خليل العناني: هل يتخلى شباب الإسلاميين عن صناديق الاقتراع لصالح العنف؟

الأربعاء 18 أغسطس 2021 09:40 م

في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991، فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ (حزب سياسي سابق) بالانتخابات البرلمانية الجزائرية. وبعد أسابيع ألغت الحكومة الجزائرية النتائج واعتقلت قيادات بارزة في الجماعة وحلّت الحزب.

في 3 يوليو/تموز 2013، أطاح الجيش المصري بالرئيس الراحل "محمد مرسي"، وهو عضو في جماعة "الإخوان المسلمون" وأول رئيس منتخب ديمقراطيًا في مصر، واعتقل الآلاف من أعضاء الجماعة وقمعت بوحشية.

في 25 يوليو/تموز 2021، جمد الرئيس (الشعبوي) التونسي "قيس سعيد" جميع سلطات البرلمان المنتخب، وأقال رئيس الوزراء المعين حديثًا، "هشام المشيشي"، ورفع الحصانة الممنوحة للنواب، وعين نفسه نائباً عاماً، وهدد بمعاقبة كل من يخالف هذه الإجراءات (الاستثنائية).

ومع الأخذ في الاعتبار كافة الاختلافات التاريخية والسياسية والثقافية بين الدول الثلاث المذكورة، لكن ثمة عوامل مشتركة وهي إجبار الإسلاميين على الخروج من السلطة وإجهاض عملية الانتقال السياسي بأكملها وإعادة الاستبداد.

يمكننا تحليل المشاكل الأيديولوجية للإسلاميين، والتشكيك في كفاءتهم السياسية، وتقييم افتقارهم إلى الخبرة في الحكم. لكن هناك أمرًا واحدًا لا جدال فيه وهو: أنهم التزموا بقواعد اللعبة وحصلوا على السلطة بشكل ديمقراطي من خلال صناديق الاقتراع.  

النموذج الديمقراطي

وبغض النظر عن الجدل الدائر حول ما إذا كان ما حدث في تونس هو "تصحيح" لمسار انتفاضة 2011 كما يعتقد أنصار الرئيس "سعيّد"، أو انقلاب "دستوري" كما يعتقد خصومه، فإن ثمة نقاشا مهما وساخنا يدور داخل الأوساط الإسلامية -خاصة بين الكوادر الشابة- حول التكلفة الباهظة للمشاركة السياسية وهل الديمقراطية هي الحل؟.

على مدى السنوات القليلة الماضية، شهد الإسلاميون سلسلة من الأحداث التي شكلت تفكيرهم السياسي وقوضت إيمانهم بالديمقراطية.  

فمن الانقلاب العسكري الدموي في مصر، بقيادة "عبدالفتاح السيسي"، الذي بنى ديكتاتورية بسجل مروّع من انتهاكات حقوق الإنسان المدعومة من الحلفاء الإقليميين والغربيين، إلى صعود محور إقليمي معادٍ يسعى إلى القضاء على الإسلاميين محليًا ودوليًا، وآخرها الانقلاب الناعم في تونس، الذي أوقف قصة النجاح الوحيدة الباقية للربيع العربي.

بالنسبة للإسلاميين، يرون أن هذه الأحداث ليست علامات قبول أو اندماج، بل بالأحرى علامات عدم تسامح ورفض، مما يعمق عدم ثقتهم في العملية السياسية برمتها.

ونتيجة لذلك، فإن الإسلاميين، وخاصة الشباب منهم، أصبحت لديهم شكوك متزايدة في قدرة النموذج الديمقراطي -الذي يعتبرونه الآن لعبة سياسية خادعة- على ضمان حصولهم على الاندماج السياسي.

النهضة في مرمي النيران

اليوم، يواجه حزب النهضة التونسي، أحد أكثر الحركات الإسلامية اعتدالاً وتقدمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وله سجل فريد من البراجماتية السياسية والتسوية الأيديولوجية، تحديات غير مسبوقة.

ويعتبر أحد أكثر الأمور إلحاحًا الآن هو كيفية الحفاظ على الثقة في العملية الديمقراطية على الرغم من استيلاء "سعيد" على السلطة مؤخرًا.

ففي العقد الذي تلا ثورة 2011، التي أطاحت بالدكتاتور "زين العابدين بن علي"، فاز حزب النهضة بـ3 انتخابات برلمانية متتالية وكان يتقاسم السلطة مع قوى علمانية وليبرالية ويسارية أخرى.

