ما الذي يجعل يد إيران مغلولة أمام التهديدات التي تمثلها طالبان؟

الاثنين 6 سبتمبر 2021 02:49 ص

ستؤدي سيطرة حكومة "طالبان" على كابل إلى تداعيات مهمة على جميع جيران أفغانستان بطريقة أو بأخرى، لكن طهران هي من يمكن أن تتأثر سلبيًا بشكل خاص.

تتشارك إيران مع أفغانستان فيما يقرب من ألف كيلومتر، وهي تستضيف بالفعل ما بين 2.5 و 4 ملايين مواطن أفغاني، وستجد صعوبة في التعامل مع زيادة تقدر بالعشرات، أو حتى مئات الآلاف من الأفغان الذين يرغبون في الفرار من وطنهم.

تاريخ قديم من الخلاف

وباعتبارها دولة ذات أغلبية شيعية وناطقة بالفارسية، فإن بشتون "طالبان" يكنون لإيران كراهية شديدة، بالنظر إلى اعتناق "طالبان" لأيديولوجية سنية متطرفة.

كما تعتنق بعض الأقلية السنية الإيرانية أيديولوجية "طالبان"، خاصة في محافظة سيستان وبلوشيستان الفقيرة والمضطربة غالبا.

لدى إيران أيضا تاريخ من الصراع مع "طالبان"، وفي التسعينيات، كانت مؤيدة رئيسية للتحالف الشمالي المناهض لـ"طالبان"، وفي عام 1998، كادت إيران تحارب "طالبان" بعد أن قتلت الحركة دبلوماسييها في مزار شريف.

صدم نصر "طالبان" السريع مؤخرًا إيران، على الرغم من أن الوضع الحالي يختلف إلى حد ما عن التسعينيات، حيث أقامت إيران اتصالات مع "طالبان" منذ فترة واستضافت ممثليها في طهران.

ردود فعل إيرانية متباينة

تباينت ردود الفعل في إيران على نصر "طالبان"، فيما اعتمد غالبًا على الميول السياسية، فبفضل مناهضة "طالبان" للولايات المتحدة، اعتبر المتشددون الإيرانيين فوز "طالبان" كهزيمة أمريكية وبالتالي شيئًا جيدًا لإيران.

وأشاد رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، الأدميرال "علي شامخاني"، بسيطرة "طالبان" والرحيل الأمريكي من أفغانستان، باعتباره انتصارا للقوات المناهضة للإمبريالية.

كما دعا "علي أكبر ولايتي"، وهو وزير خارجية سابق ومستشار للمرشد الأعلى، أفغانستان الجديدة بأنها جزء من "محور المقاومة"، الذي يشمل سوريا و"حزب الله" وبعض الحركات الفلسطينية.

ويدعي المحافظون الإيرانيون أيضا أن "طالبان" قد تغيرت ولم تعد لديها مشاعر مناهضة للشيعة وإيران، ومع ذلك، فإن عددًا أكبر من رجال الدين الإيرانيين والسياسيين والمثقفين المعتدلين يختلفون مع ذلك، مصرّين على أن المتشددين تُعميهم الأمنيات ومناهضة الولايات المتحدة.

يرى المتشككون أن "طالبان" لم تتغير، وأن بياناتهم التصالحية فيما يتعلق بالأقليات العرقية والدينية الأخرى في أفغانستان وجيران أفغانستان هي حيلة تكتيكية، وأنه بعد تعزيز السلطة، ستعود "طالبان" إلى سلوكها السابق وستنسى وعودها.

وفي مقال مؤخرا، انتقد "مسيح مهاجري"، رئيس تحرير صحيفة "الجمهورية الإسلامية"، ما دعاه ببساطة تفكير هؤلاء، بمن فيهم شبكة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الرسمية، التي تصور أن "طالبان" قد تم إصلاحها.

وبخلاف المتشددين الإيرانيين الذين ينظرون إلى جميع التطورات الإقليمية من خلال عدسة معادية للولايات المتحدة، فإن معظم الإيرانيين قلقون بشدة بشأن ما يمكن أن تعنيه حكومة "طالبان" للأمن الداخلي الإيراني والمصالح الاقتصادية والموقف الإقليمي.

مخاطر أمنية واقتصادية لإيران

هناك تهديد أمني كبير لإيران يتمثل في التدفق المحتمل لمزيد من اللاجئين الأفغان.

وبسبب العقوبات الأمريكية، لا يمكن لإيران أن تأمل في مساعدات كبيرة للتعامل مع طوفان جديد من اللاجئين الذين من شأنهم بالتأكيد أن يفاقموا المشاكل الاجتماعية الحالية لإيران.

وفي الوقت نفسه، إذا رفضت إيران قبول المزيد من اللاجئين الأفغان، فإنها ستخاطر بإثارة غضب الموجودين منهم في إيران، حيث كانت هناك بالفعل احتجاجات مناهضة لـ"طالبان" في إيران من اللاجئين الأفغان.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن لدى "طالبان" بعض المتعاطفين في محافظة سيستان وبلوشيستان الإيرانية، التي لديها مجتمع سني كبير، وبعضهم يعتنقون أيديولوجية مناهضة للشيعة مستلهمة من السلفية الوهابية السعودية مثل تلك التي انبثقت منها "طالبان" نفسها، وقد دعم الحركة "مولاي عبدالحميد"، إمام المسجد السني في عاصمة زاهدان، وكان مبتهجا بانتصارها.

