استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

النهايات والإمبراطورية الجديدة

الثلاثاء 3 نوفمبر 2015 07:11 ص

عند كل منعطف تاريخي عالمي، تبرز تنظيرات وتأويلات جديدة، وقراءات استشرافية، يصيغها على الأرجح، الفريق الغالب. وتلتقي هذه التنظيرات عند خاصية نهاية التاريخ، التي نظّر لها حديثاً، فوكوياما، لكنه لم يكن واضع أسسها الأول.

فالعقلانية القانونية، هي من وجهة نظر ماكس فيبر، نهاية للتاريخ، ونظرية المراحل لوالت روستو، صنفت النظام الرأسمالي على اعتبار أنه نهاية للتاريخ، ومن قبل ذلك بسنين طويلة، اعتبرت كل الإمبراطوريات ذاتها، باعتبارها أزلية، وأنها الحضور الذي ليس له ما بعده.

وسرعان ما تنتقل تنظيرات النهايات من المركز لتشمل المحيط. يتلقفها المثقفون والمفكرون، وأشباههم، فيصبح الحديث عنها موجة جديدة من موجات السجال والنقاش، ولأنها لغة الغالب، فسرعان ما يتلقفها المهزومون، لتعيد إلى نظرية ابن خلدون عن محاكاة الضعيف للقوي، حضورها ومجدها وألقها.

من الكتب الأثيرة، لدى المهووسين بتنظيرات النهايات، كتاب «إمبراطورية العولمة الجديدة»، الذي ألفه مايكل هاردت وانطونيو نيغري. هذا الكتاب صدر في الفترة التي حكم فيها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي حقبة مكارثية معتمة في التاريخ الحديث لا تزال تجد صداها لدى كثير من مثقفي العالم الثالث، رغم أن تلك الحقبة أصبحت من الماضي، بحكم التطورات السياسية التي حدثت فوق هذا الكوكب في السنوات العشر الماضية.

يتحدث الكاتبان، هاردت ونيغري في هذا الكتاب عن نهاية مرحلة الإمبريالية، وبروز إمبراطورية العولمة بديلاً عنها. خصائص الإمبراطورية، كما هي في التاريخ الإنساني، أنها لا تعترف بأية حدود أو قيود، وأنها تعيدنا إلى عالم ما قبل الحرب العالمية الأولى، وما تبعها من تأسيس عصبة الأمم، حيث ألغي حق الفتح، وجرى اعتماد صيغة معاهدة ويستفاليا التي وقعت عام 1648، لتتحول من معاهدة أوروبية، إلى شكل جديد ينظم العلاقات بين الدول.

ورغم أن المؤلفين يدعوان إلى ضرورة النظر لعودة الإمبراطورية، من منظور مختلف، يأخذ في الاعتبار التطور التاريخي، حيث يؤكدان أن الإمبراطورية الجديدة ستكون مختلفة جذرياً، عن إمبريالية السيطرة الأوروبية، والتوسع الاستعماري التقليدي الذي ساد في القرون الثلاثة الأخيرة، فإن إمبراطورية اليوم تميل أكثر إلى اعتماد عناصر من النزعة الدستورية للولايات المتحدة مع ما تتميز به من تراث الهويات الهجينة والحدود المتسعة.

تتماهى تنظيرات الكاتبين مع رؤية المحافظين الجدد، في الولايات المتحدة الأمريكية التي ترى ضرورة إعادة تشكيل البناء الفلسفي للفكر السياسي الغربي، بحيث يكون منسجماً مع نزعة الهيمنة والسيطرة، التي اعتمدتها إدارة الرئيس جورج بوش، والقائمة على احتقار المؤسسات والهيئات الناظمة للعلاقات الدولية، كهيئة الأمم المتحدة، وعدم احترام قرارتها.

