20 عاما على أحداث 11 سبتمبر.. كيف تغير العالم العربي؟

السبت 11 سبتمبر 2021 06:06 ص

أدت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وما تلاها من "الحرب العالمية على الإرهاب" بقيادة الولايات المتحدة إلى تدهور كبير في ظروف المعيشة لمعظم الناس في العالم العربي.

وخلال السنوات العشرين الماضية، تسارعت وتفاقمت الاتجاهات السلبية التي كانت موجودة في المجتمعات العربية، كما ظهرت أنماط سلبية جديدة، ما يرجح استمرار المعاناة لسنوات أو عقود قادمة.

ويمكن فهم هذا الأمر بشكل أفضل إذا أدركنا أنه قبل 20 عامًا كانت المنطقة العربية تشهد بالفعل دورة تاريخية تتسم بـ6 اتجاهات مدمرة ساءت بشكل سريع وملحوظ في حقبة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول.

- إفقار المواطنين وسط التراكم الفاحش للثروة من قبل اللوبيات المرتبطة بالنظام

تشير تحليلات الأمم المتحدة وغيرها من التحليلات الموثوقة إلى أن حوالي 75% من الناس في الدول العربية فقراء أو ضعفاء، وهو ما زاد وتعمق بسبب الوباء. ويعتبر مستوى عدم المساواة هو الأعلى بين المواطنين العرب وقد تقلصت الطبقة الوسطى في السنوات الأخيرة من 44 إلى 33%.

كما اتسع الفقر وتعمق ليصبح الآن مزمنًا وعابرًا للأجيال، حيث يعيش الشباب اليوم حياة من الفقر والحرمان مثل آبائهم عندما كانوا شبابا، لكن السياسات الحكومية جعلت شباب اليوم غير قادر على دخول الطبقة الوسطى كما فعل آباؤهم في العصور السابقة للتنمية المستدامة.

- نقص وانخفاض جودة الخدمات الاجتماعية الحكومية

وكان ذلك سببًا رئيسيًا وراء تحول المواطنين السلبيين في كثير من الأحيان إلى نشطاء معارضة غاضبين منذ الثمانينات، عندما كان التعليم الأساسي والرعاية الصحية والمواد الغذائية الأساسية والإسكان والنقل والمياه العذبة واحتياجات الأسرة إما أكثر تكلفة، أو يصعب الوصول إليها، أو ذات جودة أقل.

وتظهر الاستطلاعات الإقليمية الأخيرة أن حوالي 80% من الأسر لا تستطيع تلبية احتياجاتها الأساسية الأسبوعية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انتشار الفساد في جميع أنحاء المنطقة.

ويقر المواطنون العاديون بالفساد باعتباره سببًا رئيسيًا لانعدام العدالة الاجتماعية، والخدمات الاجتماعية، ونقص فرص التعليم الجيد والتوظيف.

- عدم القدرة على اختيار أو محاسبة المسؤولين

ينتمي معظم قادة المنطقة إلى نخب عسكرية استولت على السلطة عبر انقلاب، أو عائلات منفردة تحكم على أساس هويات وراثية أو تم اختيارها من قبل القوى الاستعمارية السابقة.

وكان الشعور بالعجز التام والإهانات اليومية منذ عام 2001 وحتى اليوم سببًا كبيرًا وراء تحول العديد من شباب الطبقة الوسطى العاديين إلى الحركات المتطرفة والميليشيات وجماعات المقاومة والإرهاب. ويفعل هؤلاء ذلك للهروب من كونهم ضحية لا حول لهم ولا قوة، فيما يسعون إلى عالم أفضل لأنفسهم ولأسرهم، من وجهة نظرهم.

- الزيادة المستمرة في عدد المواطنين المحايدين سياسيًا

وغالبا ما يكون هؤلاء من المهمشين اقتصاديًا وقد أدى ذلك إلى العزلة بين هياكل المجتمع والدولة.

وقد اكتسبت هذه الظاهرة زخمًا للمرة الأولى في سبعينات القرن الماضي، عندما اجتذب "الإخوان المسلمون" وغيرهم من الإسلاميين (غير العنيفين في الغالب) جماهيرية كبيرة خلال موجة النفط والتي تضمنت أيضًا تضخمًا كبيرا، وفسادًا أوسع، وتغلغلًا أجنبيًا أكبر في الاقتصادات العربية.

وأدى ذلك إلى تصدعات عميقة في العلاقات بين المواطن والدولة وظهور جهات فاعلة مسلحة من غير الدولة والتي غالبًا ما تنافس الدولة في مسألة السيادة.

وخلال القرن الماضي، تحدت أكبر 3 اتجاهات للهوية في العالم العربي (العروبة والقبلية والإسلاموية) الدولة الحديثة التي ظهرت في الغالب بعد الحرب العالمية الأولى.

