سد النهضة وفارق انشغالات الأنظمة بعيداً عن الجوهر

الأربعاء 7 يوليو 2021 10:35 ص

سد النهضة وفارق انشغالات الأنظمة بعيداً عن الجوهر

الأمن المائي هو العنوان الأبرز لسلسلة مصالح وطنية اقتصادية وتنموية حيوية لا تقبل التفريط أو التهاون.

السد مشروع جيوسياسي لتثبيت موقع قوة سيادية داخل البلد وفي محيطه الإقليم، وليس عبثاً أن مياه النيل كانت ميداناً لاستثمارات سياسية وأمنية داخلية.

سلوك القيادات لا يلغي حقوق مواطني مصر والسودان في النيل أو يبرر غطرسة أثيوبيا لكنه يفضح سلوك الأنظمة في توظيف أوراق القوة للحفاظ على المصالح العليا الحيوية.

بينما كان السيسي منشغلاً بمناورات عسكرية على حدود ليبيا وتعيين سرت والجفرة خطا أحمر وبعض القيادة السودانية يصدر المرتزقة لحفتر كانت أثيوبيا تستكمل بناء السد وتقيم حوله تحصينات عسكرية!

*     *     *

يجتمع مجلس الأمن الدولي غداً لبحث النزاع الراهن بين مصر والسودان وإثيوبيا حول حصص الدول الثلاث في مياه النيل، وعلى ضوء إعلان إثيوبيا ابتداء عمليات الملء الثاني لسد النهضة، الأمر الذي اعتبرته القاهرة والخرطوم بمثابة مخالفة صريحة لاتفاق مبادئ سبق أن وقعتاه مع أديس أبابا في سنة 2015.

وسبق لمجلس الأمن الدولي أن بحث النزاع ذاته قبل نحو عام ولم يتوصل إلى نتيجة ملموسة على المستوى العملي، فاكتفى بحثّ الدول الثلاث على العودة إلى وساطة منظمة الوحدة الأفريقية، وهذه قد تكون النتيجة الأرجح لاجتماع الغد.

النزاع حول مياه النيل ليس جديداً بالطبع خاصة وأن النهر العملاق يشكل شرياناً حيوياً لقرابة 400 مليون نسمة في رواندا وبوروندي وتنزانيا وكينيا والكونغو وأوغندا، بالإضافة إلى الدول الثلاث التي تتنازع اليوم.

والأمن المائي هو العنوان الأبرز لسلسلة مصالح وطنية اقتصادية وتنموية حيوية لا تقبل التفريط أو التهاون. والمشكلة التالية هي أن بعض الاتفاقيات التي تنظم اقتسام مياه النهر إنما جرى إبرامها خلال عقود الاستعمار حيث لم تكن غالبية الدول تتمتع بالسيادة الوطنية، وهذه على سبيل المثال ذريعة أثيوبيا في الطعن باتفاقيتَي 1902 و1929 اللتين وُقعتا برعاية التاج البريطاني.

وقد يكون صحيحاً تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري، وزميلته وزيرة خارجية السودان مريم الصادق المهدي، من أن القرار الأثيوبي ببدء عمليات الملء الثاني من جانب واحد ومن دون التوصل إلى تفاهمات واضحة، إنما «يشكل تصعيداً خطيراً يكشف سوء نية إثيوبيا ورغبتها في فرض الأمر الواقع».

إلا أن النزاع ليس مسألة تقنية تخص البدء بالملء أو إرجاءه حتى تسفر المفاوضات الثلاثية عن محصلة مقبولة من الأطراف كافة. كذلك فإن سد النهضة ليس مشروعاً معمارياً وتنموياً صرفاً يستهدف توليد الكهرباء وتنظيم شبكات الري الزراعية فحسب، رغم اتفاق المراقبين على أن السد هو الأضخم على مستوى القارة، والمرشح لوضع أثيوبيا على دروب التصنيع وانتشال الملايين من الفقر والبطالة.

المشروع أيضاً خطوة جيوسياسية تسعى إلى تثبيت موقع قوة سيادية داخل البلد وفي محيطه الإقليمي، وليس عبثاً أن مياه النيل كانت ميداناً لاستثمارات سياسية وأمنية داخلية انخرط فيها أمثال هيلا سيلاسي ومنغستو هيلا مريم ومليس زيناوي، مثلما هي حال أبي أحمد اليوم.

وبينما كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منشغلاً بمناورات عسكرية على الحدود المصرية ـ الليبية وتعيين سرت والجفرة كخط أحمر، وكان بعض أركان القيادة السودانية منهمكين بتصدير المرتزقة إلى المشير الانقلابي خليفة حفتر، كانت القيادة الأثيوبية تواصل استكمال بناء السد وتقيم من حوله سلسلة تحصينات عسكرية تحسباً لذهاب النزاع إلى مستوى المواجهة المسلحة.

وإذا كان التمايز على هذا المستوى لا يلغي حقوق مواطني مصر والسودان في مياه النيل أو يبرر غطرسة أثيوبيا، فإنه مع ذلك يفضح سلوك الأنظمة في توظيف أوراق القوة للحفاظ على المصالح العليا الحيوية، وهذا فارق جوهري حاسم.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

سد النهضة، أثيوبيا، مصر، السودان، المرتزقة، حفتر، مشروع جيوسياسي،

الأردن يجدد التضامن مع مصر والسودان بأزمة سد النهضة