أفغانستان.. هكذا تعتمد إيران وحلفاؤها على صفقات سليماني مع طالبان

السبت 21 أغسطس 2021 09:19 م

جاءت الردود على سيطرة طالبان على أفغانستان سريعة حيث أصدرت المليشيات العراقية المدعومة من إيران بيانات تهديدية، ملمحة إلى استعدادها في أي لحظة للسفر إلى أفغانستان لحماية الشيعة الأفغان.

ولكن بعد يومين، بدأت هذه المليشيات في التراجع، وانخفضت حدة التوتر بشكل كبير.

وقال قادة وسياسيون ورجال دين عراقيون إن إيران أعطت المليشيات والفصائل السياسية المتحالفة معها تعليمات صارمة مفادها أنه يجب ألا يكون لها أي دور على الإطلاق في أفغانستان، ويجب ألا تتدخل بأي شكل من الأشكال تحت أي ذريعة.

وفي المرة الأخيرة التي سيطرت فيها "طالبان" على "كابل"، قبل 11 سبتمبر/أيلول والغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، كانت الحركة عدوا شرسا لإيران.

لكن الأمور تغيرت في الأعوام الأخيرة، وليس لدى طهران الآن أي نية لتقويض الاتفاقات التي تم الحصول عليها بشق الأنفس مع طالبان، خاصة بعد سيطرة الحركة السنية بشكل شبه كامل على أفغانستان واستعدادها لاستعادة العلاقات مع دول المنطقة.

وبالرغم أن نوايا طالبان الحقيقية تجاه الشيعة في أفغانستان لم تتضح بعد، فإن إيران أرسلت رسالة لحلفائها مفادها أن الاضطهاد الذي تعرض له الشيعة هناك لن يتكرر، على الأقل في الوقت الحالي.

وبعد مقابلات مع مصادر من بغداد إلى كابل، يكشف موقع "ميدل إيست آي" التالي:

- لدى إيران تأكيدات من طالبان بأنه سيتم حماية الأقلية الشيعية.

- أبرم "قاسم سليماني" شخصيا اتفاقات مع طالبان عام 2015.

- شملت تلك الاتفاقات تمويل وتدريب عناصر طالبان من قبل الحرس الثوري.

- وعدت طهران بمنع عودة لواء فاطميون الأفغاني إلى أفغانستان.

وتمتد علاقة إيران مع طالبان إلى عقود إلى الوراء، وتتأرجح بين الأعمال العدائية والتحالف. وبالرغم من ظهور حركة طالبان فقط عام 1994، إلا أن أسلافها كانت لهم روابط دائمة مع إيران.

وخلال الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، دعم الإيرانيون حركة المقاومة الإسلامية، وأرسلوا لاحقا ضباط الحرس الثوري عبر الحدود لتدريب وإرشاد المجاهدين الأفغان، الذين انضم بعضهم لاحقا إلى طالبان.

وكان "سليماني"، الذي اغتالته الولايات المتحدة العام الماضي، من بين هؤلاء الضباط الذين أرسلتهم طهران حتى نهاية التسعينات.

وفي عام 1998، انهارت العلاقة بين إيران وطالبان تماما، بعد اتهام الجماعة بقتل 10 دبلوماسيين إيرانيين وصحفيا إيرانيا في أفغانستان.

وأدى قمع طالبان العنيف للأقلية الشيعية في أفغانستان، التي تشكل اليوم نحو 20% من السكان، إلى تدهور العلاقات بشكل أكبر.

ولكن في عام 2015، مع ظهور فرع تنظيم "الدولة الإسلامية" في أفغانستان، زار وفد من قادة طالبان طهران لمناقشة فتح مكتب سياسي هناك وطي صفحة الماضي.

وفي ذلك العام، زار "سليماني" أفغانستان أيضا، وأبرم عدة اتفاقيات مع قادة طالبان، وفقا لقادة المليشيات العراقية المدعومة من إيران والذين كانوا مقربين من الجنرال.

وتضمنت الاتفاقيات العديد من البنود. وكان أبرزها منع إنشاء قواعد عسكرية أمريكية بالقرب من الحدود الإيرانية، ووقف تهريب المخدرات إلى منطقة الخليج عبر إيران، وزيادة الهجمات التي تستهدف القوات الأمريكية في أفغانستان، ووقف الهجمات ضد الأفغان الشيعة تماما.