كما يمكن لحكومة "طالبان" استغلال متعاطفيها للضغط على إيران، ويمكن أن تحيي المتمردين السنة المتطرفين في بلوشستان، الذين قصفوا في التسعينيات و الألفينات المساجد، وهاجموا المواقع والأفراد العسكريين، ودعوا للانفصال.

وقد ساعدتهم السعودية وإسرائيل وباكستان، كما لم تتعاون إسلام أباد غالبًا  مع حراس الحدود الإيرانيين لاحتواء عملياتهم ورفضت إعادة الأعضاء الذين فروا إلى باكستان.

ومع تولي "طالبان" للسلطة، يمكن أن تصبح إيران أيضا عرضة للهجمات من قبل الجماعات المتطرفة الأخرى، مثل "تنظيم الدولة - ولاية خراسان"، التي سميت باسم محافظة في شرق إيران، بالإضافة إلى هجمات محتملة من تنظيم "القاعدة".

ويحتمل أن تكون حكومة "طالبان" أقل تنازلًا من الحكومة السابقة فيما يتعلق بمنح إيران حصة من مياه هلمند، مما سيضيق على طهران أكثر، وحتى الرئيس السابق "أشرف غني"، اشترط ضمان حصة إيران بتسليمها للنفط.

كما يمكن أن يهدد هذا أيضا بتحديد آمال إيران في تحويل ميناء تشابهار في خليج عُمان إلى محور للترانزيت، إن لم يقضِ عليها تمامًا.

فلطالما كانت باكستان غير مرتاحة لخطط إيران بشأن تشابهار بسبب المصلحة الكبيرة فيه لعدوتها الإقليمية الهند، وبسبب موقف الميناء المحتمل كمنافس رئيسي لميناء جوادار الباكستاني.

ويمكن أن تضغط إسلام أباد على الحكومة الجديدة في كابل للتراجع عن سياسة الرئيس "غني"، التي فضلت تشابهار كطريقة لتجاوز باكستان، واستخدام جوادار بدلا من ذلك.

ويمكن أن تفقد إيران أيضا جزءا من تجارة الصادرات المربحة مع أفغانستان إلى دول أخرى، بما في ذلك تركيا، ودول الخليج العربي المصدرة للنفط.

إضعاف الموقف الإقليمي

ستقوض حكومة "طالبان" أيضا موقف إيران الإقليمي، لأن جميع المنافسين السنة لطهران، بما في ذلك السعودية وتركيا، لديهم علاقات أفضل مع "طالبان" من طهران.

وقد دعت "طالبان" الأتراك بأنهم "أحد الشعوب الشقيقة" فيما أشارت إلى إيران باعتبارها مجرد جار، وإذا اقتضت الظروف، فإن منافسي طهران يمكنهم استخدام "طالبان" للضغط على إيران كما فعلت السعودية من قبل.

خيارات طهران محدودة

على عكس التسعينيات، فإن خيارات إيران اليوم في التعامل مع أفغانستان بقيادة "طالبان" محدودة، فقد مثل التحالف الشمالي آنذاك تحديا كبيرا لهيمنة "طالبان" وتمتع أيضا بدعم روسيا والهند، ولم تكن إيران لوحدها في مواجهة "طالبان"، أما اليوم، فلا يوجد تحالف قوي لمكافحة "طالبان".

وترغب القوى الكبرى، بما في ذلك روسيا والصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في إشراك "طالبان" لتحقيق الاستقرار في أفغانستان.

كما يأملون أيضا في تعديل سلوك "طالبان" وحماية مصالحهم من خلال الحوار، وتود إيران حكومة مستقرة أيضا، شريطة أن تتبنى "طالبان" موقفا وديا تجاه إيران، ولكن هذا غير مرجح.

وإذا حاولت إيران دعم أي مجموعة معادية لـ"طالبان"، فلن تحصل على مساعدة من دول أخرى كما فعلت في التسعينيات، بل إن الأكثر ترجيحًا، أن تتهم الدول الإقليمية والأطراف الدولية إيران بزعزعة استقرار أفغانستان.

وفوق ذلك، إذا تدخلت إيران بشكل مباشر في الشؤون الأفغانية الداخلية، فيمكن لـ"طالبان" استخدام المتعاطفين معها في الداخل الإيراني لتسبب مشاكل لطهران.

وعلى عكس بعض الدول العربية وتركيا، تفتقر إيران إلى الأدوات الاقتصادية والموارد المالية لضبط مواقف "طالبان" تجاهها، وميزتها الوحيدة أنها طريق مناسب للتجارة ومصدر قيم للطاقة.

لكن الدول الأخرى مثل باكستان والسعودية وقطر، يمكن أن تحل محل إيران في كل من المجالين، وبسبب الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها إيران، فإنها تحتاج أيضا إلى تجارتها مع أفغانستان وبالتالي لا يمكنها استغلال مزاياها بالكامل.

وباختصار، فإن الخيار الوحيد الإيراني هو استرضاء حكومة "طالبان"، والوعظ بفضائل الوئام الديني والعرقي، واستخدام أفضلياتها المحدودة لإقناع "طالبان" بأن من مصلحتها أن تتخذ علاقة غير معادية مع طهران.

المصدر | ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران طالبان العلاقات الإيرانية الأفغانية كابل

أفغانستان.. هكذا تعتمد إيران وحلفاؤها على صفقات سليماني مع طالبان

يرأسه شقيق خامنئي.. تيار إصلاحي يطالب إيران بعدم الاعتراف بحكومة طالبان

وول ستريت جورنال: طالبان تهجر الشيعة وتستولي على منازلهم وممتلكاتهم

أسرار التقارب بين طالبان وإيران رغم العداء الأيديولوجي