معضلة "المواهب الغائبة" بالإمارات وفوبيا الربيع العربي

الجمعة 17 سبتمبر 2021 02:59 م

في 3 فبراير/شباط 2016، أطلق حاكم دبي الشيخ "محمد بن راشد"، عبر منصة "تويتر"، عملية بحث عن خريج إماراتي أقل من 25 عاما ليكون أصغر وزير في العالم وممثلا لشباب الدولة.

فقد دعا آنذاك جامعات الإمارات إلى ترشيح 6 خريجين -3 شباب و3 شابات- ليتم اختيار الوزير الجديد من بينهم. وأعقب إعلان "بن راشد" الكثير من الترقب، والذي خمد بالتعيين الرسمي للوزير بعد نحو أسبوع.

كانت الوزيرة المختارة بالفعل (شما بنت سهيل بن فارس المزروعي) شابة متفوقة، وحاصلة على درجات علمية من أعلى الجامعات الإماراتية.

لكن بدا أن الوزيرة الشابة، المحبوبة من أقرانها، كانت خيارا مرتبا؛ حيث تم إعدادها لهذا الدور لسنوات قبل تعيينها.

ما هو إذن سبب خيبة الأمل المتوقعة الصامتة، بل والساحقة؟

رغم أن الإعلان الأولي دعا جميع جامعات الإمارات إلى تسمية كل منها لمرشحيها، إلا أنه سرعان ما أصبح من الواضح أن المرشح كان قد تم اختياره بالفعل.

فقد استفادت وزيرة الشباب الجديدة من التعليم الخاص بأحد مؤسسات تعليم الصفوة في البلاد، وحصلت على الدراسات العليا من مؤسسة تعيلمية معروفة في الخارج؛ وهما طريقان لا يستطيع العديد من الإماراتيين الوصول إليهما بسهولة؛ إما بسبب القيود الاقتصادية، أو القيود الاجتماعية التي تحد بشكل خاص من خيارات المرأة.

فالإمارات لديها نظام مزدوج للتعليم العالي؛ التعليم العالي المجاني الذي يتم تقديمه من خلال الجامعات الحكومية وهو حصري للإماراتيين، إضافة إلى التعليم عبر الجامعات الخاصة، وهي مفتوحة لجميع الطلاب الذين يسددون الرسوم.

ونتج عن هذا النظام المزدوج للتعليم العالي انقساما طبقيا، ليس بين فقراء وأغنياء، ولكن بين أشخاص مؤهلين وغير مؤهلين.

وبات الإماراتيون المتخرجون من الجامعات الحكومية مدركين للواقع المزعج المتمثل في ازدرائهم بشكل متزايد لصالح الخريجين الحاصلين على شهادات من جامعات خاصة أو خارجية.

ويبدو أن الوعد بتعليم جامعي مجز معلق بخيط رفيع من الامتيازات المتناقصة.

فهناك تخوف متصاعد بين الشباب الإماراتي من الآفاق القاتمة التي تنتظرهم بعد التخرج.

إذ يعج موقع "تويتر" بالإماراتيين المتضررين والساخطين بسبب فشلهم في العثور على فرصة عمل.

ومؤخرا، أثارت تغريدة على "تويتر" من قبل إماراتي باحث عن عمل، جدلا في البلاد حول قضية البطالة وتوطين الوظائف. لكن النقاش كان حول أكثر من مجرد أزمة بطالة.

ففي العام الماضي، دشنت الإمارات إصلاحات اجتماعية وقانونية كبيرة كوسيلة لجعل البلاد أكثر جاذبية لأغلبية سكانها من المغتربين بعد عام صعب شهد نزوحا جماعيا للكثيرين؛ بسبب فقدان الوظائف المرتبط بجائحة "كورونا".

كانت الإصلاحات، التي وُصفت بأنها ذات ميول علمانية، مثيرة للجدل بين السكان المحافظين إلى حد كبير من الإماراتيين.

والأكثر من ذلك، كان إعلان هذا العام أن الدولة ستقدم الآن الجنسية للمغتربين الموهوبين.

فقد أدى تركيز الدولة على جذب المواهب الأجنبية إلى إبراز بعض الأسئلة المحيرة حول نظام التعليم والبيئة الإبداعية في البلاد.

ففي حين تنظر الدولة إلى جذب المواهب كحل سريع للعجز المفترض لديها في هذا الجانب، ووسيلة لتعزيز خطط التنويع الاقتصادي لمرحلة ما بعد النفط، يشعر الإماراتيون بالقلق من حتمية استبعادهم من سوق العمل.

ولخص باحث اجتماعي إماراتي هذه المعضلة في منشور عبر "تويتر" وصف فيه المنافسة المتوقعة التي سيواجهها الإماراتيون عند التقدم للوظائف: "ما زلنا نعلق آمالنا على قانون التوطين الذي يمكن أن ينهي الجدل حول توفير الوظائف. سيتعين على الإماراتيين الآن مواجهة تحديين في وقت واحد: التنافس مع المواهب الأجنبية والمواهب الإماراتية المجنّسة".

