ماذا وراء الأجواء التصالحية بين دول الخليج؟

الأربعاء 24 نوفمبر 2021 01:21 ص

ظهر دفء تدريجي في العلاقات الخليجية البينية خلال الأشهر العشرة التي تلت قمة العلا التاريخية التي وضعت نهاية لحصار قطر ودشنت لفصل جديد من العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي.

ومنذ ذلك الحين، أظهرت دول الخليج التزاما بترميم العلاقات وإعادة بناء جسور التعاون.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نظمت السعودية مؤتمرا ضمن "مبادرة السعودية الخضراء" واستضافت المملكة شخصيات بارزة من كل من قطر والإمارات وغيرهما من دول الخليج.

وكان من بين نتائج المؤتمر تدشين صندوق خليجي بقيمة 10 مليارات دولار لمكافحة تغير المناخ.

كما تضمن المؤتمر لقاءً رفيع المستوى بين ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" وأمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني".

وأظهرت هذه الفعاليات رغبة خليجية حقيقية في تحسين العلاقات بين دول مجلس التعاون، بالرغم من الخلافات السياسية التي أججت الاحتكاك بينها على مر السنين.

وبينما من المرجح أن تظل هذه الخلافات قائمة، فقد تبنى قادة الخليج طرقًا جديدة لمعالجتها.

وبدلاً من السماح للنزاعات الخليجية الداخلية وتضارب المصالح بالظهور علنًا، يحاول قادة الخليج تقديم صورة موحدة ومعالجة مصادر التوتر خلف الأبواب المغلقة.

وخلال الأشهر القليلة الأولى بعد رفع الحصار عن قطر، اتخذت السعودية ومصر خطوات كبيرة للإشارة إلى رغبتهما في إصلاح الخلافات مع الدوحة.

في غضون ذلك، كانت الإمارات والبحرين أبطأ في التواصل مع قطر.

ولاحقا رأت أبوظبي أن معظم دول الخليج انتقلت إلى الأمام بينما لا تزال هي عالقة في مستنقع التنافس الإقليمي والخليجي.

وفي سبتمبر/أيلول، فتحت السعودية حوارًا مع إيران في بغداد، كما أصلحت الرياض والقاهرة العلاقات مع تركيا وقطر، تاركة أبوظبي وحيدة في السعي إلى المواجهة.

ولهذا قامت أبوظبي بتحول في نهجها وسعت لتنفيذ سياسة "صفر مشاكل مع الجيران".

ومنذ ذلك الحين، سعت الإمارات إلى التقارب مع منافسيها الثلاثة (قطر وتركيا وإيران) بل اتجهت لبناء علاقات مع نظام "الأسد" الذي لا يزال يعاني من العزلة من قبل العديد من الدول العربية.

وتعكس هذه السياسة مجموعة من التكتيكات الجديدة من جانب أبوظبي لصياغة دور أقوى في المنطقة، مع اختلاف جوهري محدود عن سياستها الإقليمية بعد الربيع العربي.

علاوة على ذلك، يعتبر العامان الأخيران مرحلة استثنائية بالنسبة لدول الخليج نتيجة التحديات التي أوجدتها أزمة "كورونا" مما يساعد في تفسير موافقة أبوظبي على الانضمام إلى الرياض والمنامة والقاهرة في تحسين العلاقات مع الدوحة.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، زار نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني" ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد".

وتحدثت وسائل إعلام إماراتية عن "العلاقات الأخوية" بين البلدين الخليجيين.

وبالنظر إلى اللغة اللاذعة التي استخدمتها الصحافة الإماراتية خلال الأزمة الخليجية، فإن هذا التغيير في لهجة وسائل الإعلام في الإمارات أمر مهم.

وقبل تلك الزيارة، أجرى مستشار الأمن القومي الإماراتي "طحنون بن زايد" محادثات مع أمير قطر في الدوحة، في أول زيارة من نوعها منذ 4 سنوات.

ومع تأثر الاقتصاد بالوباء وتقلب أسعار النفط، تدرك القيادة الإماراتية أن التحديات الاقتصادية تفرض عليها استكشاف المزيد من الفرص لتحقيق تكامل أكبر مع دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك قطر. 

