تركيا بعد 5 سنوات من الانقلاب الفاشل.. صعود لافت ومكاسب بالجملة

الخميس 15 يوليو 2021 03:11 م

لم يكن 15 يوليو/تموز 2016، يوما فقط لإجهاض الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، بل ربما كان نقطة صعود جديدة للبلاد، التي أعادت ترتيب أولوياتها، ورسم سياساتها الداخلية والخارجية.

ووفق المثل القائل "الضربة التي لا تقتلك تزيدك قوة"، فإن تركيا خرجت أكثر قوة، بعد مرور 5 أعوام على محاولة الانقلاب المتورط فيها، جماعة "فتح الله جولن" المقيم في الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من سقوط مئات القتلى والجرحى في الانقلاب الخامس الذي شهدته تركيا على مدار تاريخها، فإن الأتراك سطروا ملحمة أسطورية في التصدي لدبابات العسكر، وتلقين الجنرالات درسا قاسيا في احترام الديمقراطية.

حملة تطهير

من حيث لا تحتسب، كان الانقلاب فرصة ذهبية أمام الدولة التركية لتطهير المؤسسة العسكرية من جنرالات يحلمون بالتدخل في الحياة السياسية، على غرار 4 انقلابات عسكرية سابقة، اثنان منها أديا لتغيير الحكومة دون سيطرة الجيش على مقاليد الحكم.

وخلال 5 سنوات، شهدت المؤسسة العسكرية التركية، أعمال تطهير كبيرة وواسعة لاستئصال أعضاء حركة "جولن" الإرهابية، طالت قيادات كبيرة في مختلف فروع الجيش التركي، البرية والجوية والبحرية، بالإضافة إلى جهازي الشرطة والجندرما.

وبحسب وزير الدفاع التركي، "خلوصي أكار"، فقد أُقيل أكثر من 20 ألفاً من منتسبي القوات المسلحة التركية، معظمهم من الضباط والرتب العليا.

وأفضت العمليات الأمنية المنفذة ضد جماعة "الخدمة" المحظورة والمتهمة بتنفيذ الانقلاب الفاشل، إلى اعتقال 312 ألفاً و121 شخصا، بحسب وزير الداخلية التركي، "سليمان صويلو".

وسياسيا، جرى تحجيم نفوذ الجيش التركي، وتقليم أظفاره، عبر وضعه تحت رقابة مجلس الدولة، كذلك تم إلغاء المقعدين المخصصين للجيش في المحكمة الدستورية التي كانت تضم 17 مقعدا، كما تقرر إلغاء القانون العسكري الذي استخدمه الجيش سابقاً من أجل فرض الحكم العسكري على البلاد.

واستراتيجيا، وبدهاء من الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، جرى إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وتفعيل دور الجيش في سوريا ضد تنظيم الدولة، وإجهاض الحصار الخليجي على قطر، وقلب موازين القوى لصالح حكومة الوفاق الشرعية في ليبيا، ومساعدة أذربيجان في دحر الاحتلال الأرميني لإقليم قرة باغ.

تغييرات سياسية وعسكرية

توالى حصد المكاسب الناجمة عن الانقلاب الفاشل، بإقدام تركيا على تغيير شكل النظام السياسي من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.

ففي استفتاء أجري في 16 أبريل/نيسان 2017، وافق الناخبون الأتراك على تعديلات دستورية شملت 18 بندا، كان أبرزها الانتقال من النظام البرلماني الذي دام العمل به قرابة الـ9 عقود، إلى نظام الحكم الرئاسي الذي يكون لرئيس الدولة الدور في قيادة البلاد وليس دورا شرفيا فقط.

وبوجب تلك التعديلات، جرى إلغاء منصب رئيس الوزراء، ومنح الرئيس الحق في تعيين كبار المسؤولين من وزراء ونواب للرئيس، وهو ما اعتبرته المعارضة تكريسا للسلطة في يد "أردوغان"، لكن التعديلات منحت الرئيس التركي ديناميكية واسعة للإسراع بتنفيذ خططه للتمدد اقتصاديا وعسكريا.

وعزز "أردوغان" مكاسبه في يونيو/حزيران العام 2018، بنيل ولاية رئاسية ثانية، بعد فوزه عام 2014 في انتخابات الرئاسة التركية، في ما اعتبر تصويتا شعبيا جديدا على منحه الثقة للاستمرار في سدة الحكم.

وبالنظر إلى مواقف عواصم العالم تجاه الانقلاب الفاشل، أعادت تركيا تموضعها السياسي، باتجاه تعزيز نفوذها كقوة فاعلة على الساحة الدولية، وبناء علاقات مثمرة اقتصاديا وسياسياً مع روسيا والصين وإيران وقطر.

