مجزرة صامتة.. الجوع ينتشر في تيجراي ويهدد الجميع

الجمعة 24 سبتمبر 2021 05:02 ص

خلف ضجيج الأسلحة، يتقدم الجوع بصمت في منطقة تيجراي (شمالي إثيوبيا) التي تهزها الحرب منذ أكثر من عشرة أشهر، وحيث تقول أمهات إنهن اضطررن لإطعام أطفالهن أوراق الشجر لإبقائهم أحياء.

وتشق تلك النساء طريقهن بين مواقع المعارك بحثا عن مساعدات غذائية، فيما يشاهدن علامات سوء التغذية لدى أطفالهن: الخمول والطفح الجلدي وفقدان الشهية من بين علامات أخرى.

وتتزايد هذه الأعراض وتنذر بالأسوأ، وفق وثائق داخلية وصور لوكالة إنسانية، توضح بالتفصيل الوفيات بسبب المجاعة في منطقتين.

وتنقل وثائق الوكالة شهادة لأم طفلة تبلغ عشرين شهرا من مدينة أديغرات تقول فيها: "قبل الحرب، كانت ابنتي بصحة بدنية وعقلية جيدة (...) انظر إليها الآن. لقد فقدت شهيتها لأسابيع ولا يمكنها المشي، لقد فقدت ابتسامتها".

وأتاحت الوكالة الإنسانية الوثائق بشرط عدم الكشف عن اسمها، خوفا من عقوبات تفرضها الحكومة الإثيوبية التي أوقفت نشاط العديد من المنظمات غير الحكومية.

ومرت نحو ثلاثة أشهر منذ أن نبهت الأمم المتحدة إلى أن 400 ألف شخص في تيجراي "تجاوزوا عتبة المجاعة".

وازداد مذاك الوضع سوءا في المنطقة الواقعة في شمال إثيوبيا والخاضعة وفق الأمم المتحدة لـ"حصار فعلي" يمنع وصول غالبية المساعدات الإنسانية.

وبعد أشهر من القتال والمذابح التي خلفت آلاف القتلى، يخشى الأطباء موجة وفيات جديدة نتيجة مجاعة مماثلة لتلك التي عاشتها إثيوبيا في الثمانينات.

وقال مدير الأبحاث في مستشفى ايدر في ميكيلي عاصمة تيجراي "هايلوم كيبيدي"، إن ما يجري "مجزرة صامتة".

وأضاف أن "أسوأ ما في المجاعة هو أنك سترى الناس يحتضرون، لكنهم لن يموتوا على الفور. يستغرق الأمر وقتا، تضعف أجسادهم تدريجيا. ذلك أسوأ من الموت رميا بالرصاص".

وبدأ القتال في نوفمر/تشرين الثاني في تيجراي بعد أن أرسل رئيس الوزراء "آبي أحمد علي"، حائز جائزة نوبل للسلام لعام 2019، قوات لإطاحة السلطات الإقليمية المنبثقة من جبهة تحرير شعب تيجراي، التي اتهمها بتدبير هجمات على معسكرات الجيش الفدرالي.

وحال القتال دون حصد المحاصيل في منطقة تعاني أصلا انعدام الأمن الغذائي، وازداد الوضع سوءا مع منع وصول المساعدات الغذائية ونهبها.

وقد استعادت الجبهة السيطرة على أغلب تيجراي نهاية يونيو/حزيران.

وانسحبت عندها معظم القوات الفدرالية، وأعلن مكتب "أبي أحمد" وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية.

لكن القليل جدا من المساعدة وصل إلى تيجراي، وأعلنت الولايات المتحدة تسليم أقل من 10% من الإمدادات الضرورية الشهر الماضي.

ويتهم القادة الفدراليون، جبهة تحرير شعب تيجراي، بعرقلة الوصول إلى شمال البلاد، نتيجة هجماتها الأخيرة في منطقتي عفر وأمهرا المجاورتين لتيجراي.

