انقلاب السودان.. 4 دول تدعم البرهان وفرص ضعيفة لبقاء حكم عسكري مطلق

الأحد 31 أكتوبر 2021 09:58 ص

ما هي المؤشرات على مصير الانقلاب العسكري على السلطة الانتقالية في السودان؟ تشغل إجابة هذا السؤال اهتمامات مراقبي الشأن السوداني هذه الأيام، في ظل تباين المواقف الإقليمية والدولية والمحلية من إعلان قائد الجيش السوداني "عبدالفتاح البرهان"، الإثنين الماضي، حل مجلس السيادة والحكومة وفرض حال الطوارئ في البلاد.

فبعدما أوقف الجيش معظم الوزراء والمسؤولين المدنيين في السلطة، وعلى رأسهم رئيس الوزراء "عبدالله حمدوك"، الذي بات لاحقا قيد الإقامة الجبرية في منزله بعد الإفراج عنه من قبل قادة الانقلاب، بدا أن أرضية الانقلاب ليست بالصلابة الكاملة، سواء على المستوى الدولي أول المحلي.

وأثارت تطورات الأوضاع في السودان خلال الأسبوع التالي لإعلان استيلاء الجيش على السلطة التساؤل بشأن مصير هكذا انقلاب، خاصة مع توالي الإدانات الدولية، حيث بدا الموقف "الغربي" تحديدا رافضا لاستيلاء الجيش على السلطة بوضوح افتقده المراقبون في انقلابات مشابهة، كالذي جرى في مصر (3 يوليو/تموز 2013).

بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) أعلنت، عبر تويتر، أن رئيسها "فولكر بيرتس" وسفراء ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والنرويج والاتحاد الأوروبي والقائم بالأعمال الأمريكي التقوا "حمدوك"، في مقر إقامته، الأربعاء الماضي، ويدعمون حصوله على "حريته كاملة".

وفي اليوم ذاته، أكدت بعثة الاتحاد الأوروبي في الخرطوم، إضافة إلى سفراء 10 دول غربية أخرى، بينها أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، أنهم جميعا لا يزالون يعترفون بـ"حمدوك" كرئيس للحكومة السودانية.

وانتقد السفير البريطاني بالخرطوم "جايلز ليفر" بشدة الانقلاب ضد المكون المدني في السلطة الانتقالية، واصفا إجراءات "البرهان" بأنها "أحادية غير شرعية".

وبدا أن للسفير "ليفر" نفوذ علاقات واسعة مع أطياف الحراك المدني السوداني، ما دفع سلطات الجيش في السودان إلى إمهاله 21 يوماً لمغادرة البلاد.

رفض غربي

الرئيس الأمريكي "جو بايدن" حث، في بيان، القادة العسكريين في السودان، الخميس الماضي، على إعادة مؤسسات الحكومة الانتقالية، والإفراج الفوري عن المعتقلين، كما طالب الجيش السوداني بعدم قمع التظاهرات.

وقال "بايدن" إن "الأحداث التي وقعت في الأيام الماضية (في السودان) تمثل انتكاسة خطيرة لكن الولايات المتحدة ستواصل الوقوف مع شعب السودان وكفاحه السلمي لدعم أهداف ثورة السودان".

كما أعلنت الإدارة الأمريكية تعليقها لمبلغ 700 مليون دولار من المساعدات المخصصة للسودان، في إطار الضغوط التي تمارسها على قيادة الجيش للعودة عن انقلابها.

ولم تكتف إدارة "بايدن" بالضغط المالي، بل مدت ضغوطها على دول عربية، وصفتها بأنها تقدم دعما ضمنيا لانقلاب السودان، وهو ما عبر عنه المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي "جيفري فيلتمان"، الذي شدد، الجمعة، على أن دعم مصر والإمارات والسعودية لإجراءات "البرهان" الأخيرة "لن يفيد الخرطوم في مواجهة المشاكل الاقتصادية".

وقال "فيلتمان"، عبر برنامج "نيوزهور" على قناة "بي بي إس" الأمريكية: "السودان كان بصدد إعادة هيكلة ديون بقيمة 85 مليار دولار، لا أعتقد، أن هذه الدول، تكون قادرة على استبدال المجتمع الدولي والمؤسسات المالية في حل مشاكل البلاد الاقتصادية".

وإزاء تلك الضغوط، اضطر وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان" لإبداء موقف رافض للاستيلاء العسكري على السلطة في السودان، في اتصال هاتفي جمعه مع نظيره الأمريكي "أنتوني بلينكن" يوم الأربعاء الماضي.

وفي السياق ذاته، كشف مسؤول أمريكي بارز لوكالة "رويترز"، يوم الجمعة الماضي، أن "الولايات المتحدة ترفض تخفيف أعباء دين السودان، طالما يسيطر العسكريون على الحكم".

كذلك هدّد الاتحاد الأوروبي بتعليق مساعدته المالية، إذا لم يُعد العسكريون السلطة إلى الحكومة المدنية فوراً.

وعلق الاتّحاد الأفريقي عضويّة الخرطوم، وطالب مجلس الأمن بالدفع باتّجاه العودة إلى مؤسّسات الحكم الانتقالي التي كان يُشارك فيها المدنيّون.

وإزاء ذلك، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع بيانا يدعو إلى إعادة الحكومة المدنية في السودان

ويعود الموقف الغربي القوي ضد الانقلاب في السودان جزئيا إلى طبيعة العلاقة بين قيادة الجيش وروسيا، التي امتنعت بدورها عن انتقاد الانقلاب على المكون المدني في السلطة الانتقالية، حسبما يرى الباحث الأمريكي ومدير معهد دراسات دول الخليج "جورجيو كافييرو" في مقال نشره بموقع "Newslooks".

