هل سيكون الانسحاب من سوريا خطوة بايدن التالية؟

السبت 25 سبتمبر 2021 12:32 م

أدى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان لتوتر حلفاء الولايات المتحدة الأكراد في شرق سوريا، لكن البيت الأبيض سرعان ما طمأن "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية بأنه لن يبدأ عملية انسحاب مماثلة في سوريا، لكن هل يمكن الوثوق بالرئيس الأمريكي "جو بايدن"؟

فقد كانت هناك تأكيدات مماثلة من إدارة "ترامب" قبل أن تسحب فجأة أكثر من نصف قواتها في عام 2019 وتعطي الضوء الأخضر لغزو تركي. كما صمتت واشنطن في الآونة الأخيرة، عندما قتل العديد من مقاتلي "قوات سوريا الديمقراطية" في هجمات تركية في أغسطس/آب.

وبالتالي، فإن انسحاب "بايدن" من كابل (والذي أعطى الأولوية لإنقاذ الأرواح الأمريكية) سيؤدي إلى زيادة المخاوف لدى "قوات سوريا الديمقراطية"، بأن الولايات المتحدة قد تتخلى عنهم قريبًا.

ومع الانسحاب من أفغانستان وتشكيل تحالف "أوكوس" الأخير، أشار "بايدن" بوضوح إلى أن منافسة القوى العظمى - لا سيما احتواء الصين - هي مصدر القلق الرئيسي لبلاده، وهذا يعني إنهاء إرث "الحروب الأبدية" الأمريكية ضد الإرهاب، بما يشمل أفغانستان وربما سوريا.

ويبدو أن واشنطن باتت تفضل مواجهة "الجماعات الإراهابية" من خلال الضربات من على بُعد، مثلما يحدث في اليمن وباكستان وأماكن أخرى. لذلك قد يرى "بايدن" أنه لا حاجة لاستخدام قوات على الأرض في سوريا لمنع إعادة ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية".

ضغوط الانسحاب أقل

لم يكن "بايدن" أبدًا مهتما كثيرا بسوريا، وبينما وافق على الحملة المناهضة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، فقد عارض التورط الأوسع في النزاع عندما كان نائب الرئيس في عهد "باراك أوباما"، وهناك بالفعل تلميحات بأنه قد يتخذ خطا أكثر ليونة مع "بشار الأسد"، حيث أعفى مؤخرا صفقة غاز مصرية إلي لبنان عبر الأردن وسوريا من عقوبات قيصر الأمريكية، وهكذا فإن القوات الأمريكية التي ظلت في شرق سوريا لحرمان "الأسد" من النفط قد لا يصبح لديها الدافع القوي الذي كان لديها من قبل.

ومع ذلك، فإن هناك أسبابًا قد تدفع "قوات سوريا الديمقراطية" للتفاؤل. فبالرغم أن "بايدن" كان جريئًا بشأن أفغانستان،فمن المرجح أن يكون حذرا من جذب المزيد من التغطية الإعلامية السلبية عبر التخلي عن حليف آخر قريبا. ويعني ذلك أنه حتى لو كان "بايدن" حريصًا على مغادرة سوريا، فقد يؤجل ذلك حتى تتراجع الانتقادات التي أعقبت سيطرة "طالبا" على كابل.

كما أن العملية في سوريا أقل تكلفة بكثير من تلك الموجودة في أفغانستان؛ ففي حين أن الولايات المتحدة كان لديها 15 ألف جندي في أفغانستان في عام 2018، وانخفض العدد إلى 4 آلاف قبل الانسحاب، إلا أن لديها 900 جندي فقط لدعم لـ"قوات سوريا الديمقراطية".

كما أن سوريا لم تعد ساحة ساخنة بالنسبة للأمريكيين الآن بعد أن تم تدمير تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى حد كبير، وبالتالي تظل الخسائر الأمريكية منخفضة مما يعرض "بايدن" لضغوط أقل للانسحاب.

ثم هناك أيضًا البعد الدولي؛ حيث يريد الحلفاء الإقليميون الرئيسيون - وخاصة إسرائيل والسعودية - أن تظل الولايات المتحدة في شرق سوريا لكي تكون درعًا ضد توغل إيران. وفي المقابل، ترغب تركيا - وهي حليف آخر - في مغادرة الولايات المتحدة، لكي تتمكن من سحق "قوات سوريا الديمقراطية" دون عوائق، وهكذا لا يستطيع "بايدن" إرضاء جميع حلفائه، ولا يوجد إجماع إقليمي يضغط عليه للمغادرة.

