فورين أفيرز: هكذا سيكون مستقبل التنظيمات الجهادية بعد انتصار طالبان

الأربعاء 18 أغسطس 2021 07:53 م

يعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وعودة "طالبان" للسلطة انتصارا لـ"القاعدة". ولكن ما مقدار هذا الانتصار؟ هذا السؤال هو لب قرار إدارة "بايدن" بالانسحاب من البلاد حيث دافع عن اختياره رغم الفوضى والرعب الذي اجتاح أفغانستان مع انهيار الحكومة، وقد صرح يوم الإثنين قائلا: "تبقى مصلحتنا الوطنية الحيوية الوحيدة في أفغانستان اليوم كما كانت دائمًا: منع أي هجوم إرهابي على الوطن الأمريكي".

ويركز الجمهوريون في حديثهم لـ"بايدن" على هذه النقطة بالذات. وقد حذر النائب "مايكل ماكول"، وهو جمهوري من تكساس وعضو بارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب من عودة الإرهاب بالقول: "سنعود إلى دولة ما قبل 11 سبتمبر/أيلول - أرض خصبة للإرهاب". وقد حذر رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال "مارك ميلي" من أن "القاعدة والدولة الإسلامية يمكن أن تعيدا بناء شبكاتهما في أفغانستان بسرعة".

إن خطر عودة "القاعدة" أمر حقيقي، لكن عودة أفغانستان إلى دورها قبل 11 سبتمبر/أيلول كملاذ آمن للجهاديين أمر غير مرجح. وبالرغم أن انتصار "طالبان" سيجعل مهمة مكافحة الإرهاب أكثر صعوبة، فإن ضعف "القاعدة" ومصالح "طالبان" الخاصة، والتحسينات التي أعقبت 11 سبتمبر/أيلول في تنسيق الاستخبارات الأمريكية والأمن الداخلي والعمليات العسكرية عن بُعد، كلها تقلل من التهديد.

انتصار آخر

مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وانتصار "طالبان"، حققت الجهادية العالمية انتصارًا دعائيًا مشابهًا لما شهده قبل أكثر من 30 عامًا.

ومن الروايات الأساسية للحركة الجهادية الحديثة أن المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا الاتحاد السوفييتي في أفغانستان لم يكونوا حاسمين فقط في هزيمة موسكو في عام 1989، بل ساهموا أيضًا في انهيار الاتحاد السوفييتي والشيوعية بشكل عام. وقد استمرت هذه الأسطورة بالرغم أن المتطوعين الأجانب لم يكونوا حاسمين من الناحية العسكرية في النضال الشامل ضد السوفييت.

واليوم، ستدّعي "القاعدة" مرة أخرى أن انسحاب الولايات المتحدة كان انتصارًا، بالرغم أن قتال "طالبان" هو الذي طرد الولايات المتحدة وليس معارك القاعدة أو الجهاديين الأجانب الآخرين. لكن هذه المرة، ستكون الحجة أكثر مصداقية، لأن واشنطن نفسها بررت الحرب التي استمرت 20 عامًا على أنها صراع ضد الإرهاب الدولي. وبالتالي فإن هزيمة الولايات المتحدة هي نقطة قوة أخرى تجعل أنصار "القاعدة" يحتفلون.

كما يوفر انهيار الحكومة الأفغانية زخما أكبر لوكلاء "القاعدة" في البلاد. ولا يوجد سبب للاعتقاد أنه مع انتصار "طالبان"، فإنها ستقطع العلاقات مع "القاعدة". فقد استمرت الروابط بين الاثنين لأكثر من 20 عامًا، بالرغم من الضغط والإغراءات الأمريكية.

وتدرك "طالبان" المهارة القتالية وتفاني أعضاء "القاعدة" وتشعر بالالتزام تجاههم مقابل تضحياتهم على مدى السنوات العشرين الماضية. وقد أفاد مسؤولو الأمم المتحدة أن "القاعدة" منسجمة بشكل كبير في حركة "طالبان"، حيث يقوم الطرفان بعمليات وتدريبات مشتركة. كما أن "القاعدة" تزعم أنها لا تزال موالية لقيادة "طالبان".

ومع ذلك، لن يستفيد كل الجهاديين بقدر استفادة "القاعدة". حيث إن تنظيم "الدولة الإسلامية"، خصم "القاعدة"، له وجود نشط في أفغانستان وهو يعارض بشدة كلاً من "القاعدة" و"طالبان"، مدعيا أن الأخيرة تخلت عن الإسلام لصالح القومية الأفغانية.

ومع ذلك، وبعيدًا عن الاختلافات الأيديولوجية، هناك صراع على النفوذ داخل الحركة الجهادية الأوسع. ومن المرجح أن تحاول "طالبان" استمالة قادة تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى جانبها وسحق أولئك الذين يرفضون الانصياع. وسيكون ذلك بمثابة ضربة أخرى لصورة "الدولة الإسلامية"، التي عانت منذ أن خسرت آخر موقع من الخلافة المزعومة في العراق وسوريا في عام 2019.

