«جيريمي كوربين» الشرق الأوسط .. تقارُب مع إيران وتباعُد مع الخليج

الخميس 12 نوفمبر 2015 02:11 ص

ربما لا يمثل رئيس حزب «العمال» البريطاني جيريمي كوربين استثناءً في السياق اليساري الأوروبي بشكل عام، واليساري البريطاني تحديداً، باعتبار عدم ملاءمة مواقفه السياسية تجاه منطقة الشرق الأوسط مع الخط العام للسياسة البريطانية الحالية، بقيادة حزب «المحافظين»، وزعيمه ديفيد كاميرون.

تنبع أهمية كوربين في الفترة الأخيرة من صعوده السياسي وتزعّمه «حكومة الظلّ» والمعارضة البريطانية، وكونه يُمثّل بحسب ما يراه مراقبون، تياراً راديكالياً في اليسار البريطاني نفسه. صعود كوربين يطرح الكثير من الأسئلة حول تأثيره في السياسات البريطانية في المنطقة، خصوصاً الموقف من الحرب الدائرة في سورية، والعلاقات مع دول الخليج، والعلاقة مع إيران.

 في المسألة الإيرانية، يقول «كوربين»«لإيران الحق في تطوير مفاعل نووي سلمي، وليس لها الحق في امتلاك سلاح نووي». لذا يُرحّب كوربين بالاتفاق النووي الموقّع مع إيران في يوليو/تموز الماضي. وهو موقف يتشارك فيه مع الموقف الرسمي البريطاني. ويذهب «كوربين» أبعد من إيران، معرباً عن طموحه بـ«رؤية شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية، وهذا يشمل إسرائيل».

لا يتوسع كوربين في الحديث عن وجود مشاكل مع إيران، متعلقة بتعاطيها مع مسائل حقوق الإنسان، لكنها لا تحظى بأي أولوية في خطابه تجاهها، بل دائماً ما يشير إلى موضوع حقوق الإنسان في خطابه حول إيران كجملة اعتراضية، وفي إطار عبارة من نوع «رفع العتب». كما يصمت عن انتهاكات حقوق الإنسان هناك، وقمع الأقليات، وما يتعلق بحقوق المرأة، وتطبيق أحكام الإعدام. لا بل يرى أن المجتمع الإيراني الديني والاثني متنوّع.

مع العلم أن موقف كوربين ليس جديداً، بل سبق أن أبداه في فبراير/شباط 2014، حين دُعي للحديث في «المركز الإسلامي» في بريطانيا، القريب من النظام الإيراني. تحدث الزعيم اليساري لنحو ربع الساعة، سارداً تاريخ الانتهاكات البريطانية والتدخلات السياسية والعسكرية البريطانية التي سببت اضطرابات المنطقة، منذ الثورة على حكومة محمد مصدّق الإيرانية في عام 1953. كما تحدث عن الحرب العراقية الإيرانية (1980 ـ 1988)، وقصف حلبجة بالسلاح الكيماوي (16 مارس/آذار 1988)، وقضايا أخرى، ولم يتحدث عن حقوق الإنسان في إيران، إلا بجملة اعتراضية لم تتجاوز النصف دقيقة. باعتباره أن «إيران تتعاون مع الأمم المتحدة في هذا الجانب»، فلم يوجّه بالتالي أي انتقاد لحكومة طهران وملفاتها الحقوقية.

ودائماً يؤكد كوربين في لقاءاته الصحافية على «أهمية إشراك إيران في المباحثات حول مستقبل سورية». واستبق وفقاً لهذا، الدعوة التي وُجّهت لطهران لحضور لقاء فيينا، في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وقد حضرت إيران فعلاً كطرف في النقاش حول الملف السوري، الأمر الذي يوافق سياسات كوربين تماماً. لكن الرجل "ينأى" عن الحديث في شأن التدخلات العسكرية الإيرانية في العراق وسورية، ولم يدنها حتى، بل عكس ذلك، يرى أن لإيران دوراً إيجابياً في نزع السلاح الكيماوي الذي كان بحوزة النظام السوري.