في المقابل، وعدت إيران بتقديم دعم مالي وتقني غير محدود لطالبان. وأرسلت ضباط الحرس الثوري لتدريب مقاتلي طالبان وتقديم المشورة لهم، وسمحت لهم بإقامة معسكرات وملاذات آمنة لقادة الجماعة داخل الحدود الإيرانية.

كما وعدت طهران أيضا بضمان عدم عودة "لواء فاطميون" (أعتى الميليشيات الشيعية الأفغانية المدعومة من إيران) إلى أفغانستان من سوريا، وفقا لما قاله القادة لموقع "ميدل إيست آي".

وقال قائد بارز في فصيل مسلح كان مقربا جدا من "سليماني": "منذ ذلك الحين، لم تستهدف طالبان الشيعة هناك، وكان تنظيم "الدولة الإسلامية" هو من نفذ جميع الهجمات ضدهم".

وتزعم وسائل الإعلام الإيرانية والأشخاص المقربون من إيران الذين تحدث إليهم "ميدل إيست آي" أن "غالبية طالبان ليسوا من المتشددين بل هم في الحقيقة صوفيون" في حين رأوا أن "التنظيمات المتطرفة تنحصر في الدولة الإسلامية والقاعدة فقط". 

وتابع: "غالبية طالبان من الصوفيين، وليس لديهم مشكلة أيديولوجية مع الشيعة، وهم من عقدوا الاتفاقات مع سليماني".

وأضاف: "المشكلة مع السلفيين في حركة طالبان، الذين تعاطفوا مع القاعدة والدولة الإسلامية، وهم مسؤولون عن معظم الهجمات ضد الشيعة على مدى الأعوام الماضية".

الشيعة الآن بأمان

ومع سيطرة طالبان، برزت مخاوف واسعة من أن حقوق الإنسان في البلاد سوف تنهار، وأن النساء والصحفيين والأقليات العرقية والدينية وأي شخص عمل مع الغرب سيكون في خطر.

ويمثل "الهزارة" (العمود الفقري للأقلية الشيعية) ثالث أكبر مجموعة عرقية في أفغانستان، ويتركزون في المناطق الجبلية وسط أفغانستان خاصة في مقاطعات هرات وكابل وباميان وهلمند وغزني ومزار شريف.

ولطالما قمعت طالبان الشيعة وقتلت الآلاف منهم على مدى العقود الماضية. وأثار سيطرة الجماعة على السلطة حالة من الذعر في الأوساط السياسية والدينية الشيعية في النجف وبغداد الأسبوع الماضي.

واستغلت المليشيات المدعومة من إيران، والتي تشعر بالتهميش بشكل متزايد منذ أن بدأت الولايات المتحدة التفاوض مع طهران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، الفرصة لوضع نفسها في الأحداث العالمية، وتعهدت بحماية الشيعة.

لكن لاحقا ركزت برامجهم الإعلامية على فكرة أن طالبان تغيرت واعتدلت ولن تستهدف الشيعة كما فعلت في الماضي. وبدلا من ذلك، تركز الحملة الإعلامية على أن سيطرة طالبان على أفغانستان هزيمة صارخة للولايات المتحدة وانتصار للإسلام.

وقال قائد كبير في فصيل مسلح مدعوم من إيران: "الشيعة هناك الآن في مأمن من هجمات طالبان. لقد أبرمت إيران عدة اتفاقيات مع طالبان قبل أعوام تشمل عدم مهاجمة الشيعة. وتسير الأمور وفقا لهذه الاتفاقيات، حتى الآن".

وأضاف: "لا يُسمح لفصائل مسلحة عراقية أو غير عراقية بالتدخل في هذه المرحلة. لقد قال الإيرانيون ذلك علنا ​​خلال لقائنا معهم قبل أيام في بغداد".

وفي ذلك الاجتماع، أوضح الإيرانيون لحلفائهم كيف أن القرى الشيعية معرضة للخطر، ويمكن لطالبان أن "تبيدهم" بسرعة إذا انهار الاتفاق.

وقال القائد: "لا يمكن حل القضية عسكريا. لقد خسرنا المعركة، ويعني إرسال أي قوة مسلحة شيعية إلى هناك الآن إبادة الطائفة الشيعية في أفغانستان. وهذا ما قاله القادة الإيرانيون ردا على أسئلتنا".

