تغييرات جذرية.. هل يتحول الأردن إلى ملكية دستورية؟

الأحد 5 سبتمبر 2021 12:37 ص

في يونيو/حزيران الماضي، شكّل العاهل الأردني الملك "عبدالله الثاني" لجنة من 92 عضوا برئاسة رئيس الوزراء السابق "سمير الرفاعي" وكلفها بوضع خطة لتحديث نظام الانتخابات في الأردن وقوانين الأحزاب السياسية.

ومن المقرر أن تقدم اللجنة قوانينها المقترحة إلى الملك بحلول نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وبعد ذلك ستناقشها الحكومة وتمررها ثم تطرحها للتصويت في البرلمان. وفي حين لم يقدم الملك أي توصيات محددة، يمكن للجنة أن تبدأ خطة طموحة لمدة 10 أعوام ربما تؤدي إلى ملكية دستورية، بعد ما يزيد قليلا عن عقدين من وصول الملك إلى السلطة.

ويبدو أن الملك، الذي يعد أطول زعيم عربي حالي في الحكم، قد تعلم أن المطلوب لإجراء التغيير هو أكثر من مجرد مرسوم من القصر أو توجيه مكتوب بشكل جيد. وفي الواقع، نشر الملك 7 ورقات للنقاش مرت دون أن يلاحظها أحد إلى حد كبير. وما هو مطلوب هو آلية يمكن أن تقنع الرأي العام.

وقد يرى الكثيرون هذا الجهد الأخير للملك "عبدالله" على أنه ضمن إجراءات الإصلاح المزيف والتعتيم على القضايا الرئيسية دون أي نية لإجراء تغيير سياسي ذي مغزى في المملكة. لكن هناك حقيقتان على الأقل تتعارضان مع مثل هذا التفكير. أولا، يشير حجم وتشكيل اللجنة إلى جدية الجهد المبذول. وتمثل الهيئة حقا الفسيفساء السياسية والدينية والعرقية والأيديولوجية للمملكة الأردنية.

ثانيا، لم تتدخل الحكومة ولا القصر ولا الأجهزة الأمنية في عمل اللجنة حتى الآن ولم تحاول التأثير على نتائج مداولاتها. وتضم اللجنة إسلاميين ويساريين وقوميين عرب ومحافظين وليبراليين وديمقراطيين حقيقيين وزعماء قبائل. ولدى العديد من الأعضاء ملفات أمنية قديمة وقد قاموا بزيارات كثيرة إلى مقرات جهاز المخابرات الأردني القوي.

لكن يبقى المتشككون في هذه الخطوات كثيرون، ولهم أسباب وأدلة وجيهة. فقد فشلت جهود الإصلاح السابقة في إحداث تغيير حقيقي.

ويقول المدافعون عن الملك إنه كان إصلاحيا دائما لكن خصومه أعاقوا العملية وأخرجوها عن مسارها. وهذه المرة، يبدو أن هناك جهدا أكثر جدية من أعلى الهرم ويبدو أن العملية تتحرك في اتجاه إيجابي.

ووفقا لأعضاء اللجنة الملكية، كانت المناقشات جادة وحقيقية وسعت إلى إيجاد أرضية مشتركة. وربما كان وجود "الرفاعي" ودوره، وهو صديق الملك المقرب، قد زود أعضاء الهيئة بالثقة بأن العاهل الأردني لديه رغبة حقيقية في الإصلاح.

لماذا الآن؟

ويجادل البعض بأن قضية "الفتنة" في أبريل/نيسان 2021، والشعبية المفاجئة التي اكتسبها ولي العهد السابق الأمير "حمزة" بين مجموعة واسعة من الأردنيين، هي دافع رئيسي للتغيير في هذا الوقت. لكن إذا كان الملك "عبدالله" يعتزم تسليم العصا إلى ابنه "حسين"، فعليه أن يعد الأسس اللازمة للخلافة.

ويجب وضع آلية جادة وشفافة لتقاسم السلطة ليتمكن ولي العهد الشاب من الحكم بالصفة التي يختارها الشعب في النهاية. ولكن لكي يحدث هذا، يجب أن تكون هناك قوانين تدعم عملية التطور السياسي في البلاد، وعلى وجه التحديد قانون يحكم الانتخابات الحرة وآخر ينظم الأحزاب السياسية.