فالديناميات الداخلية داخل مجلس السيادة الانتقالي في السودان شكلت موقف البلاد بين الغرب وروسيا، حيث كان الجناح العسكري للمجلس أكثر حرصًا على تقريب الخرطوم إلى تحالف أوثق مع موسكو ورفع العلاقات السودانية الروسية إلى مستويات عالية، بينما سعى الجناح المدني إلى التحرك نحو الولايات المتحدة.

وأصبح السودان ذي أهمية استراتيجية لروسيا بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، إلى حد توقيع البلدين، في أواخر العام الماضي، اتفاق تعاون عسكري تقني مدته 25 عامًا لإنشاء قاعدة بحرية روسية في ميناء السودان الرئيسي، وهو أول موقع بحري روسي في أفريقيا.

واستنادا إلى الموقف الروسي من الانقلاب، يتوقع أستاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة أكسفورد "صامويل راماني" أن تقلل الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، من تعاونها مع السلطة القائمة في السودان.

الموقف المحلي

وعلى المستوى الداخلي، بدت أرضية الانقلاب غير "مؤمنة"، بالتعبير العسكري، إذ لم تؤيده سوى فصائل متمردة محددة في دارفور، وقعت اتفاقية جوبا للسلام عام 2020، ولا سيما فصيل "مني ميناوي" رئيس حركة "جيش تحرير السودان" (جرى تعيينه حاكما لإقليم دارفور قبل أشهر)، أما باقي الأطراف المدنية فقد رفضت الانقلاب.

وفي هذا الإطار، واصل السودانيون احتجاجاتهم على الانقلاب العسكري عبر التظاهرات وقطع الطرق وتنظيم حالة عصيان مدني بلغت ذروتها، أمس السبت، بمشاركة حاشدة في مليونية بالخرطوم وعدد من الولايات.

كما أن حكومة "حمدوك" المعزولة لا تزال تحظى بـ"قدرات" على التأثير، سواء في بعض مؤسسات الدولة أو عبر الاعتراف بها دوليا ممثلة عن الشعب السوداني، وهو ما عبرت عنه وزيرة الخارجية السودانية في الحكومة المعزولة "مريم الصادق المهدي" بتعليقها على عزل "البرهان" لـ6 سفراء سودانيين، قائلة: "هذا القرار غير مقبول.. وبصفتي وزيرة خارجية السودان طلبت من السفراء مواصلة عملهم كسفراء للسودان والشعب السوداني".

وأضافت أن التمثيليات الدبلوماسية الغربية في الخرطوم خاصة تلك التابعة لدول الاتحاد الأوروبي وكندا تتعامل معها كوزيرة في "حكومة شرعية".

وقدمت "مريم" التحية للسفراء والدبلوماسيين والإداريين السودانيين "الذين أعلنوا رفضهم للانقلاب العسكري، وعدم اعترافهم بأي قرارات صادرة من قائد الجيش".

ولذا خلص تقرير نشرته صحيفة "ديلي تلجراف" البريطانية إلى أن قادة الانقلاب في السودان "أساؤوا تقدير قوة منظمات العمل المدني" في البلاد، وجاءت إجراءاتهم بمثابة تحد للولايات المتحدة الأمريكية والغرب.

نظام التفافي

وإزاء معطيات الواقع المحلي والدولي، يرى مراقبون، بينهم خبيرة الشأن السوداني بجامعة نيوكاسل "ويلو بيريدج"، صعوبة استمرار انقلاب "البرهان" بصيغة عسكرية خالصة، في ظل قدرة التنظيمات المدنية على الحشد، وقوة التنظيمات والتجمعات المهنية، إضافة إلى ارتفاع منسوب التسيس لدى الجماهير، الذي قادها بالفعل إلى 3 انتفاضات مدنية في أعوام 1964 و1985 و2018-2019.

ورغم التاريخ الطويل لتوالي الانقلابات العسكرية في السودان، إلا أنها فشلت جميعا في إنهاء التعددية السياسية في البلاد.

واستنادا إلى مدى استعداد الجيش السوداني لفرض حملة قمع عنيفة (في ظل تقارير تشير لحدوث ذلك بالفعل)، يرجح تقدير معهد "ستراتفور" استمرار المعارضة للاستيلاء العسكري على السلطة عبر أشهر من المظاهرات العنيفة.

ولذا ترى" بيريدج" أن "البرهان" أخطأ في تقدير قوة الشارع السوداني، وتوقعت اتجاهه إلى تأسيس نظام حزبي التفافي على الحكم المدني، يعتمد على بقايا النظام القديم من جانب، وطبقة الانتهازيين الذين انضموا لأكثر من سلطة ذات توجهات أيدولوجية متباينة؛ لأنه سيكون من الصعب عليه التراجع الكامل عن انقلابه "بعد أن فقد الشرعية الشعبية المحدودة التي حصل عليها من دفاعه الزائف عن الثورة"، وفقا لما نقله موقع "ميدل إيست آي" البريطاني.

 ولا تتوقع "بيريدج" أن يعتمد "البرهان" على الإسلاميين "لأنه استطاع جذب المحور المصري السعودي الإماراتي نتيجة قدرته على النأي بنفسه عن الحركة الإسلامية".

السودان مقبل إذن على تطورات قد لا يرضى عنها العسكريون أو المدنيون بشكل كامل، وقد يرضى عنها بعضهم جزئيا، لكن المؤكد أن حلم الديمقراطية بات بعيد المنال في بلد يكافح شبابه من أجل هذا الحلم منذ عقود.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

السودان عبدالفتاح البرهان عبدالله حمدوك الانقلاب العسكري

هل ورط الجيش السوداني نفسه في معركة خاسرة؟