ويمكن أن يوفر مونديال قطر 2022 فرصة لقطاع السياحة في الدول المجاورة.

وقد أدركت الإمارات أنها لن تستفيد من هذا الحدث العالمي إذا استمرت في فرض الحصار على قطر.

وهناك عامل آخر يساهم في رغبة الإمارات في تحسين العلاقات مع قطر يتعلق بالانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان.

فقد تزايدت شكوك دول الخليج بشأن التزام واشنطن بأمن المنطقة مما دفعها للتكيف مع الظروف المتغيرة عبر السعي لتعاون إقليمي متزايد.

ومع تآكل الثقة في الولايات المتحدة وعدم اليقين حول قدرة أي قوة كبرى أخرى في أن تحل محل الولايات المتحدة بصفتها الضامن الأمني ​​لدول مجلس التعاون الخليجي، فإن تحسين العلاقات الخليجية البينية يُنظر إليه على أنه ضرورة للاستقرار الإقليمي.

ويعتبر السبب الثالث للتقارب هو فشل "الربيع العربي" الذي كان مصدرًا مهمًا للانقسام بين دول مجلس التعاون الخليجي. 

فقد تمت استعادة الحكم العسكري بالقوة في مصر؛ ومع انقلاب الرئيس التونسي "قيس سعيد" في يوليو/تموز 2021 واستيلاء الجنرال السوداني "عبدالفتاح البرهان" على السلطة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تم إخماد آخر "قصص نجاح" للاحتجاجات. 

وفي الوقت الذي قامت فيه الإمارات وقطر بإصلاح العلاقات بينهما، تحسنت العلاقات الثنائية بين أطراف أخرى في مجلس التعاون الخليجي.

وتمكنت السعودية وسلطنة عمان من حل بعض القضايا التي غذت الخلافات بينهما في السنوات السابقة.

وقد ورد أيضًا أن سلطان عمان "هيثم بن طارق"، الذي اعتلى العرش في يناير/كانون الثاني 2020 بعد 50 عامًا من حكم ابن عمه السلطان "قابوس"، يتمتع بعلاقات أفضل بكثير مع أبوظبي من سلفه، مما أدى إلى تخفيف الاحتكاك بين عمان والإمارات.

ولكن كان هناك بعض الاستثناءات في هذه الأجواء التصالحية.

فبالرغم من أن البحرين شاركت في قمة العلا وأعادت علاقاتها مع قطر، فلم تقدم المنامة الكثير لتحسين علاقاتها مع الدوحة.

ومثلما برزت المنامة باعتبارها العاصمة الخليجية الوحيدة التي لم تتعامل بجدية مع الإيرانيين في عام 2021، بدت البحرين أكثر حماسًا لإقامة علاقات مع إسرائيل من بذل الجهود لتحسين العلاقات مع الدوحة.

ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح إلى متى ستستمر روح المصالحة والتعاون الجديدة.

فبعد تعافي الاقتصاد العالمي من الوباء واستقرار الطلب على النفط، سيتحسن الوضع المالي لدول مجلس التعاون الخليجي مما يمنحها مزيدًا من المرونة لمتابعة الإجراءات العدائية ضد بعضها البعض.

ومن العوامل التي دفعت الرياض وأبوظبي لتبني النهج التصالحي قدوم إدارة الرئيس "جو بايدن" وذلك في محاولة لتقديم نفسها لواشنطن كصانعة سلام.

وإذا تم استبدال إدارة "بايدن" الديمقراطية بإدارة جمهورية مستقبلية صديقة للسعودية أو الإمارات، فقد تتغير الحسابات الاستراتيجية للرياض وأبوظبي مرة أخرى.

لهذه الأسباب، يبقى أن نرى ما إذا كان التقارب الحالي مجرد تموضع تكتيكي استجابة لتغيرات مرحلية أم أنه قابل للاستمرار على المدى الطويل.

المصدر | خالد الجابر/ منتدى الخليج الدولي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإماراتية التركية قمة العلا العلاقات القطرية الإماراتية محمد بن زايد تميم بن حمد

تعيين أول سفير قطري لمصر بعد المصالحة.. وآخرين في ليبيا وتركيا

الخلافات الخليجية.. هل تفجر استراتيجية شراء الوقت الأوضاع مجددا؟