في سورية، يرفض كوربين أي حلّ عسكري هناك، ويُشدد على أن «التدخل العسكري في سورية لن يؤدي إلى حل، بل يدفع باتجاه حرب إقليمية». ويقول في إحدى المقابلات: «لا تستطيع تغيير أفكار الناس من خلال قصفهم بالقنابل". يطرح كوربين رؤيته هذه ضمن رؤية أوسع للتدخلات العسكرية البريطانية خارج حدود المملكة، فهو لا يقول فقط إن "تدخل بريطانيا في سورية سيجعل الأمور أسوأ"، بل يضيف أن "على بريطانيا الاستفادة من تجاربها في أفغانستان والعراق، لتقييم فكرة التدخل العسكري نفسها».

يرى «كوربين» أن مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) تتم عبر محاصرته، لناحية كشف مصادر تمويله ودعمه عسكرياً ومالياً. ويُبدي اعتقاده بأن «هذا النوع من الحصار، المتزامن مع مساعي إيجاد حلّ سياسي في سورية، يُمهّد لنهاية التنظيم، الذي جاء كنتيجة مباشرة للتدخلات الغربية في المنطقة». ويبدو موقفه من الرئيس السوري بشار الأسد غامضاً، لناحية تأكيده على ألّا «حلّ في سورية إلا من خلال حل سياسي»، من دون أن يوضح طبيعة هذا الحل، أو مكان الأسد فيه.

في الشأن الخليجي، يختلف كوربين مع العديد من نظرائه في بريطانيا، عبر تشديده على «ضرورة إعطاء أولوية لحقوق الإنسان في علاقات بريطانيا الخارجية، خصوصاً مع دول الخليج النفطية»، وقد ذكر في هذا الصدد، أكثر من مرة أن «امتلاك الدولة لثروة نفطية، لا يجعل معايير حقوق الإنسان لديها أدنى من غيرها، ولا يعطيها حق أن تُجَامَل دولياً».

وفي هذا السياق، يسأل كوربين رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، عن جهوده في الضغط على حلفاء بريطانيا في الخليج، تحديداً السعودية، لتحسين ظروف حقوق الإنسان هناك. حتى إنه يدعو كاميرون للتدخل لإيقاف حكم الإعدام الصادر على علي النمر، بالإضافة إلى إلغاء عقد استشاري وتدريبي مع السجون السعودية (تم إلغاء العقد لاحقاً). وشكّلت هاتان القضيتان «هاجساً» لكوربين في مؤتمر «العمال»، وفي برنامجه الأسبوعي على موقع «يوتيوب»، وفي نقاشات البرلمان البريطاني.

ويُلخّص الإشكاليات السعودية مع حقوق الإنسان، وفقاً له، في ثلاثة بنود: ملف حقوق المرأة، وأحكام الإعدام، والتعامل مع العاملين في السعودية. ويرى أنه «تتوجب إعادة النظر في مبيعات الأسلحة للسعودية، كما فعلت ألمانيا والسويد»، ويقترح وضع بحث مشاريع التسلح ضمن إطار أوسع للعلاقات البريطانية ـ السعودية، يتضمن مسائل حقوق الإنسان.

في الموضوع المصري، يعبّر كوربين عن قلقه من وضع حقوق الإنسان في مصر، ويؤكد أن على مصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي، إن كان يطمح بالتعامل معه كرئيس طبيعي، وقف انتهاكات حقوق الإنسان، تحديداً بما يتعلق بالسجن من دون محاكمات للصحفيين. ويكشف زعيم «العمال» أنه «لو كان رئيساً للوزراء لما دعا السيسي لزيارة بريطانيا، بسبب سجله السيئ في حقوق الإنسان، خصوصاً تعامله مع السجناء السياسيين».