فمن وجهة نظرهما، فإن الإمبراطورية الجديدة المتخيلة، والوحيدة، ستحدث انقلاباً في المفاهيم التي سادت في العصر الحديث، كالسيادة والأمة. إن هذا الانقلاب سيتزامن مع تغيرات ثقافية واقتصادية، بدأت تفصح عن نفسها في مجتمع ما بعد الحداثة، بأشكال جديدة من العنصرية، وبمقولات مختلفة عن مفهوم الهوية. ويحيلان ذلك إلى بروز شبكات جديدة للاتصال والتحكم، وبطرق جديدة للهجرة. وفي هذا السياق، يؤكد الكاتبان مدى طغيان مساهمة الشركات العابرة للحدود القومية، وتزايد هيمنة أنماط العمل والإنتاج، ما بعد الصناعية في تحديد معالم النظام الإمبراطوري الجديد.

المعضلة في هذه القراءة، أنها تختزل التاريخ، في فترة قصيرة، لم تتجاوز العقدين من الزمن، هي فترة الأحادية القطبية، وهيمنة اليانكي الأمريكي على العالم. وهي فترة أضرت كثيراً بالناخب الأمريكي، حيث أعيدت المكارثية وقيدت الحريات، وشهدت البلاد أزمات اقتصادية حادة، ما لبثت أن شملت العالم بأسره، لتكون أقسى أزمة يمر بها العالم، منذ ما يقرب من الثمانين عاماً.

يغيب التحليل، صراع الإرادات، وقوة الثقافات، وأن القانون هو الاختلاف والتعددية. فآليات العولمة وقوانينها لم تكن بالجملة نتاج تطور تاريخي، كما يصفها، بل تمت بالقسر. والحديث عن سقوط الاتحاد السوفييتي، والكتلة الاشتراكية، باعتباره دليلاً على سقوط مفهوم الدولة والأمة والسيادة، تغيب عنه حقيقة عودة الدب القطبي بقوة للساحة الدولية، بل وتنافسه الحاد، والحاسم في بعض الأحيان، لفرض شروطه، وأجنداته.

لا يمكن للعالم أن يقبل استمرار الانفلات الدولي الذي ساد في عقدي تفرد الولايات المتحدة بصناعة القرارات الأممية. والعالم يصيغ مرحلة جديدة في تاريخه، لا تقوم على نشوء إمبراطورية جديدة، بل إن شئت إمبراطوريات.

تنظير هاردت ونيغري، ربما يجد له ثقلاً في ظل غياب توازنات القوة، وتفرد دولة واحدة على العالم. أما وأن هذا التوازن أمسى محققاً، فليس من مصلحة البشرية، ولا الدول التي تمتلك أسلحة الدمار الشامل، وفي مقدمها الأسلحة النووية، ألا يكون لمعاهدة ويستفاليا حضورها.

لقد فشل الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق أمام ضربات المقاومين. وهدف المقاومة هو تحرير البلدين، وتأكيد حقهما في السيادة وتقرير المصير. واليوم تتشكل هيئات وتكتلات دولية جديدة، كمنظومة شنهغاي والبريكس. ومنظمات مماثلة تجمع دول أمريكا اللاتينية.

وتتحدى روسيا والصين، هيمنة الولايات المتحدة بتمديد جرفهما القاري، من دون إصغاء للتهديدات الأمريكية، والتلويح بلغة الحرب. وتتوسع روسيا الاتحادية، فتعيد القرم إلى أراضيها. وتنشط دبلوماسيتها بشكل قوي في الأزمة السورية.

لن يكون بمقدور العالم القبول بفكرة الإمبراطورية الجديدة، واستمرار الانفلات الدولي، إلا باستعادة مفاهيم الاستقلال والسيادة، وحق تقرير المصير. وإعادة الاعتبار لمفهومي الأمة والدولة. والعولمة هي منجز إنساني إيجابي، ليس شرط وجوده تفرد قوة وحيدة بالعالم.

  كلمات مفتاحية

النهايات الإمبراطورية الجديدة قراءات استشرافية نهاية التاريخ العقلانية ماكس فيبر نظرية المراحل والت روستو النظام الرأسمالي ابن خلدون مايكل هاردت انطونيو نيغري المحافظون الجدد أمريكا

الرأسمالية والديمقراطية ليستا نهاية التاريخ