لذلك، ففي الوقت الحالي حتى لو كان "بايدن" يفضل الخروج، فهناك القليل من الزخم الداخلي أو الخارجي الذي يدفعه للانسحاب المفاجئ. ومع ذلك، قد يتغير هذا الوضع.

وتعد الديناميات بين تركيا وروسيا في سوريا مهمة على وجه الخصوص، وما حدث في أفغانستان قد يكون له صدى هناك.

الإستراتيجية الروسية

يعد أحد أهداف روسيا طويلة الأجل هو استعادة "الأسد" للسيطرة على شرق سوريا، والذي من شأنه أن يعطي اقتصاد النظام المُحاصر قدرة الوصول إلى حقول النفط التي تشتد الحاجة إليها.

لكن على عكس "إدلب" التي يبدو أن موسكو و"الأسد" ينويان استردادها عسكريا، يبدو أن استراتيجية روسيا في الشرق ستعتمد على الإقناع، بحيث  تقبل "قوات سوريا اليدمقراطية" التسوية مع "الأسد" وتطلب من الأمريكيين المغادرة.

والواقع أن هذا لا يعد مستحيلا، فقد كان لدى "حزب الاتحاد الديمقراطي" علاقة جيدة مع كل من "الأسد" وروسيا قبل الحرب الأهلية السورية وهناك فصيل يفضل مستقبل "قوات سوريا الديمقراطية" تحت حماية دمشق وموسكو بدلا من واشنطن.

وفي السابق، عندما سمح "ترامب" لتركيا بالغزو في عام 2019، تطلعت "قوات سوريا الديمقراطية" على الفور إلى موسكو، التي توسطت بوقف إطلاق النار مقابل أن تحصل القوات الروسية و"الأسد" على مواقع في الأراضي التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية".

أولويات تركيا

تساعد أنشطة تركيا أيضًا روسيا في دفع "قوات سوريا الديمقراطية" لتغيير انحيازاتها، وذلك في ظل اعتبار أنقرة أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" هو مصدر قلقها الأول في سوريا، فيما تتراجع أهمية هزيمة "الأسد" والدفاع عن المعارضة على قائمة الأولويات.

وفيما تكافح تركيا للسيطرة على مقاتلي إدلب وتتعرض للإحباط بفعل الغارات الجوية الروسية هناك، فإن جبهة القتال مع "قوات سوريا الديمقراطية" في الشرق، تعد واحدة من المجالات القليلة التي شهدت نجاحًا تركيًا.

ونتيجة لذلك، صعدت تركيا هجماتها على مواقع "قوات سوريا الديمقراطية"، إما بالطائرات المسيرة أو باستخدام وكلائها من المتمردين السوريين. وفي كل مرة تفعل ذلك وتفشل واشنطن في الرد، فإنها تعزز الأدلة التي تدعم ادعاء موسكو بأن روسيا وحدها هي التي يمكنها حماية "قوات سوريا الديمقراطية" من تركيا.

وقد تكون أنقرة في الواقع منفتحة على نوع من الاتفاق النهائي بين "الأسد" و"قوات سوريا الديمقراطية" وروسيا، طالما أن ذلك يعني في نهاية المطاف نزع سلاح "حزب الاتحاد الديمقراطي" أو تحييده.

فرصة روسيا وتركيا

وهكذا، تشعر كل من موسكو وأنقرة بأن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان زاد من فرصهما في الحصول على ما يريدانه.

فبالنسبة لتركيا، يشير ذلك إلى تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة، ما قد يجعل واشنطن تغض الطرف عن غارات أنقرة على مواقع "قوات سوريا الديمقراطية"، بل قد تتطور الأمور إلى انسحاب أمريكي سريع ومفاجئ.

أما بالنسبة لـ"فلاديمير بوتين"، فقد منحه "بايدن" قدرة زرع شكوكا في أذهان قادة "قوات سوريا الديمقراطية". وحتى لو لم يكن لدى البيت الأبيض خطط لمغادرة شرق سوريا على الفور، فستحاول كل من روسيا وتركيا استغلال تداعيات ما حدث في أفغانستان لتعزيز أهدافهما والتي قد تسرع في نهاية المطاف بالانسحاب الأمريكي على أي حال.

المصدر | كريستوفر فيليبس/ ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الانسحاب الأمريكي أفغانستان سوريا روسيا تركيا قوات سوريا الديمقراطية

أمريكا تقصف فصائل مدعومة من إيران في سوريا والعراق

و.س. جورنال: 5 وكالات أمريكية تحقق بالانسحاب الكارثي لإدارة بايدن من أفغانستان

لماذا لم تنسحب القوات الأمريكية من سوريا حتى الآن؟