ويبدو أن الرسالة وصلت وأن الجميع داخل العراق تلقوها وفهموها جيدا.

شيء من الهدوء

ومنذ الأسبوع الماضي، سعت طالبان إلى إرسال رسائل طمأنة إلى المجتمعات الشيعية في المدن الرئيسية التي يتمركزون فيها، وخاصة كابل ومزار شريف وغزنة وقندهار.

واعتذر قادة طالبان للطائفة الشيعية بعد أن أنزل مقاتلوها الأعلام الشيعية يوم الأحد. وحرص بعض قادة طالبان على زيارة التجمعات الشيعية لطمأنتهم والمشاركة في طقوس عاشوراء السنوية.

ويوم الخميس، مر إحياء ذكرى عاشوراء في أفغانستان في أجواء متوترة ولكن سلمية.

وأصدر "مولوي نجيب الله"، رئيس لجنة الدعوة والتوجيه التابعة لحركة طالبان في محافظة هرات، قرارا كتابيا يوم الثلاثاء، يحظر مضايقة المواكب الشيعية والمساجد هناك.

وبالرغم من ذلك، يسود القلق والتوتر في مدينة النجف العراقية، مركز العالم الشيعي، والمكان الذي يستضيف جالية كبيرة من الأفغان، ومعظمهم من الطلاب المتدينين.

وقال الشيخ "خالد الحمداني"، أستاذ الحوزة العلمية في النجف والمسؤول عن الطلاب الأجانب: "كنا قلقين للغاية بشأن طلابنا وعائلاتهم، خاصة في كابل وقندهار ومزار شريف. واتصلنا بمكتب المدارس الدينية في قندهار ومكاتب المرجعية الدينية في بقية المدن. وقالوا إنه لا توجد مشاكل حتى الآن وأن الحياة طبيعية".

وأضاف: "لقد أخبرنا طلابنا أن القادة الشيعة هناك تلقوا ضمانات من جمهورية إيران الإسلامية بأن طالبان لن تهاجمهم مقابل التزامهم بالهدوء وعدم المقاومة".

وفي مزار شريف، دخل مقاتلو طالبان إلى المحافظة وفقا لاتفاق أشرفت عليه إيران، حسبما أفادت مصادر لموقع "ميدل إيست آي".

وأمرت إيران مقاتلي حزب الوحدة الإسلامي (تابع للهزارة) الذين كانوا جزءا من قوات مكافحة الإرهاب الأفغانية الرسمية، بالانسحاب لصالح طالبان والاحتفاظ بأسلحتهم حتى إشعار آخر، وفقا لمصادر في النجف وكابل.

وقال "الحمداني": "يخشى الإيرانيون أن يأخذ الصراع منعطفا عرقيا ليتحول بعد ذلك ليكون صراعا طائفيا أكثر دموية".

وهناك مخاوف من أنه في حالة تأجيج صراع عرقي مع الهزارة، فإن الجماعات الأخرى في أفغانستان قد تنقلب ضد الشيعة.

وقال "الحمداني": "لا تعتبر طالبان الهزارة من السكان الأصليين للبلاد وتشكك في أصولهم. وإذا تحول الصراع من طائفي إلى عرقي، فيعني هذا نهاية الهزارة".

"السيستاني" يدعو للتدخل

لكن الأمور في النجف متوترة، ويراقب المرجع الديني الشيعي في العراق "علي السيستاني" أفغانستان عن كثب.

ولدى "السيستاني" النفوذ لحشد الشيعة في أي لحظة، كما فعل عندما مزق تنظيم "الدولة الإسلامية" العراق في 2014، لكن من غير المرجح أن يتدخل بأي شكل من الأشكال كما تبدو الأمور، وفق ما يقوله الباحثون وقادة الفصائل المسلحة المدعومة من إيران ورجال الدين المقربين منه.

وقال "علي المدان"، وهو باحث عراقي متخصص في الفكر الديني: "كان بعض الناس يطلبون من المرجعية الشيعية في النجف، وخاصة السيستاني، التدخل وإصدار فتوى بشأن الجهاد أو استثمار سمعته العالمية للدفاع عن الأقلية الشيعية في أفغانستان".