من جانبها، أكدت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، أن مئات شاحنات المساعدات الإنسانية "لم تعد" من تيجراي.

وصرح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية هذا الأسبوع، بأن "الولايات المتحدة منزعجة من التقارير التي تتحدث عن موت الناس جوعا في إثيوبيا".

وأضاف أن "الوصول البري والجوي إلى جانب الكهرباء والاتصالات والبنوك وإمدادات الوقود ضرورية للسماح بإيصال المساعدات، وهو ما ترفض اتاحته الحكومة الإثيوبية، ما يعد علامة على حالة حصار".

ووقّع الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، الجمعة، أمرا تنفيذيا يسمح لإدارته بفرض عقوبات على أطراف النزاع إن لم يلتزموا بحل تفاوضي.

وفي مستشفى آيدر نقص في كل شيء، وما لا يقل عن 50 طفلا هم في العناية المركزة بسبب سوء التغذية لكن الأطباء عاجزون عن مساعدتهم وفق "هايلوم".

ويضيف الطبيب: "اعتدنا توفير الغذاء لهؤلاء الأطفال، لكن نفدت الأدوية ومخزون الطعام. لا يمكننا مساعدتهم".

ووصلت أول شحنة مساعدات إنسانية للاتحاد الأوروبي إلى ميكيلي في 11 سبتمبر/أيلول، ضمنها أغذية للأطفال الذين يعانون سوء التغذية.

لكن السلطات الإثيوبية استولت على جزء من الأدوية قبل السماح بإقلاع الطائرة من أديس أبابا، وفق تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

ويوضح "هايلوم" أن الأطباء والممرضات لا يستطيعون حتى استخدام رواتبهم بسبب تعليق العمليات المصرفية ويعيشون على طبق من الشعير المحمص يسمى "كولو".

وأكد أنه حاول تنبيه وزارة الصحة التي أجابت (نعم نحن قلقون أيضا)، لكن ليس لدينا سلطة" سوى عرض الموضوع على رئيس الوزراء.

وتحدثت الإدارة الموقتة لتيجراي التي نصبها "أبي أحمد"، في أبريل/نيسان عن 8 وفيات في بلدة أوفلا.

وتأكدت في الآونة الأخيرة ثلاث وفيات أخرى في مهوني على بعد حوالى 120 كيلومترا جنوب ميكيلي، واثنتان في عدوة على مسافة حوالي 160 كيلومترا إلى الشمال الغربي، وفق وثائق وكالة الإغاثة.

ورغم تراجع القتال في المنطقة الى حد كبير في الأشهر الأخيرة، لا يزال يتعذر الوصول إلى أقسام من تيجراي.

من جانبهم، أكد قادة في جبهة تحرير شعب تيجراي، وفاة 150 شخصا جوعا في أغسطس/آب، وأن مليونا آخرين "يواجهون خطر مجاعة قاتلة"، وهي أرقام تعذر التحقق منها.

وقدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في يوليو/تموز، أن أكثر من 100 ألف طفل قد يعانون سوء التغذية القاتل مدى الأشهر الـ12 المقبلة، أي عشرة أضعاف المتوسط السنوي.

ويخشى العديد من سكان تيجراي مجاعة مشابهة للتي حدثت في الثمانينات ونجمت أيضا عن نزاع داخلي وأودت وفق الأمم المتحدة بنحو مليون شخص.

المصدر | أ ف ب

  كلمات مفتاحية

تيجراي الجرب في إثيوبيا الجوع أزمة إنسانية

عقوبات أمريكية على رئيس الأركان الإريتري بسبب الانتهاكات في تيجراي

مجلة: صواريخ صينية وطائرات إيرانية وصلت إلى أطراف الحرب في إثيوبيا

تحقيق: إثيوبيا سخرت طيرانها التجاري لنقل الأسلحة خلال حرب تيجراي