وفيما يبدو كرد فعل على الاستياء المتزايد، أعلنت الإمارات مؤخرا (12 سبتمبر/أيلول) عن تخصيص 7 مليارات دولار كحزمة دعم للقطاع الخاص من أجل استيعاب 75 ألف خريج إماراتي، مع تكفل الحكومة بدعم رواتبهم.

لكن التوطين قد لا يكون الرد على فجوة المواهب التي تحرص الحكومة على معالجتها من خلال سلسلة من الإجراءات.

فهناك نوع معين من المواهب ترغب الدولة في استقطابها، وهي المواهب التي تمت صقلها خارج حدودها المقيدة للإبداع.

فلا يمكن تعزيز المواهب إلا في بيئة مواتية للتعلم والابتكار والإبداع، وهي بيئة لا يمكن لأي دولة عربية في الوقت الحالي توفيرها أو الحفاظ عليها.

لقد حان الوقت للاعتراف بأن جنون الارتياب الذي عصف بالبلاد، في أعقاب ثورات "الربيع العربي"، كانت له آثار ضارة على قطاع التعليم العالي بالإمارات.

فإضافة إلى التحديات الهيكلية الموجودة مسبقا، والتي أعاقت تطوير قطاع تعليم عال قوي لفترة طويلة، مثل التدقيق المبالغ عامة في خلفيات الأكاديميين المستقدمين، والذين بحاجة إلى تجديد تأشيرات، ودمج المؤسسات الأكاديمية، فإن القطاع لم يواكب التضخم.

وفي حين أن طبيعة الأكاديميين الدوليين الترحل بشكل عام، فإن عددا كبيرا منهم يغادرون البلاد باستمرار للاستفادة من حوافز اقتصادية وبيئات معيشة أفضل.

لكن المكافأة (الحافز المادي) ليست عامل الجذب الوحيد.

فقد كانت العملية الطويلة والمرهقة للحصول على تصاريح أمنية لاستضافة أو توظيف الأكاديميين أمرا معيقا أيضا.

كما لا يمكننا الادعاء بأننا نتطلع إلى الابتكار والإبداع من خلال تقليص الوظائف الأساسية للتعليم العالي. فبالنسبة لدولة ذات طموحات عالمية، فقد عزلت القطاع الأكثر أهمية.

قد ينجح استقطاب المواهب الأجنبية بشكل مؤقت؛ فالموهبة هي سلعة متنقلة بعد كل شيء.

لكن المواهب المستوردة تحتاج إلى البيئة المناسبة لتزدهر.

وكانت الدولة متوقفة على أمل كاذب في أن تتمكن من استيراد مؤسسات أكاديمية عالمية المستوى وأكاديميين مخضرمين يمكنهم تقديم تعليم خالٍ من الأيديولوجيا، والذي سيحقق نفس النتائج كما يحدث في الاقتصادات المتقدمة.

لكن توجهها المندفع نحو جذب المواهب الأجنبية يشير إلى أنها ربما توصلت إلى نتيجة منطقية مفادها أنه لا يمكن تعزيز المواهب في ظل بيئتها التقييدية.

وهذا يترك الإماراتيين في وضع غير موات بشكل خاص.

وبينما تتمتع الجامعات الخاصة والفروع الجامعية بدرجة أعلى نسبيا من الاستقلالية، فقد تم تنظيم الجامعات الحكومية بشكل مفرط وتوجيهية للغاية في تعليماتها.

وتواصل المؤسسات الخاصة تقديم تعليم مخصص في الغالب للمغتربين.

إذ يخلق التواجد الأجنبي في الدولة الطلب على التعليم الجيد، والذي يمكن قياسه مقابل قدرة الطلاب على تأمين القبول للدراسات العليا في المؤسسات الخارجية في الغرب.

نفس المطلب غائب في المؤسسات الحكومية، التي تم تقليص وظيفتها إلى بناء المواطن بدلا من رعاية المواهب.

ربما حان الوقت لوزارة التربية والتعليم لإعادة التفكير في رؤيتها لما بعد النفط، والاستراتيجية غير الفعالة للحفاظ على نظام مزدوج للتعليم العالي ساهم في خلق مشكلة بطالة لكل من الخريجين الإماراتيين والمقيمين.

المصدر | LSE’s Middle East Centre Blog/ميرا الحسين- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات المواهب الأجنبية البطالة في الإمارات التعليم العالي في الإمارات

استقطاب الكفاءات والمحافظة عليها من أبرز تحديات الرعاية الصحية في الإمارات

بن سلمان يلعب بالورقة الدينية في ساحة التنافس على تجنيس الموهوبين