ومع ذلك، فإن السؤال الأهم في مكافحة الإرهاب ليس ما إذا كانت "طالبان" ستحافظ على علاقاتها مع "القاعدة" والجهاديين الأجانب الآخرين، ولكن ما إذا كانت "طالبان" ستسمح مرة أخرى لـ"القاعدة" باستخدام أفغانستان كقاعدة لـ"هجمات إرهابية دولية".

تمكن "أسامة بن لادن" وزعماء "القاعدة" الآخرون من توجيه أنشطة جماعتهم من أفغانستان في عهد "طالبان"، مع إفلات نسبي من العقاب.

وقبل 11 سبتمبر/أيلول، كان تنظيم "القاعدة" والجهاديون الأجانب الآخرون يديرون عددا كبيرا من معسكرات التدريب في البلاد. وكذلك فعل الجهاديون الطموحون الذين ذهبوا للقتال في صراعات الجزائر وإندونيسيا وليبيا والصومال ودول أخرى. وبالإضافة إلى توفير التدريب، تمكنت "القاعدة" أيضًا من إقامة اتصالات بين كبار أعضاء الجماعات الجهادية المختلفة وتعبئة آلاف المتطوعين الذين تدفقوا إلى أفغانستان.

ووفقًا للمخابرات الأمريكية، فقد مر ما بين 10 آلاف و20 ألف مجند عبر المعسكرات من عام 1996 إلى عام 2001. وبدأ هؤلاء المتطوعون في مشاركة وجهة نظر "القاعدة" العالمية والمعادية لأمريكا وقاموا بتنفيذ العديد من الهجمات.

الوضع ليس آمنا

ستؤدي خسارة أفغانستان بلا شك إلى إعاقة الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب وزيادة خطر استخدام "القاعدة" مرة أخرى للبلاد كنقطة انطلاق لشن هجمات. وبدون وجود قوات واتصالات مع السكان المحليين، سيكون لدى الولايات المتحدة معلومات أقل عن الأنشطة الإرهابية. فلم تعد القوات الأمريكية والأفغانية على الأرض لمنع "القاعدة" من إنشاء معسكرات تدريب أو مقار.

وبالرغم من هذه الصعوبات، إلا أنه من غير المحتمل وجود ملاذ آمن واسع يمكن مقارنته بفترة ما قبل 11 سبتمبر/أيلول. إن دوافع "طالبان" لدعم "الإرهاب الدولي" ضد الغرب منخفضة، بغض النظر عن الروابط التي قد تربط قادة الجماعة بـ"القاعدة".

لم يتم التشاور مع "طالبان" بشأن أحداث 11 سبتمبر/أيلول، ولم يؤيدوا الهجمات الإرهابية السابقة التي نفذتها "القاعدة"، مثل تفجير السفارات عام 1998 في شرق إفريقيا. كما دفعت حركة طالبان ثمناً باهظاً لأحداث 11 سبتمبر/أيلول، حيث خسرت السلطة لمدة 20 عامًا ورأت الكثير من قياداتها يموتون في القتال مع الولايات المتحدة.

ولدى باكستان، راعية "طالبان"، سبب أيضًا لمعارضة هجمات "القاعدة" ضد الغرب. وقد جادل "بروس ريدل"، وهو ضابط مخابرات أمريكي كبير سابق، بأن هجوم "طالبان" الأخير اعتمد على الدعم الباكستاني، وأن "طالبان" تستخدم باكستان منذ فترة طويلة كملاذ آمن في معركتها ضد الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية.

وبالنظر إلى انتصار حليف "باكستان"، ليس لدى الدولة الآن سبب وجيه للمخاطرة بعودة القوات الأمريكية - وهو أمر يمكن أن يحدث في أعقاب أي هجوم كبير لـ"القاعدة" ضد الغرب. ومثل هذا العنف لا يخدم أيا من الأهداف الاستراتيجية لباكستان.

ومع ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة الاعتماد على باكستان كشريك في مكافحة الإرهاب في أفغانستان. ربما لا تزال باكستان تفضل استخدام الجهاديين الأجانب لشن هجمات في الهند وكشمير، كما فعلت في الماضي. لذلك قد ترغب باكستان في توفير "طالبان" ملاذا للمقاتلين الأجانب من أجل التدريب وتحسين مهاراتهم على أمل أن تتمكن باكستان من توجيه الحريق نحو نيودلهي.

لذلك فإن الضغط على باكستان سيكون حيوياً. وللأسف، فشلت جهود الولايات المتحدة في الضغط على إسلام أباد لكبح جماح "طالبان" على مدى العقود الماضية.

وقد تحقق الولايات المتحدة المزيد من النجاح الآن لأنها لم تعد تعتمد على حسن نية باكستان لدعم العمليات في أفغانستان. لكن يتعين على صانعي السياسة خفض توقعاتهم خاصة أن إدارة "بايدن" تجنبت رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" بدلاً من مغازلته كحليف.