وفى غضون ذلك، قدمت حركة النهضة تنازلات أيديولوجية وسياسية مهمة من أجل قبولها وضمان نجاح الانتقال السياسي في تونس.

وقام الحركة بالتحالف مع فصائل سياسية مختلفة، بما في ذلك شخصيات من النظام القديم، مثل الرئيس الراحل "الباجي قائد السبسي"، في مؤشر على النضج السياسي واحترام إرادة الشعب الذي انتخب هؤلاء المسؤولين.

فى مقابل ذلك، تعرضت الحركة للوم من قبل الإسلاميون في جميع أنحاء المنطقة، ولا سيما المحافظون والمتشددون، الذين اتهموا الحركة بالتخلي عن أيديولوجيتها ومعتقداتها الدينية من أجل استمالة نظرائها العلمانيين والليبراليين.

ومع ذلك، وبعد قرارات الرئيس التونسي الاستثنائية، أصبحت النهضة تتعرض لانتقادات ليس فقط من التونسيين ولكن الأهم من ذلك الإسلاميين - المعتدلين والمتطرفين على حد سواء.

وأصبح الإسلاميون يعتقدون أن تنازلات الحزب كانت في نهاية المطاف بلا طائل، وقوضت مصداقية النهضة كحركة إسلامية

دخول "طالبان"

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الجماعات المتطرفة مثل "الدولة الإسلامية" أبدت شماتة واضح في فقدان حزب النهضة للسلطة وسيطرة "سعيد" على المشهد السياسي في تونس.

بالنسبة لـ"الدولة الإسلامية" والجماعات المسلحة الأخرى، إن هذه الانتكاسات (للنهضة والإخوان وغيره) تثبت صحة نهجها المتطرف المناهض للديمقراطية، كما تدفع تلك النكسات بعض الإسلاميين المحبطين إلى تبني ما يصفونه بـ"نموذج طالبان"- أي استخدام القوة من أجل الحماية المكاسب السياسية.

فهم يعتقدون أن المفاوضات يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع العنف المسلح ضد خصومهم.  إنهم يحترمون الانجازات العسكرية الأخيرة لـ"طالبان" في أفغانستان ويعجبون بقدرتها على الجمع بين المفاوضات والقتال من أجل استعادة السلطة.

خلال التسعينيات، شهدت الجزائر عقدًا دمويًا، حيث قتل وجرح مئات الآلاف من الأشخاص بعد التخلي عن العملية السياسية. وبالمثل، شهدت مصر مذبحة للمتظاهرين السلميين بعد انقلاب 2013 وعانت من حرب تمرد في سيناء بينما لا تزال البلاد بأكملها تحت الحكم الاستبدادي. في ليبيا وسوريا واليمن، هناك حروب أهلية مستعرة، مزقت تلك البلدان سياسيًا واجتماعيًا وجغرافيًا.

لا يعني أي من هذا أن تونس سوف تسير في نفس المسار. بل هو تذكير بأن الديمقراطية، بكل مشاكلها وعيوبها، تظل الخيار الأكثر تقدمًا، ليس فقط لتونس، ولكن للمنطقة بأسرها.

على مدى السنوات القليلة الماضية، كنت أبحث وأحلل سلوك الإسلاميين وأيديولوجيتهم، خاصة بعد فشل ما يسمى بالربيع العربي. وكان السؤال الرئيسي الذي ما زلت أسمعه من الشباب الإسلاميين هو: ما الذي يتعين علينا القيام به أيضًا لنحظى بالقبول والاندماج؟

أتذكر كيف وبّخني أحد محاوري المصريين، الذي يعيش الآن في المنفى، عندما دافعت عن أهمية الحفاظ على الإيمان بالديمقراطية بعد انقلاب عام 2013. رد بحنق: "الديمقراطية مزحة".

بعد استيلاء الرئيس التونسي على السلطة مؤخرا، اتصل بي شاب إسلامي آخر، وقال بصوت عالٍ بحزن وحزن عميق، "لن يتم قبولنا أبدًا من قبل العلمانيين بغض النظر عما نفعله".

وبينما يتكشف الفصل التالي من هذه الملحمة، فإن هذا ليس محبطًا فحسب، بل إنه مرعب حقًا.

المصدر | خليل عناني - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

خليل العناني الديمقراطية الإسلاميين العنف صناديق الاقتراع تونس مصر أفغانستان النهضة الإخوان المسلمون طالبان

فورين أفيرز: هكذا سيكون مستقبل التنظيمات الجهادية بعد انتصار طالبان

الإيكونوميست: لهذا فشلت تجارب الإسلاميين في الحكم بعد الربيع العربي