أزمة قرداحي واللعبة الخطيرة.. هل تخسر سلطنة عمان بسبب حيادها في لبنان؟

السبت 6 نوفمبر 2021 10:35 ص

حافظت سلطنة عُمان على حيادها في الخلاف السعودي اللبناني، لكن هل سيعرض هذا الموقف علاقاتها للخطر في المستقبل؟

في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تم بث مقابلة أجراها وزير الإعلام اللبناني "جورج قرداحي" مع قناة الجزيرة الفضائية. وخلال المقابلة، وصف "قرداحي" الحرب في اليمن بأنها "عبثية" و"عقيمة". كما ذكر "قرداحي"، الذي كان يتحدث في أغسطس/آب الماضي قبل اختياره وزيرا للإعلام، أن جماعة "الحوثي" في اليمن "حركة مقاومة تدافع عن نفسها ولا تهاجم أحدا".

وكما كان متوقعا، أغضبت تصريحات "قرداحي" المسؤولين في معظم دول مجلس التعاون الخليجي. فبسبب الأموال الطائلة التي وضعتها الممالك الخليجية في الدولة المتوسطية منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، يعتقد الكثيرون في دول مجلس التعاون الخليجي ببساطة أنه من غير المقبول أن يستخدم مسؤول لبناني مثل هذه اللغة لوصف الصراع باليمن.

وبحلول نهاية الشهر الماضي، وفي شكل من أشكال التضامن الخليجي العربي، تحركت البحرين والكويت والسعودية والإمارات ضد لبنان من خلال استدعاء وطرد الدبلوماسيين، وإصدار تصريحات قوية حول ضيقهم ذرعا من بيروت.

ومن المؤكد أن هذا الخلاف الدبلوماسي أكبر بكثير من توصيفات "قرداحي" للحرب في اليمن. إذ تدخل عوامل أخرى في المعادلة أيضا مثل: مواقف "حزب الله"، وتجارة المخدرات، والجرائم ضد السعوديين في لبنان. وتأتي هذه الأزمة بعد سنوات من استنتاج المسؤولين الخليجيين بمرارة أن لبنان وقع ببساطة في أيدي الإيرانيين. ومع ذلك، لا يوجد إجماع خليجي بشأن لبنان.

سويسرا الشرق الأوسط

وحسب المتوقع، اتخذت سلطنة عمان موقفا "محايدا" من أزمة تصريحات "قرداحي"؛ حيث رفضت الاصطفاف مع كتلة جيوسياسية ضد أخرى. فبينما اتخذ البحرينيون والإماراتيون والكويتيون والسعوديون إجراءات ضد لبنان، حثت عُمان على "ضبط النفس". ودعت مسقط جميع الأطراف إلى "العمل على تجنب التصعيد ومعالجة الخلافات عبر الحوار والتفاهم؛ بما يحفظ للدول وشعوبها الشقيقة مصالحها العليا في الأمن والاستقرار والتعاون القائم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".

أيضا، لم تتخذ قطر إجراءات دبلوماسية ضد لبنان. لكن الدوحة أدانت رسميا تصريحات "قرداحي" بشأن حرب اليمن، وهو ما لم يفعله العمانيون.

ويمكن للمحللين قراءة رد فعل عُمان على أنه سبب إضافي لدحض الافتراضات القائلة بأن السلطان "هيثم" من سيجري تغييرات جوهرية على السياسة الخارجية لبلاده، وأنه سيتخلى عن المبادئ الأساسية التي حددت علاقات السلطة على الساحة الدولية بين عامي 1970 و2020.

وفي حين تضمنت الإنجازات الأولية للسلطان "هيثم" في السياسة الخارجية تحسين علاقات بلاده مع الرياض وأبوظبي، لم يكن هذا على حساب علاقاتها الجيدة مع إيران. وكان رد فعل عُمان على الخلاف الدبلوماسي الخليجي اللبناني الراهن مؤشرا آخر على أن نهج مسقط في الشؤون الإقليمية، الذي اتبعته في عهد السلطان "قابوس" لا يزال مستمرا في السياسة الخارجية العُمانية.