ويجب أن تركز واشنطن على أن إسلام أباد ستدفع الثمن أيضًا إذا دعم حلفاؤها في طالبان "الإرهاب الدولي".

وبالرغم أن مساعدة باكستان قد تكون محدودة في أحسن الأحوال، إلا أن "القاعدة" نفسها قد تغيرت بطرق تجعلها أقل قدرة على الاستفادة من أفغانستان. لقد فقدت الجماعة العديد من القادة والكثير من تمويلها وتعرضت لضرر كبير منذ 11 سبتمبر/أيلول.

في الواقع، قد يكون خليفة "بن لادن"، "أيمن الظواهري"، قد مات. وفي محاولة للتأقلم مع تراجعها، ركزت "القاعدة" على الصراعات داخل العالم الإسلامي من خلال العمل مع المنتسبين المحليين الذين يتبنون أجزاء من أجندتها، ولكن في الواقع، غالباً ما يركز هؤلاء على مخاوفهم المحدودة. لقد تم إنفاق الكثير من طاقة قادة "القاعدة" في محاولة للسيطرة والتأثير على هذه الجماعات التابعة.

وتشكل هذه الجماعات في الأساس تهديدًا لبلدانها ومناطقها، بالرغم أن بعضها، ولا سيما الفرع اليمني للقاعدة، قد حاول أو نفذ هجمات ضد الغرب. وقد كان أحدث هجوم جهادي على الولايات المتحدة هو إطلاق النار عام 2019 على 3 بحارة في قاعدة بحرية في بينساكولا بولاية فلوريدا على يد متدرب سعودي متأثر بفرع القاعدة في اليمن.

علاوة على ذلك، كانت وكالات الاستخبارات الأمريكية تستعد لانسحاب عسكري من خلال ضمان احتفاظها ببعض القدرة على تعطيل المتدربين المحتملين لدى "القاعدة"، وتحديد المؤامرات المحتملة ضد الغرب، واستهداف الإرهابيين.

وقد استكشف الجيش الأمريكي طرقًا لاستخدام القوة الجوية من قواعد خارج أفغانستان لضرب معسكرات "القاعدة" أو العمل في البلاد إذا لزم الأمر. وبعد أن أصبحت "طالبان" في السلطة، فإن مثل هذه الجهود مطلوبة أكثر من أي وقت مضى حيث تنفذ الولايات المتحدة بالفعل عمليات بعيدة المدى في الصومال واليمن ودول أخرى بها جماعات جهادية نشطة. إن تنفيذ مثل هذه الضربات في أفغانستان سيجعل من الصعب على "القاعدة" والجماعات الأخرى إدارة معسكرات تدريب واسعة النطاق، كما فعلوا قبل 11 سبتمبر/أيلول.

أخيرًا، يمكن القول أن الأمن الداخلي للولايات المتحدة تحسن بشكل كبير منذ 11 سبتمبر/أيلول، وهناك جهد استخباراتي عالمي يستهدف تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" والحركات الجهادية الأخرى. وسيجد المجندون المحتملون صعوبة أكبر في الوصول إلى أفغانستان. وإذا نجحوا في ذلك، فإنهم سيخاطرون بالاعتقال عند عودتهم.

الوضع على المدى القصير

على المدى القصير، تحتاج "طالبان" إلى تعزيز سلطتها في جميع أنحاء أفغانستان، التي تعيش معظمها في حالة من الفوضى، وسوف يستغرق الأمر وقتًا حتى تتمكن "القاعدة" من إعادة تشكيل نفسها بالكامل.

ويجب على الولايات المتحدة التركيز على الأزمة الإنسانية التي تتكشف في البلاد، وعلى وجه الخصوص، مساعدة عشرات الآلاف من الأفغان الذين خاطروا بحياتهم للعمل مع الجيش الأمريكي.

ومع ذلك، لا ينبغي لهذه الضرورة قصيرة المدى أن تعمي واشنطن عن الحاجة إلى امتلاك قدرة قوية لمكافحة الإرهاب ومواصلة الضغط على الحكومات الإقليمية لمنع أفغانستان من أن تصبح مرة أخرى مركزًا للحركة الجهادية العالمية.

ولا يعد مثل هذا النهج انتصارًا كبيرًا على الإرهاب وفق ما كان يأمل الأمريكيون في تحقيقه بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لكنها استراتيجية مستدامة يمكن إدارتها.

المصدر | دانيال بيمان/ فورين أفيرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

طالبان العلاقات الباكستانية مع طالبان القاعدة أيمن الظواهري تنظيم الدولة الإسلامية باكستان

مرحلة حساسة.. ماذا بعد سيطرة طالبان على أفغانستان؟

علماء المسلمين: طالبان لديها أخطاء لكن يبدو أنها تغيرت وأصبحت أكثر مرونة

خليل العناني: هل يتخلى شباب الإسلاميين عن صناديق الاقتراع لصالح العنف؟