وفقًا للبيانات المسربة في "وثائق باندورا"، فقد اشترى العاهل الأردني الملك "عبدالله الثاني"، سرًا، منازل فاخرة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتجاوز قيمتها الإجمالية 100 مليون دولار.

وقد يبدو ذلك طبيعيًا إلى حد ما بالنسبة لحاكم عربي، لكن الأردن يختلف عن دول الخليج الغنية حيث يفتقر إلى احتياطيات النفط والموارد المائية الكافية ويعيش حوالي 16% من سكانه في فقر.

ويعتمد الاقتصاد الأردني بشكل كبير على المساعدات الخارجية التي يتلقى الأردن الكثير منها من أجل دعم ملايين اللاجئين الذين فروا من الصراعات المتتالية التي هزت الشرق الأوسط (الفلسطينيون والعراقيون والسوريون على وجه الخصوص)، وقد مال ملوك الأردن إلى تجنب التباهي بالثروة بعكس ملوك الخليج.

ويتناقض الكشف عن امتلاك العاهل الأردني لعقارات في ماليبو ولندن وأسكوت (بعض أغلى العقارات في العالم) مع جهوده لتكوين صورة عن نفسه كقائد مسؤول. ويظهر الملك "عبدالله" وزوجته الملكة "رانيا" وأطفالهما الأربعة بشكل متكرر على وسائل التواصل الاجتماعي كعائلة عادية. وتميل صفحة الملكة "رانيا" على الإنستجرام إلى تسليط الضوء على عملها الخيري، وكذلك صور عائلتها بملابس غير رسمية.

بالإضافة إلى ضرورة تجنب مظاهر الثروة أمام السكان الذين يعانون من ضائقة، فلا يمكن إغفال حقيقة أن الملك "عبدالله" كافح لملء مكان والده الملك "حسين" الذي حكم الأردن من عام 1952 إلى 1999. ومر "حسين" عبر العديد من التحديات، بما في ذلك حربين مع إسرائيل في 1967 و1973، وحرب أهلية قصيرة ضد منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1970، ومعاهدة سلام نهائية مع إسرائيل أثارت عداوة شعبه لكنها كانت تكسبه ملايين الدولارات سنويًا من المساعدات العسكرية الأمريكية.

ويُذكر الملك "حسين" باعتزاز في الأردن كرجل شعبي وأردني حقيقي. في المقابل، يشبه "عبدالله" والدته البريطانية أكثر من والده. وعلى عكس الراحل "حسين"، يفضل "عبدالله" عمومًا الظهور بالزي العسكري بدلاً من الزي الأردني التقليدي.

وتمثل "وثائق باندورا" أحدث تحدٍ لملك الأردن، فقد قضى فيروس "كورونا" على صناعة السياحة المربحة في الأردن، وارتفعت معدلات البطالة. وفي مارس/آذار، توفي 7 مرضى بفيروس "كورونا" في مستشفى بمدينة السلط بسبب نقص الأكسجين، ما أثار احتجاجات ضد الحكومة التي عجزت عن توفير شيء أساسي، وسط إحباط عام من الانكماش الاقتصادي.

وفي خضم ضغوط فيروس "كورونا"، شهد أبريل/نيسان 2021 محاولة انقلاب مزعومة أسفرت عن فرض الإقامة الجبرية للأخ غير الشقيق للملك الأمير "حمزة"، واعتقال 2 من الشخصيات البارزة المقربة من العرش.

وقد أرسل الأمير "حمزة"، الذي كان وليًا للعهد حتى حل محله ابن "عبدالله" البالغ من العمر الآن 27 عامًا، مقطع فيديو بثته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، حيث قام بتوبيخ النخبة الأردنية بتهمة الفساد لكنه لم يذكر اسم "عبدالله" على وجه التحديد. وظهر "حمزة" في الفيديو أمام صورة والده المرحوم "الحسين" الذي يشبهه، وقال إن "الأردنيين فقدوا الأمل". ومع ذلك، بعد الإقامة الجبرية، لم يقم "حمزة" بمحاولات إضافية للفت انتباه وسائل الإعلام.

ومن الجدير بالذكر أن وسائل الإعلام الأردنية، التي يسيطر الملك على معظمها، لم تتحدث عن الكشف المتعلق بحيازات الملك الأجنبية. وبدلاً من ذلك، التقى الملك بالعديد من الشيوخ والوجهاء يوم الإثنين ليقول إنه "لا يوجد شيء يخفيه" وأن "هناك حملة ضد الأردن"، ربما في إشارة إلى مزاعم بأن السعودية كانت متورطة في مؤامرة الفتنة في أبريل/نيسان.

ويعد الملك "عبدالله" واحدا فقط من العديد من القادة والنخب العالمية الذين تم الكشف عن معلومات مثيرة حولهم في "وثائق باندورا". وتعد التقارير التي نشرها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين جزءا بسيطا من 2.94 تيرابايت من البيانات (يمكن لـ 1 تيرابايت تخزين ما يقرب من 4.5 مليون كتاب إلكتروني من 200 صفحة). وقد سبقتها "وثائق بنما" لعام 2016 و"وثائق برادايز" لعام 2017، والتي كشفت أيضًا عن محاولات الأثرياء والمشاهير للتهرب من الضرائب.

وما تزال الولايات المتحدة أكبر مصدر للمساعدات الخارجية للأردن، يليها البنك الدولي والاتحاد الأوروبي ودول الخليج الثرية المختلفة، التي تعتمد على الأردن لإيواء اللاجئين ومنعهم من محاولة دخول أوروبا أو الخليج.

وبالرغم أن الملك ربما أساء استخدام بعض الأموال المخصصة لدعم السكان النازحين، فمن غير المرجح أن تخفض أي من هذه الدول مساعداتها نتيجة لتسرب البيانات. لكن ثقة الأردنيين المهزوزة في الملك "عبدالله" قد تعرضت لضربة أخرى.