.

وكانت الانتفاضات العربية التي بدأت في عام 2011م - وأطلق عليها اسم «الربيع العربي» - وسقوط الطغاة دافعا للولايات المتحدة لدعم مطالب الحرية والإصلاح السياسي والكرامة والديمقراطية.

وأعلنت واشنطن أنها ستعمل مع الأحزاب السياسية الإسلامية - وخاصة جماعة الإخوان المسلمين والنهضة - طالما سعت هذه الأحزاب إلى التغيير السلمي ومبادئ التعددية والانتخابات والديمقراطية.

وعزز الانفتاح غير المسبوق حظوظ الإسلام السياسي والسياسات الشاملة في العالم العربي. ورغم ذلك لم يدم التقارب الأمريكي مع الإسلام السياسي لعامين.

المضي قُدمًا

وبقدر ما يمكن للمرء أن يختلف مع الأيديولوجية السياسية الإسلامية، إلا إن توقع الاستقرار الداخلي والأمن الاقتصادي على المدى الطويل في مصر أو البحرين أو فلسطين أو لبنان من دون مشاركة «الإخوان المسلمين» و«الوفاق» وحركة «حماس» و«حزب الله» في الحكم هو غباء محض غير مسبوق.

وتصلح استراتيجية التودد والتزلّف إلى المستبدين على المدى القصير لكن لا يمكنها أن تطول لأمد بعيد. وكلما طال أمد العلاقة الحميمة، كلما تحوّل المزيد من المسلمين إلى الاعتقاد السابق بأن حرب أمريكا على الإرهاب هي حرب على الإسلام.

وسترتد الدول العربية التي شهدت سقوط الطغاة - وخاصة مصر - على عقبيها بموافقة واشنطن إلى القمع والاستبداد كما لو كان الربيع العربي لم يُولد من الأساس.

المصدر | إميل نخله، ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

الإخوان المسلمون حركة حماس جمعية الوفاق حزب الله السيسي الربيع العربي الإسلام السياسي

نحو سقوط «الدول العربية» أمام تحالف «داعش» والأميركيين!

مـــآلات الـعـــروبة

تأملات في معنى مصطلح «إسلامي»

الإسلاميون وتصاعد قوى الشر: مسؤوليات وتداعيات

التمييز بين لعبة السياسة والقيم الإنسانية

إسـلاميون في معضلة الاعتدال