ويشير ذلك إلى أن نقطة الضعف الأساسية في الدولة العربية الحديثة هي نفسها، حيث كانت منفصلة عن هويات مواطنيها أو احتياجاتهم أو ولاءاتهم. وقد زادت نقاط الضعف الهيكلية هذه في العديد من الدول العربية منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

- التدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة

وهي معضلة ابتليت بها مجتمعات الشرق الأوسط على مدى القرنين الماضيين أو أكثر، منذ هجمات "نابليون" في عام 1798. وقد زادت هذه النزعة العسكرية بشكل حاد منذ عام 2001 وأدت إلى إطلاق أو تسريع انهيار دول مثل العراق وسوريا وفلسطين ولبنان واليمن وليبيا والسودان.

وفي حين كانت بريطانيا وفرنسا هما الغزاة الأجانب الرئيسيين في المنطقة خلال الحقبة الاستعمارية، فقد قادت الولايات المتحدة في السنوات الأربعين الماضية، خاصة منذ عام 2001، تغلغلًا عسكريًا واسع النطاق في المنطقة العربية وجنوب آسيا.

من الشائع الآن رؤية قوات أو وكلاء مرتزقة مستأجرين من روسيا وتركيا والسودان وإيران والإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل في العديد من الدول العربية، ويتسبب ذلك في استمرار الحروب التي تضعف الاقتصادات وترفع معدلات الفقر والهجرة وتدمر مرافق الخدمات الأساسية وتضعف الحكومات المركزية وتعزز النزعات للانفصال أو الاستقلال الذاتي.

وتعد مناطق الأكراد العراقيين، وجنوب السودان، وجنوب اليمن هي أكثر المناطق الانفصالية بروزا في الدول العربية، ويمكن أن تتبعها مناطق أخرى.

- استمرار الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع

وقد تفاقم ذلك من خلال ضم أراض جديدة دون توقف ودون احتجاج من قبل القوى العالمية التي تشن في الوقت نفسه حربًا في جميع أنحاء المنطقة وتبررها بالسعي لتحقيق سيادة القانون.

وكان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من بين العوامل الأكثر زعزعة للاستقرار والتطرف في المنطقة العربية منذ الأربعينات، وكانت الحروب المدمرة والإنفاق العسكري من بين أكبر أسباب استنزاف الموارد العربية التي كان ينبغي أن تذهب إلى تنمية وطنية حقيقية. كما أشعل الصراع العربي الإسرائيلي موجة من الانقلابات العسكرية التي كانت سببا في ضعف أداء الدول العربية.

واستمر الاحتلال الإسرائيلي وضم الأراضي العربية منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، ما أضاف إلى العديد من الأسباب التي تجعل العديد من المواطنين العرب العاديين يشعرون بالاستياء من ضعف حكوماتهم أو الرضوخ الصريح للممارسات الإسرائيلية.

وكانت هذه الديناميكيات الست موجودة بالفعل قبل 11 سبتمبر/أيلول، لكنها ساءت جميعًا بسرعة وانتشرت عبر الأراضي العربية منذ "الحرب على الإرهاب". ولكن الاتجاه المتزايد للعسكرة واستمرار الحكومات المحلية الفاسدة أدت إلى بعض التطورات الجديدة الأكثر خطورة، مثل ولادة وتوسع تنظيم "الدولة الإسلامية"، وانبعاث وانتصار "طالبان" في أفغانستان، وبقاء "القاعدة" وتنوعها عبر الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.

ربما كانت أخطر عواقب "الحرب العالمية على الإرهاب"، في ضوء المشكلات الهيكلية الست الكبرى داخل المجتمعات العربية، هي تعزيز الولايات المتحدة للأنظمة الاستبدادية العربية والآسيوية التي أضعفت بشكل كبير حقوق الإنسان (الضعيفة بالفعل) وظروف حرية التعبير في العديد من البلدان.

ونظرًا لأن الحروب التي قادتها الولايات المتحدة أدت إلى زيادة عدد الجماعات الإرهابية ومدى وصولها وأنشطتها، فقد استخدمت الحكومات المحلية الدعم الأمريكي والأجنبي لمحاربة هذا التهديد من خلال قمع الحريات السياسية والإعلامية؛ ولم يؤد ذلك إلا إلى تفاقم غضب المواطنين ضد دولتهم، ودفع بعض الرجال والنساء للانضمام إلى "الدولة الإسلامية" أو "القاعدة" أو غيرهما من الجماعات العنيفة.

ويعد أحدث الأمثلة على الدول التي تتجه نحو أنظمة استبدادية هي لبنان وتونس - والتي أظهرت في السابق بصيصًا من التعددية والحريات الشخصية والسياسية.