وحول ذلك قال "نبيل خوري"، وهو دبلوماسي أمريكي سابق وزميل كبير غير مقيم في "مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط" التابع للمجلس الأطلسي، لـ"TRT World": "لقد أعطتنا عمان مثالا آخر على نهجها العام تجاه السياسة الإقليمية".

وأضاف: "العمانيون متسقون مع ذاتهم، ولا أعتقد أنهم يحاولون كسب ود أي طرف؛ فموقفهم دائما هو أن الوساطة تعد أفضل طريقة لمتابعة السياسة الآمنة وفي نفس الوقت إسداء خدمة للمنطقة".

وتابع: "إلى حد ما، تفعل قطر الشيء نفسه رغم أن الدوحة تميل إلى الأمام قليلا، وربما تنحاز أحيانا إلى جانب هنا أو هناك، في حين أن عُمان أكثر حيادية باستمرار".

السؤال الصعب

ولعل السؤال الصعب والأكثر أهمية هو: كيف سترد دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى على موقف عُمان المحايد وسط هذا الخلاف الدبلوماسي وبشكل عام؟

ويعتقد بعض المحللين أن السعودية أو الإمارات ستمارسان ضغوطا على عُمان لتتماشى بشكل وثيق مع أجنداتهما فيما يتعلق بلبنان وخارجه.

وبحسب "أندرياس كريج"، الأستاذ المساعد بكلية الدراسات الأمنية في جامعة "كينجز كوليدج" البريطانية: "سيتعين على العُمانيين تحمل تكاليف" مواقفهم المحايدة.

وأضاف: "بات من الصعب بشكل متزايد البقاء على الحياد وعدم اتخاذ موقف؛ لأن ذلك سيُنظر إليه من قبل كل الأطراف على أنه موقف غير ملتزم بالصداقة".

لكن "خوري" يرى الأمور بشكل مختلف. إذ يقول الدبلوماسي الأمريكي السابق: "سواء تعرض العمانيون للضغط أم لا، لا أعتقد أن ذلك سيفرق معهم كثيرا؛ فقد سبق أن تعرضوا لضغوط من السعودية والإمارات منذ بدء حرب اليمن ولم يتسبب ذلك في تراجعهم عن موقفهم".

وبغض النظر عن مواقف دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى تجاه لبنان، وبغض النظر عن كيف ومتى تختار هذه الممالك الخليجية إعادة العلاقات مع بيروت، يبدو أنه من الأمان افتراض أن عُمان ستظل مهتمة بعدم الانحياز لأي طرف في تلك الأزمة.

وستسعى مسقط إلى نزع فتيل التوتر، ولن يكون مفاجئا إذا استفاد العُمانيون من علاقاتهم الإيجابية مع المسؤولين اللبنانيين وجيرانهم الخليجيين؛ لدفعم إلى الحوار.

وأوضح "خوري" أن "السعودية تستثمر بكل ثقلها في خلق اصطفاف بشأن موقفها في لبنان، وأعتقد أن عُمان وآخرين يرون في ذلك لعبة خطيرة". وأضاف: "العُمانيون يفضلون -إذا استطاعوا أو إذا كانت وساطتهم مفيدة- المساعدة في تحسين الوضع".

المصدر | تي آر تي وورلد - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سلطنة عمان السعودية الإمارات البحرين الكويت قطر أزمة قرداحي لبنان

ستراتفور: أزمة قرداحي ستطول والاقتصاد اللبناني سيدفع الثمن

مرحبا بالبيان العماني.. لبنان: حريصون على أفضل علاقات مع دول الخليج

أعاصير مدمرة تنتظر منطقة الخليج.. هل تهدد الحياد الإقليمي لسلطنة عمان؟

جيوبوليتيكال: الإمارات تهدد السياسة الخارجية العمانية.. ومسقط ستتخلى عن حيادها

المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى يستهجن محاولة تجريد لبنان من هويته العربية

كارنيجي: أزمة السعودية مع لبنان مرتبطة بمأرب وليس قرداحي

وزير خارجية لبنان يهاتف نظيره العماني