وجراء تعرضها للخذلان من قبل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، اتجهت أنقرة إلى الاعتماد الأكبر على الذات وإيجاد تحالفات دولية بديلة، مع صياغة سياسة خارجية بعيدة عن الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا.

وتمدد الوجود التركي في القارة السمراء، بحثا عن كعكة اقتصادية ثمينة، دون الانتظار لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى بلورة شراكات ثنائية استراتيجية مع دول خليجية وعربية وإسلامية وآسيوية ولاتينية.

عسكريا، قررت تركيا الحصول على منظومة الدفاع الجوي "إس-400" من روسيا، رغم رفض الإدارة الأمريكية وحلف الناتو، في خطوة استقلالية لتأمين مجالها الجوي، في وقت جرى فيه حرمانها من شراء منظومة "باتريوت" الأمريكية.

ونحو تبني سياسة أكثر حزما واستقلالية في المجال العسكري، سارعت تركيا إلى تطوير خططها للاكتفاء الذاتي من الأسلحة الدفاعية، وامتلاك ترسانة من الصواريخ والمدرعات، وأسطول من الطائرات بدون طيار المتطورة، والتي قلبت موازين الحرب في ليبيا وسوريا والنزاع الأذربيجاني الأرميني.

وأظهرت الفرقاطات وسفن التنقيب التي بنيت حديثا في تركيا القوة البحرية للبلاد عبر شرق البحر الأبيض المتوسط، مع توسع لافت في التنقيب عن الطاقة، وتحدي الخطط اليونانية الفرنسية في المنطقة، بحسب "trt" التركية.

حصاد المكاسب

اقتصاديا، يجدر استعادة الماضي، والنظر إلى الانهيار الإقتصادي الذي مرت به تركيا في عام 2001، والذي شهدت فيه البلاد انخفاض سعر العملة المحلية إلى 1.5 مليون ليرة مقابل الدولار الأمريكي.

ومنذ وصول حزب "العدالة والتنمية" للحكم، تمكن "أردوغان" من اكتساب سمعة طيبة لكفاءته الاقتصادية، وأصبحت تركيا أسرع الاقتصادات نموا في مجموعة الدول العشرين، وتوسعت الطبقة الوسطى الى حد هائل، واستفاد ملايين الأتراك الفقراء اقتصاديا من سياسات "أردوغان" بحسب الـ"بي بي سي".

كذلك تحسنت حياة الأتراك اليومية بفضل المشاريع الكبرى التي نفذتها حكومة "العدالة والتنمية"، من مدارس ومستشفيات إلى طرق وجسور وسدود وحدائق، إلى مشاريع بنية تحتية عملاقة.

وتمكنت تركيا من تحقيق إنجازات عملاقة كان أهمها اكتشاف أكبر حقل للغاز الطبيعي في تاريخ البلاد بالبحر الأسود في أغسطس/آب 2020، وأخذ قرارات تاريخية كان أبرزها إعادة متحف "آيا صوفيا" بإسطنبول إلى مسجد في يوليو/تموز 2020.

وسياحيا، وقبل تفشي جائحة كورونا، اجتذبت تركيا 52 مليون سائح العام 2019، وتخطط لاستقطاب 75 مليون سائح و65 مليار دولار من إيرادات السياحة، خلال الأعوام المقبلة.

وتزايدت الصادرات التركية لتسجل عام 2016 نحو 142 مليار دولار وتزيد عام 2017 عن 160 ملياراً،  ونحو 170 ملياراً في العام 2018، وفي العام 2019، سجلت 180 مليار دولار.

وارتفع احتياطي البنك المركزي التركي من العملات الأجنبية، ليتجاوز 93 مليار دولار، وتخطى حجم الاستثمارات الأجنبية في تركيا 201 مليار دولار، وفق بيانات رسمية.

وتطمح تركيا إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي إلى تريليوني دولار، وأن يرتفع معدل دخل الفرد إلى 30 ألف دولار سنوياً.

ويؤكد صندوق النقد الدولي أن لدى تركيا قوة اقتصادية وإنتاجا قادرين على تجاوز أزمة "كورونا" بأقل الخسائر، كونها ستكون الأسرع تعافيا وستعاود السعي لحلمها بدخول نادي العشرة الكبار في العالم.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا أردوغان الانقلاب التركي الفاشل العدالة والتنمية فتح الله كولن الجيش التركي فتح الله جولن

«النقد الدولي» يؤكد تعافي الاقتصاد التركي من الانقلاب الفاشل

عسكرية ودستورية وبيروقراطية.. انقلابات متنوعة شهدتها تركيا