لذلك، يربط معظم العرب "الحرب على الإرهاب" التي تقودها الولايات المتحدة والدعم الغربي السياسي والاقتصادي والعسكري، بحكوماتهم غير الكفؤة والاستبدادية والفاسدة. وقد أدى ذلك، على سبيل المثال، إلى تنوع فروع "القاعدة" وانتشار عضويتها والتوسع في أراضٍ جديدة. كما شهد العراق وسوريا ولادة مجموعات جديدة مثل "الدولة الإسلامية" وفروعها المتعددة، والتي ظهرت من كوادر "القاعدة" التي تم اعتقالها في السجون الأمريكية في العراق.

وهكذا، فإن الحملة التي قادتها الولايات المتحدة لصد التهديدات الإرهابية في عام 2001 دمرت الاقتصادات التي كانت تنمو في السابق وأثارت موجة هائلة من الفقر في جميع أنحاء المنطقة، ما أدى إلى نمو الجماعات الإرهابية ذاتها التي كانت الولايات المتحدة تهدف في البداية إلى احتوائها.

ونجحت جهود الاحتواء في الحد من الهجمات ضد البر الرئيسي للولايات المتحدة، ولكنها زادت بشكل كبير من الدمار في المجتمعات ومعاناة مئات الملايين من الناس في المنطقة العربية والآسيوية.

تؤكد السنوات العشرين الماضية فقط مزيجًا من 3 أو 4 أسباب رئيسية تدفع عادة مواطني الطبقة الوسطى غير العنيفين للانضمام إلى مجموعة عنيفة مثل القاعدة: اليأس الاجتماعي والاقتصادي، والعجز عن تحسين أوضاعهم من خلال العمل السياسي، ووجود الجيوش الأجنبية في الأراضي التي يعتبرونها مقدسة، وتدمير الأرواح والممتلكات من قبل القوات المشتركة لحكوماتهم والجيوش الأجنبية.

 لقد شهدنا ذلك مرارًا وتكرارًا في حركات مسلحة يقودها إسلاميون ضد السوفييت وقوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان والسعودية والعراق، وفي هجمات الجماعات الإسلامية التي أخرجت قوات الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان وقطاع غزة.

وبعد ظهور "الدولة الإسلامية" في 2014-2015، أظهرت استطلاعات الرأي أن 7-8% من السكان يرون هذه الحركات بشكل إيجابي. لم يكن الناس ينضمون إلى هذه الحركات، لكنهم اعتقدوا أنهم يفعلون شيئًا صالحًا ومبررًا في محاربة الفساد والاحتلال الأجنبي.

ربما تكون الانتفاضات المستمرة في المنطقة العربية منذ 11 عامًا للإطاحة بالأنظمة الفاسدة أقوى دليل على أن الأشخاص الذين تعرضوا للإهانة من قبل حكوماتهم سيستمرون في المقاومة وسيستخدمون أي وسيلة ممكنة لتحقيق حياة طبيعية.

لقد حاول العرب في جميع أنحاء المنطقة القيام بذلك على مدى عقود، ولكن دون جدوى، بسبب القوة العسكرية والدعم الأجنبي لحكوماتهم.

يمكننا تتبع هذه الدورة لعدة عقود قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، عندما كانت مستويات الفقر والفساد والتسرب من المدارس وعدم الكفاءة في تقديم الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه  لا تزال تحت السيطرة. لقد أصبحت الآن خارج نطاق السيطرة تمامًا، نظرًا لارتفاع معدلات الفقر والتسرب من المدارس، وضعف الوصول إلى المياه النظيفة، وضعف تغطية التأمين الاجتماعي، ونقص الاحتياجات الأساسية للحياة.

لقد حدث الكثير من هذا التدهور في العشرين سنة الماضية. إن الصلة بين "الحرب على الإرهاب" وتدهور الأوضاع المعيشية والأمنية في الأراضي العربية وبين التمردات الجماهيرية المستمرة للمواطنين باتت واضحة الآن.

لقد أدت الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب من خلال القوة العسكرية ودعم الحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا إلى تدمير حياة الناس العاديين. هذه هي المعادلة الأساسية التي تحتاج إلى معالجة.

المصدر | رامي خوري/ ريسبونسبال ستيتكرافت – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الحرب على الإرهاب الاستعمار الانقلابات العسكرية الفقر العالم العربي الاحتلال

بـ14.3 مليون عاطل.. العالم العربي يسجل أعلى مستوى بطالة في العالم

رئيس لجنة التحقيق بأحداث 11 سبتمبر يكشف حقيقة تورط السعودية وإيران

بأمر بايدن.. FBI يرفع السرية عن وثيقة تتحدث عن دور سعودي لدعم منفذي هجمات سبتمبر