وتسمح العملية التي وضعتها الهيئة الجديدة بالتوصل إلى اتفاق على نص القانونين الأساسيين للانتخابات والأحزاب، ومن ثم الحصول على مباركة الملك وموافقة الحكومة الحالية برئاسة صديقه المقرب "بشر الخصاونة". وبعد ذلك، موافقة البرلمان. بمعنى آخر، قد يوافق البرلمانيون الحاليون قريبا على إلغاء الصيغة التي سمحت لهم بالفوز بمقاعدهم.

وفي أكثر من مناسبة، أكد الملك على أنه بالنسبة للقرارات الكبرى يجب أن يأتي التغيير من أسفل إلى أعلى. وفي الواقع، أتاحت النسخة الأردنية من الربيع العربي في عام 2011 فرصة للتغيير. ورحب الملك بالاحتجاجات السلمية، حتى أنه تم تصوير الشرطة الأردنية وهي توزع زجاجات المياه على المتظاهرين. وتم إجراء إصلاحات دستورية، رغم أنها كانت محدودة نسبيا، وشملت تشكيل محكمة دستورية، وإن كانت مقيدة بمن يمكنه الطعن أمامها (الحكومة أو البرلمان أو المحاكم) مع لجنة انتخابات مستقلة.

لكن المكاسب الصغيرة للربيع العربي سرعان ما تبخرت مع تنامي قوة جهاز المخابرات، ويرجع ذلك جزئيا إلى التهديد الداخلي والخارجي الذي مثّله تنظيم "الدولة الإسلامية". 

التغييرات المقترحة

ولم يفعل القانون الحالي الذي ينظم الأحزاب السياسية سوى القليل لتشجيع الأحزاب التي من المفترض أن تتنافس على المقاعد البرلمانية وفرصة الحكم. وهناك 49 حزبا مسجلا حاليا في الأردن، لكن جبهة العمل الإسلامي، التابعة لجماعة "الإخوان المسلمون"، هي الوحيدة التي نجحت في إحداث تأثير في المشهد السياسي.

ولا يُسمح للأحزاب السياسية بالعمل في حرم الكليات والجامعات، وغالبا ما تضايق أجهزة الأمن أعضاء الأحزاب والقريبين منهم. وبدون أحزاب وطنية، أنتج القانون الانتخابي نوابا سعى معظمهم إلى البرلمان حتى يتمكنوا من تحسين مواقعهم وتقديم امتيازات لعائلاتهم وأصحابهم المقربين.

وكانت بداية لجنة التحديث السياسي سيئة عندما أُجبر اثنان من أعضائها على الاستقالة وقبل رئيس اللجنة "الرفاعي" استقالاتهما. وبدأ الأمر باتهام العضو "عريب الرنتاوي" بعدم الولاء للجيش الأردني. و"الرنتاوي" هو أردني من أصل فلسطيني، له عمود يومي يقارن فيه آلية اتخاذ القرار لدى الراحل "ياسر عرفات" بآلية الرئيس الفلسطيني الحالي "محمود عباس". ومن الأمثلة على ذلك معركة الكرامة عام 1968 عندما تم صد الجيش الإسرائيلي أثناء محاولة دخول بلدة الكرامة بالضفة الشرقية.

وانتقد الموالون للجيش الأردني "الرنتاوي" لعدم ذكر دور الجيش الأردني في تلك المعركة. وبالرغم من التفسير المطول لـ "الرنتاوي" وثنائه على الجيش الأردني، استمر الهجوم عليه على مواقع التواصل الاجتماعي واضطر في النهاية إلى الاستقالة.

وعلقت عضوة أخرى وهي "وفاء أبو خضرة" عبر حسابها على "فيسبوك" علي ما اعتبرته "وحشية الذبح والتضحية بالأغنام" خلال عيد الأضحى. وبعد سيل الانتقادات الذي واجهته، اضطرت أيضا إلى الاستقالة. كما بدأ معارضو اللجنة الملكية في التنقيب عن مواقف أعضاء آخرين لتشويه سمعتهم. وأخيرا، تدخل رئيس اللجنة ورئيس الوزراء علنا، بل ووفروا حراسا شخصيين سريين لبعض الأعضاء المستهدفين. وسمحوا بمواصلة المداولات.

وقد يجادل البعض بأن الهجمات على اللجنة الملكية ربما تكون أفضل دليل على أن اللجنة لديها حرية التصرف وأنهم كانوا يقومون بتغييرات رائدة. ونقلت وسائل الإعلام المحلية المستقلة بل ونشرت مسودات كاملة من مداولات اللجنة. وتحدث العديد من أعضاء اللجنة إلى الصحافة المحلية حول الاتجاه الذي كانوا يسلكونه في مناقشاتهم.