وأضاف: "لكن ليس من المرجح أن يستجيب. لن يأتي مثل هذا السلوك من السيستاني. فهو يدرك أن الشيعة هناك أقل عددا من الطوائف والأعراق الأخرى، وهم يفتقرون إلى القدرات اللازمة للقتال".

وأشار "مدان" أيضا إلى أن "السيستاني" بنى سمعته على دعوات التعددية والتسامح والتعايش السلمي بين الأديان والمذاهب، وسوف تتضرر هذه السمعة إذا تدخل للدفاع عن الشيعة وحده.

وقال: "أعتقد أنه سيستثمر سمعته من أجل هدف أسمى وأعظم، وسيدعو إلى تضافر الجهود الدولية لحماية جميع الأفغان وضمان حقوقهم".

الوجه الحقيقي

وخلال إحياء ذكرى عاشوراء هذا الأسبوع، أجرى الطلاب الأفغان في النجف مكالمات قلقة مع أقاربهم في كابل ومزار شريف وباميان وهلمند، وقد طمأنوهم إلى أن الوضع حتى الآن لا يزال هادئا نسبيا وأنه تم السماح للطقوس الشيعية بالمضي قدما بسلام.

وقال أحد الطلاب: "اتفق الجميع هناك على عدم الاشتباك مع مقاتلي طالبان وانتظار تشكيل حكومة جديدة تضم ممثلين عن الشيعة".

لكن قادة الفصائل المسلحة العراقية حذروا من أن هذا الهدوء مرهون فقط بقدرة طالبان على السيطرة على مقاتليها.

لقد بذل قادة طالبان جهودا مضنية لتقديم صورة مفادها أن الجماعة أكثر تسامحا وانفتاحا مما كانت عليه في السابق. ومع ذلك، تظهر بالفعل تقارير تفيد بأن مقاتليها يقومون بعمليات تطهير واستهداف للنساء والصحفيين والأشخاص المرتبطين بالغرب.

وقال شهود عيان إن 3 أشخاص على الأقل قتلوا وأصيب العشرات يوم الأربعاء في مدينة "جلال آباد"، على بعد 150 كيلومترا شرقي كابل، عندما أطلق مسلحون من طالبان النار على بعض السكان الذين كانوا يحتجون على إزالة الحركة للعلم الوطني.

وبعد ساعات، فجّر مسلحو طالبان تمثال زعيم الهزارة المقتول "عبد علي مزاري"، الذي حارب طالبان في التسعينات، حسبما قال شاهد عيان. وقُتل "مزاري" على يد طالبان عام 1995 مع عدد من رفاقه بعد خطفهم وتعذيبهم.

وفي غضون ذلك، كشفت منظمة العفو الدولية يوم الجمعة أن مقاتلي طالبان ذبحوا 9 رجال من الهزارة في الفترة من 4 إلى 6 يوليو/تموز في ولاية غزنة.

ويقول باحثون أفغان وعراقيون وقادة فصائل مسلحة إنهم يعتقدون أن طالبان لن تكون قادرة على التظاهر لفترة طويلة بقدرتها على تبني سلوك لا يتوافق مع أيديولوجيتها، وهي مسألة وقت فقط قبل أن تظهر وجهها الحقيقي.

وقال "ناصر أحمد حسيني"، وهو أستاذ جامعي من كابل: "ستتحلى طالبان بالصبر، وستظهر التزاما بما اتفقوا عليه حتى يسيطروا على جميع المحافظات. وربما يغيرون سياستهم بعد ذلك. إنها مسألة وقت فقط".

المصدر | سؤدد الصالحي/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

شيعة أفغانستان الهزارة حركة طالبان علاقة إيران بطالبان حقوق الأقليات الأقليات الشيعية السيستاني قاسم سليماني النجف

وادي بنجشير.. هل تتبلور جبهة مناهضة لطالبان في أفغانستان؟

طالبان: لدينا علاقات جيدة مع إيران

إیران تستنكر بشدة انتهاك حقوق الإنسان في أفغانستان

ترحيب إيراني بمقترح باكستان عقد اجتماع لـ 6 دول مجاورة لأفغانستان

ما الذي يجعل يد إيران مغلولة أمام التهديدات التي تمثلها طالبان؟