استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الطور الجديد للدولة الريعية

السبت 14 نوفمبر 2015 03:11 ص

مصطلح الدولة الريعية هو المصطلح الذي طُوِّر للتعامل مع نماذج النظام الاقتصادي السياسي لمجموعة من الدول تعتمد في دخلها الرئيس على موارد تأتيها من الخارج مثل معظم الدول العربية التي تعتمد في شكل رئيس على بيع مواردها الطبيعية مثل النفط والغاز، أو على بيع مواقعها الجغرافية الاستراتيجية أو مواقفها السياسية لاستقطاع حصة من الرأسمال الخارجي، أو على الاعتماد على تصدير العمالة للخارج والاستفادة من تحويلاتهم المالية.

وعلى رغم أن هذه النظرية قدمت نموذجاً تفسيرياً قوياً لهذه النظم، إلا أن الاستمرار في الاعتماد عليها للتعامل مع الدول الريعية قد يحجب التغيرات الاقتصادية والسياسية الهيكلية التي تمر بها هذه الدول، فتتحول من كونها نظرية مفسرة إلى حاجبة للرؤية.

النسخة الكلاسيكية لنظرية الدولة الريعية قائمة على اعتبار النظام الاقتصادي لدولة ما بأنه ريعي إذا توافرت فيه مجموعة من السمات. فلا يكفي أن يكون النظام يعتمد على رأس المال الخارجي في موارده، حتى يعتبر نظاماً ريعياً، بل يجب أن يكون اعتماده هو المورد المهيمن والمؤثر في بقية النظام الاقتصادي، كما يجب أن يكون مورداً مباشراً للدولة، حتى يمكن أن تعتبر هذه دولة ريعية.

فعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الأميركية تأتي الثالثة عالمياً من حيث كمية إنتاج النفط، وبنسبة مقاربة للسعودية التي تحتل المركز الثاني، إلا أنها لا تصدر من هذا النفط للخارج شيئاً، بل هي أحد أهم المستوردين له، كما أن موارد النفط لا تتوجه مباشرة إلى الدولة ولا إلى شركات مملوكة لها، بل يتوجه إلى القطاع الخاص، ومن ثم هي بهذا المعنى ليست ريعية.

وعند تحديد نظام دولة ما بأنه ريعي فإن هذه النظرية تخبرنا عن مجموعة من النتائج: أن الدولة الريعية تكون مستقلة في شكل كبير جداً عن المجتمع، وأنها دولة شديدة المركزية في تكوينها، وأنها دولة توزيعية ليست دولة ضرائبية، أي أن الدولة في تعاملها مع المجتمع لا تسعى إلى حثه على الإنتاج من أجل تحصيل الدخل من إنتاجيته عبر الضرائب المفروضة عليه، بل هي دولة توزِّع الموارد التي تأتيها من الخارج.

فالدولة الريعية - كما لخّصها أحد المنظرين الكلاسيكيين - «المستقبِلة المباشرة للريع، والموزِّعة له، والمؤثر الأكبر في تشكيل بناء المجتمع». وهذه الحال تسهم في ظهور بعض المظاهر الخاصة بهذا النوع من الأنظمة الاقتصادية، كانعدام المحفزات نحو تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد منتج وتضخم القطاع العام وتحويل الوظيفة من كونها معتمدة على الجدارة والكفاءة، إلى وسيلة لتوزيع الريع.

الإشكالية الأولى في هذه النظرية التي قادتها إلى العجز عن تفسير بعض الظواهر داخل الدولة الريعية، هو أنها تتعامل مع هذه الدولة على أنها كلٌّ مصمت واحد، كلٌّ يكتفى بتفسيره من عامل اقتصادي واحد من دون الالتفات إلى سياقه التاريخي وديناميّات التفاعل بين القوى الفاعلة في كل دولة.

هذه الإشكالية تؤدي بها إلى تجاهل اختلاف درجة تأثير الريع في اختلاف أجهزة الدولة، وهو ما يؤدي بها إلى العجز عن تفسير النجاح الذي تحققه بعض المؤسسات داخل هذه الدول.

هذه الإشكالية فحصها ستيفن هيرتوج في حال السعودية في كتابه «أمراء وبيروقراطيون ووسطاء: النفط والدولة في المملكة العربية السعودية». فعبْر إعادة الاعتبار للتعقيد داخل الدولة نفسها وبنيتها وتطورها التاريخي تمكّن هيرتوج من تفسير وجود ما اعتبره «جزر النجاح» من مؤسسات ذات كفاءة عالية مثل مؤسسة النقد السعودي وشركتي «أرامكو» السعودية و«سابك».

وعبْر هذه المقاربة استطاع تفسير كيف استطاعت السعودية خصخصة بعض القطاعات، كقطاع الاتصالات، بنجاح نسبي أفضل من محاولاتها الإصلاحية في مجالات أخرى كالاستثمار الخارجي.

إلى جانب إشكالية الاختزال والتبسيط هذه هناك إشكالية تتعلق بتتبع التغيّرات التاريخية التي أصابت الدول الريعية ولا تغطيها وتقدم لها النظرية نفسها. فهناك على الأقل تغيُّران جوهريان رئيسان احتاجت الدول الريعية إلى التكيّف معهما، الأول: عولمة الاقتصاد. الثاني: التغيرات الداخلية نتيجة السياسات الريعيّة الأولى.

فالعولمة بما تحمله من تحرير للتجارة وتخفيف قبضة الحدود بين الدول وخصخصة جوانب متعددة من القطاع العام الذي كان في السابق ضمن سلطة الدولة وتغيّر شكل الدولة في شكل عام في الاقتصاد السياسي العالمي أدت إلى تغيرات في بنية وتركيب الدولة الريعية.

وبالتوازي مع هذه الظروف التي فرضتها العولمة أدت السياسات الأولى للدولة الريعية إلى زيادة عدد السكان وزيادة معدلات التعليم، وهو ما جعلها في مراحلها الأخيرة في مواجهة أزمة بطالة لا تستطيع معالجتها عبر التوظيف في القطاع العام - الممتلئ أصلاً، الذي تفرض العولمة عليها تقليصه- وهو ما يدفعها إلى التوجه إلى تحفيز القطاع الخاص من أجل حل مشكلة البطالة، وهو ما يُحدث تغييراً جوهرياً في العلاقة بين الدولة والمجتمع ويؤثر في درجة استقلال الدولة عن المجتمع الذي يمنحه لها الريع.

إذ يمكن القول - في شكل عام- إنه على عكس الدول الأوروبية في القرن الـ19 الذي دفعت الطبقة العاملة فيه الدولة إلى تبني سياسات إدماجية وديموقراطية وعمالية، نجد أن الدولة الريعية هي من تبادر لخلْق طبقة عمالية بظروف وشروط عمل مقاربة لتلك الموجودة في القطاع العام.

هذه الإشكاليات من المهم الالتفات إليها عند التعامل مع الدول الريعية، وعدم الاكتفاء بالنسخة الكلاسيكية التي تحجب النظر عنها وتحيل التحليل إلى تبسيط مخل وغير منتج ومتأخر في الزمن، ومن ثم غير مواكب ولا مفيد.

  كلمات مفتاحية

الدولة الريعية النظام الاقتصادي السياسي الدول العربية النفط الغاز

الدولة الريعية والانتقال إلى الديمقراطية

الثروة الريعية في السعودية: غزارة وسوء توزيع

هل انتهت «دولة الرفاه» في الخليج؟

خفض الاعتماد على الريع النفطي: خطوة أساسية للإصلاح الاقتصادي