هل تستطيع إيران الاعتماد على الشرق في صراعها مع الغرب؟

الخميس 28 أكتوبر 2021 10:36 م

كانت كلمات الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي"، في مؤتمر صحفي بعد فوزه في الانتخابات، واضحة: "لن نربط الظروف الاقتصادية والمعيشية للشعب بالمفاوضات، ولن نسمح بإطالة أمد المفاوضات".

وبعد العضوية الكاملة لإيران في "منظمة شنغهاي للتعاون" أصبحت استراتيجية إيران نحو الشرق حقيقة واقعة. وعندما تولى "رئيسي" منصبه أوضح أنه على عكس الرئيس السابق "حسن روحاني" لن يسعى للتفاوض مع الغرب وبدلا من ذلك سيواصل علاقات أوثق مع الصين وروسيا.

وخطى "رئيسي" خطوات كبيرة لإبعاد سياسته الخارجية عن سياسة سلفه. ويمكن رؤية الأمثلة الأكثر وضوحا لهذا التغيير في إصرار "رئيسي" على الاستقلال عن الغرب وتعطيل المفاوضات مع مجموعة "5 + 1" لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.

سياسة متغيرة

واكتسب التوجه نحو الشرق قوة دفع خلال رئاسة "أحمدي نجاد" قبل نحو 16 عاما. وتتغذى تلك السياسة على خيبة الأمل الكبيرة من الغرب بعد عدة جولات من المفاوضات في عهد الرؤساء "هاشمي رفسنجاني" و"محمد خاتمي" و"حسن روحاني". والأهم من ذلك أنها تحظى بدعم قوي من المرشد الأعلى آية الله "علي خامنئي".

وأيد "خامنئي" هذا التوجه خلال حديث مع نخب الدولة، قائلا: "يجب أن ننظر إلى الشرق؛ فالنظر إلى الغرب وأوروبا ليس له تأثير علينا سوى المماطلة والمتاعب. هناك دول في الشرق يمكنها مساعدتنا ويمكننا التفاعل معها على قدم المساواة. نحن نساعدهم وهم يساعدوننا".

ويعود دعم المرشد الأعلى لـ"رئيسي" في التوجه نحو الشرق إلى الذكريات المريرة للمفاوضات مع الغرب والتذكير بالتقلب الغربي كما يتضح من انسحاب "دونالد ترامب" من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/أيار 2018.

وبالنسبة لإيران، فإن سياسة "التوجه إلى الشرق" ستحقق 3 مكاسب رئيسية.

أولا وقبل كل شيء الحد من آثار العقوبات وتخفيف الوضع الاقتصادي السيء لإيران.

وأدى انسحاب "ترامب" من خطة العمل الشاملة المشتركة إلى إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الإيراني. وفي غضون 3 أعوام تراجعت قيمة العملة الوطنية 8 مرات، وتواجه البلاد تضخما بنسبة 45.5%. وأدت العقوبات التي فرضتها إدارة "ترامب" إلى عزل طهران تماما وتقليص بيع النفط الإيراني. وتحتاج إيران بشدة إلى الاستثمار الأجنبي الذي خسرته منذ عام 2018. كما تحتاج صناعة النفط والغاز الإيرانية إلى 200 مليار دولار من زجل التطوير اللازم لمواصلة أنشطتها.

وأدى تدهور الوضع الاقتصادي إلى عدة أعمال شغب في طهران ومدن أخرى في إيران. ويمثل انتخاب "رئيسي" الأمل الأخير للشعب لحل مشاكل البلاد الاقتصادية. وإذا فشل "رئيسي" في حل المشاكل الاقتصادية بدعم من المرشد الأعلى فمن المرجح أن تواجه البلاد احتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة. ولا يريد "رئيسي"، الذي شهد عجز حكومة "روحاني" عن حل المشاكل الاقتصادية للشعب من خلال المفاوضات مع الغرب، تكرار تجربة "روحاني"، لذا فقد مد يده إلى الشرق.

ثانيا الاستفادة من القوة الدبلوماسية لموسكو وبكين 

وتتمتع الصين وروسيا بسياسات خارجية مستقلة ومعادية لأمريكا ويسعى كلاهما إلى إقامة شراكات مع الدول ذات التفكير المماثل. وبالنظر إلى سعي إدارة "بايدن" للحد من النفوذ الصيني والروسي في الساحة الدولية يأمل "رئيسي" في الاستفادة من التنافس بين الكتلتين وأن يلعب أحدهما ضد الآخر لصالح إيران.

ثالثا زيادة نفوذ إيران الإقليمي عبر جيرانها خاصة الدول العربية في منطقة الخليج.