وفي موضوعي حركة «حماس» و«حزب الله»، فقد دأبت وسائل الإعلام البريطانية على مهاجمة كوربين، جراء وصفه للحركة والحزب بـ"الأصدقاء". الأمر الذي أُثير إعلامياً أكثر من مرة مع كوربين، وفي كل مرة كان يؤكد أن الاجتماع الذي قيل فيه هذا المصطلح، كان يضمّ أعضاءً في مجلس العموم البريطاني، مع أطراف أخرى. وأنه استخدم كلمة "أصدقاء" للترحيب دبلوماسياً بـ«حماس» و«حزب الله» في هذا الاجتماع، لا باعتبارهم أصدقاء فعليين له. ويرى أن الإعلام قام بتجاهل الاجتماع، الذي وصفه بـ«الجدّي» للحوار حول قضايا المنطقة، والذي استمر لمدة ساعتين، وأبرز عبارة واحدة فقط وهي: "كوربين يعتبر حماس وحزب الله أصدقاء له".

في شأن «حماس»، يقول «كوربين»«لا أتفق مع مواقف حماس الاجتماعية أو السياسية، ولكنه لا يمكن إحلال السلام في المنطقة من دون إشراك حماس في المفاوضات». كما يلفت إلى أنه «تمّ التفاوض مرات عديدة بين إسرائيل وحماس، من خلال وسيط، تحديداً مصر، مما يعني أن إسرائيل نفسها خاضعة لحقيقة ألا سلام من دون التفاوض مع حماس».

في موضوع اللاجئين، يعتبر الزعيم اليساري أن بريطانيا متأخرة عن الجهود الأوروبية في التعاطي مع مشكلة اللاجئين التي تقلق أوروبا اليوم. ويرى أن استقبال البلاد لعشرين ألف لاجئ خلال خمس سنوات، حسبما ذُكر في تصريحات حكومية، غير كاف. وهذا الرقم ضئيل جداً، وفقاً لكوربين، الذي يدعو بريطانيا لأخذ حصص مشابهة لتلك التي تستقبلها بقية دول أوروبا، كألمانيا. ويعتبر أن على أوروبا معالجة ظاهرة اللجوء بحدّ ذاتها، من خلال إيجاد حلول سياسية في مناطق التوتر في العراق وسورية وليبيا.

وعن تهديد اللاجئين للمجتمع البريطاني، تحديداً في الإشارة إلى أنهم قد «يعززون التطرف الديني، وينشئون تنظيمات إرهابية»، ينفي كوربين تماماً وجود مثل هذه المخاطر على بريطانيا. ويقول في هذا الصدد، إنه «لا يوجد تهديد لبريطانيا من استقبال اللاجئين، بل على العكس، استفادت بريطانيا من وجود اللاجئين بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)»، ويضيف أنه «لا نستطيع الهرب من نتائج الأزمات الإنسانية الناتجة عن الحروب في سورية والعراق وليبيا". ويُشدّد على ليبيا لأنها "نقطة لتجمع اللاجئين من مختلف دول إفريقيا، تمهيداً لرحلتهم باتجاه السواحل الأوروبية».

  كلمات مفتاحية

جيريمي كوربين الشرق الأوسط. إيران الخليج حزب اليسار الأوروبي اليسار البريطاني

أيام صعبة بين الرياض ولندن: حملة «كوربين» ورد السفير

زعيم حزب «العمال» البريطاني ينتقد السعودية والبحرين بسبب «قمع» المعارضة

«صنداي تايمز»: مسؤولون بـ«حزب العمال» يعارضون موقف «كوربين» حول سوريا

زعيم «العمال» البريطاني: لن أدعو «السيسي» إلى لندن إذا أصبحت رئيس وزراء

صعود «جيرمي كوربين» لم يكن صدفة