وتقرر إقامة ملكية دستورية في غضون عقد من الزمن، وفي هذا الإطار سيشكل أعضاء البرلمان المنتخبون الحكومة. هذا بالمقارنة مع النظام الحالي الذي يتمتع فيه الملك بالسلطة الدستورية لتعيين وإقالة الحكومة. وصادقت اللجنة الفرعية للانتخابات على بنود في نص قانون الانتخاب، مثل زيادة التمثيل الحزبي تدريجيا في البرلمان، وتشكيل القوائم، وتخفيض سن الترشح إلى 25 بدلا من 35، وجعل العتبة الانتخابية 3%، ومواجهة الأموال السوداء التي تفسد الانتخابات، واستمرار الكوتا الخاصة بالنساء والأقليات.

كما جعلت اللجنة من غير القانوني لأي شخص أن يعيق عمل الأحزاب في الجامعات، ورفعت الحد الأدنى لعدد الأعضاء المسجلين إلى 1000 من أجل الحصول على ترخيص، من بينهم 20% نساء و20% شباب.

كما حولت عملية تسجيل الأحزاب إلى الهيئة المستقلة للانتخابات بدلا من وزارة الداخلية ووزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، وجرمت قيام أي حزب بإبداء دعمه لإرهابي أو حزب أو حركة تكفيرية تتبنى التطرف في آرائها السياسية والاجتماعية.

أسئلة التمثيل

ويبدو أن أحد أسباب التغييرات هو أكبر حجر عثرة في جهود الإصلاح، وهو المعادلة الديموجرافية. ويعتبر النظام الحالي لتوزيع المقاعد البرلمانية في صالح المناطق الريفية والقبلية بشكل كبير. وفي حين أن الأعداد الأكبر بكثير من السكان في المدن الرئيسية هم من الأردنيين من أصل فلسطيني فقد حصلوا على مقاعد أقل مقارنة بحجمهم.

على سبيل المثال، نسبة الناخبين إلى عدد المقاعد في المدن الكبيرة مثل عمّان والزرقاء أعلى بعدة مرات من تلك الخاصة بالتجمعات البدوية ومدينة الطفيلة الجنوبية.

وأكد "عامر بني عامر"، مدير مركز الحياة الذي يرصد توزيع المقاعد منذ أعوام، أن بعض التغييرات المتعلقة بهذه القضية ستحدث، قائلا: "بينما لم نتمكن من إجراء تغييرات كبيرة في هذا المجال، تغلبنا على عدد المشاكل التي كان يحدث فيها التلاعب الواضح". وقال "عامر"، مقرر اللجنة الفرعية لقانون الانتخابات، إنه تم إصلاح الخلل في بعض المناطق من خلال الجمع بين الأقضية مثل الزرقاء وعمّان دون فقدان التمثيل.

ولن تعالج هذه التغييرات بشكل كامل التوزيع المنحاز للمقاعد على مدى عقود. ومع ذلك، فمع زيادة الأصوات يمكن معالجة هذا التحيز الداخلي تدريجيا.

الطريق إلى الأمام

عندما بدأت العملية الحالية، كان لدى قلة من الناس الثقة في أنها ستحفز أي تغييرات؛ حيث شعروا أنه في النهاية ستفشل مخرجات هذه اللجنة في توفير الأمل في أن الأردن قد يسير في الاتجاه الصحيح.

ولا شك أن هذه الجهود ستواجه عقبات على طول الطريق. وفي الشرق الأوسط غير المستقر، لا يمكن لأحد أن يتوقع ما إذا كانت دولة صغيرة ذات موارد محدودة يمكن أن تحقق قفزة حقيقية نحو ديمقراطية دستورية.

لكن حقيقة أن اللجنة الملكية أعطت هذه العملية 10 أعوام وقدمت خارطة طريق مفصلة للوصول إلى هذا الهدف، تظهر أن هذا ليس مجرد تفكير بالتمني ولكنه ينطوي على جدية استراتيجية جديدة.

فهل تنجح هذه العملية وتحول المملكة الأردنية الهاشمية إلى ملكية دستورية مثل المملكة المتحدة أو السويد؟ 

المصدر | داوود كتاب - المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اللجنة الملكية برلمان الأردن ملكية دستورية ديمقراطية الأردن

وزير أردني: التعديلات الدستورية المقترحة تتضمن تشكيل مجلس للأمن الوطني