ويقول "رئيسي" الآن إن الأولوية ستكون لإقامة علاقات أوثق مع الدول المجاورة وفي جميع أنحاء آسيا. وفي حين أن هذا قد يبدو مجرد استمرار لسياسات عهد "روحاني" إلا أنه تحول حاسم في الدافع. فبينما أعطى "روحاني" الأولوية للعلاقات مع الجيران بدافع الضرورة، يتبع "رئيسي" نفس السياسة لأنه يفضلها. وتعد المحادثات الأخيرة بين السعودية وإيران، التي بدأت في العراق في أبريل/نيسان، جزءا من هذا التغير.

وأدركت دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة السعودية، أن إدارة "بايدن" أقل حرصا على إقامة علاقات وثيقة معها، لذلك اختارت بدء حوار مع إيران. وأظهرت حقائق الصراع الإقليمي في اليمن وسوريا ولبنان أن دول الشرق الأوسط لم تعد قادرة على متابعة طموحاتها ويجب عليها الاعتراف بالمصالح المتبادلة بين بعضها البعض. لهذا السبب أعرب الملك "سلمان"، في خطابه في الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، عن أمله في استمرار المحادثات المباشرة مع إيران.

مستقبل علاقات إيران مع الصين وروسيا

وفي النظام الدولي، تتحرك الدول وفقا لمصالحها الوطنية. ويشكل الحفاظ على المصالح الهدف الأسمى، وبالتالي لا يمكن لأي بلد أن يظل صديقا أو عدوا طوال الوقت. ولطالما اتبعت الصين وروسيا هذه السياسة تجاه إيران، لذلك وجدت طهران نفسها وحيدة في أوقات الأزمات. والحقيقة هي أن روسيا والصين تجنبتا دائما التصعيد العسكري مع الولايات المتحدة وحاولتا حل خلافاتهما مع واشنطن من خلال الدبلوماسية. لهذا السبب لا يمكن لإيران الاعتماد عليهما لمواجهة العقوبات والسياسات الأمريكية.

وتتلخص مصالح الصين فيما يتعلق بإيران في زيادة العلاقات الاقتصادية وزيادة التجارة. وتزايدت مخاوف الصين من النزعة "المعادية للغرب" في طهران خلال فترة "أحمدي نجاد"، لذلك عارضت عضوية إيران الكاملة في "منظمة شنغهاي للتعاون" لأكثر من عقد من الزمان.

وتحقق روسيا مكاسب استراتيجية أمام الغرب من خلال اللعب بورقة إيران. واستغرقت موسكو عقدين من الزمن لبناء محطة بوشهر للطاقة النووية وأخذت مبالغ كبيرة من إيران بما يتجاوز ما تم الاتفاق عليه. وفي سوريا أيضا تسمح روسيا للطائرات الإسرائيلية بمهاجمة مواقع الميليشيات المدعومة من إيران ولم تفي بوعودها للعمل مع طهران لتطوير لقاح "سبوتنيك" للوقاية من "كوفيد-19".

وهكذا يبدو أن التحول إلى الشرق وحده لا يمكن أن يفي بأهداف السياسة الخارجية الإيرانية. وتنظر روسيا والصين إلى إيران من منظور المصلحة الذاتية وسوف تتخليان عن طهران في أوقات الأزمات.

وترى إيران أن التوجه نحو الشرق وسيلة ضغط ضد الولايات المتحدة وتعتبر الصين وروسيا نموذجين يحتذى بهما للنظام الإيراني غير الديمقراطي لأنهما يظهران أنه يمكن تحقيق النمو الاقتصادي في غياب الحرية السياسية.

وعلى مدى العقود الـ 3 الماضية سعى "خامنئي" جاهدا من أجل استقلال إيران ويعتقد أن التوجه نحو الصين وروسيا سيؤدي إلى تحسين موقف إيران الاستراتيجي، وأنه عندما تواجه إيران الولايات المتحدة يمكن لطهران الاعتماد على دعم الصين وروسيا.ولسوء حظه، ليس هناك ما يضمن نجاح مثل هذه السياسة.

وأثبت التاريخ أن روسيا والصين لم تسعيا إلى التعاون مع إيران في أوقات الأزمات وهناك القليل من المؤشرات على أن هذا السلوك قد تغير.

المصدر | محمد سلامي/منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

محور الشرق النظر إلى الشرق سياسة إيران الخارجية الاتفاق النووي الإيراني منظمة شنغهاي للتعاون

محور إيران الجديد في آسيا الوسطى

محلل أمريكي: إيران تدفع العراق إلى نفوذ المحور الصيني الروسي