استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الإصلاح المنشود والتغيير المستعصي

الخميس 26 نوفمبر 2015 10:11 ص

الإصلاح، هذه الكلمة السحرية التي ما برح الكثيرون يرفعونها شعارا، لا تحمل معنى محددا واحدا، بل تحمل مضامين متعددة لدى الجهات المختلفة. فإصلاح ذات البين، أي العلاقات بين الأقرباء أو الأصدقاء، أمر منصوص عليه في القرآن الكريم، حتى ورد في الحديث أن «إصلاح ذات البين أفضل من الصلاة والصيام» المستحبين وليس الواجبين.

وإصلاح القوانين والتشريعات شعارات يرفعها السياسيون خصوصا في المهرجانات الانتخابية في الدول الديمقراطية. وإصلاح الاقتصاد هم كبير لدى الاقتصاديين ووزراء المال في أغلب البلدان خصوصا حين تمر الاقتصادات بأزمات حادة. 

وفي البلدان التي تغيب الحرية عن أجوائها ولا تتوفر على نظام سياسي عصري عادل، يهتف المعارضون بالإصلاح، وتنطلق الشعارات من أفواه ضحايا التعذيب ومن الإصلاحيين المغيبين وراء القضبان. ويمكن ربط مصطلح التغيير» وهي الحالة التي يفترض أن تتمحور حولها حياة الإنسان بالإصلاح. فالتغيير لا يتوقف أبدا، على الصعيد المادي والمعنوي. 

فالإنسان يشهد تغيرات متواصلة في جسده منذ اليوم الأول لولادته حتى يوارى لحده، والمجتمعات تتغير بتوالي الأجيال، وكذلك العادات والأخلاق والقوانين والعلاقات، وحتى اللغات. فصديق الأمس قد يصبح عدو اليوم أو الغد، والحليف يتحول إلى مناويء.

ويفترض أن تكون المبادئ ثابتة لأنها تعبر عن المنظومة التي تحدد أطر «جمهورية أفلاطون» التي يسعى المصلحون لإقامتها على أنقاض دول الفساد والإنحراف. ولكي يصبح الإصلاح فاعلا فإنه يتطلب أن يكون مدعوما بالسلطات الثلاث التي تشرف على تطبيق «المبادئ». ويمكن القول أن من أهم نقاط الاختلاف بين المنظومة «الإلهية» والبشرية أن مبادئ الدين ثابتة لا تتغير، بينما تتغير ما تراه الشعوب من قيم وثوابت، بتغير الأذواق والثقافات البشرية.

ويأخذ الغربيون على الإسلام التزامه بتلك الثوابت. وفي الأسبوع الماضي اختارت الكاتبة ميلاني فيليبس لمقالها في صحيفة «التايمز» البريطانية العنوان التالي: «الهجمات الإرهابية متصلة تماما بالإسلام». هذا الافتراض يعبر أما عن جهل أو عصبية أو نية سيئة، لأن الإسلام المتفق عليه بين عموم المسلمين يرفض القتل

الجماعي غير المسؤول ويعتبره «فسادا»، نصت عليه الآية الكريمة «وإذ قال ربك إني جاعل في الارض خليفة، قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويهلك الحرث والنسل». فهذا ربط محكم بين الفساد والقتل غير المسؤول. وحرمة سفك الدماء ثابتة في الإسلام، وكذلك تكريم الله للإنسان ورفض التمثيل به (تعذيبه) لا يمكن أن يشكك أحد فيها.

العالم يبحث عن «إصلاح» المنظومة الأساسية للنظام الذي يحكمه، ويضغط منذ عقود لإحداث تغييرات بنيوية في منظومة الأمم المتحدة بإلغاء حق الفيتو للدول الخمس الكبرى، ويطالب بتمكين هذه المنظومة من التوافق حول مفاهيم عديدة كالإرهاب والحرية والعدالة وحق تقرير المصير. كما يسعى للاتفاق حول مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان بشكل خاص بعد أن اتضح غياب هذا التوافق على الأقل في جوانبه التطبيقية. 

وفي غياب هذا التوافق يستمر الجهل سمة للكثيرين، حتى الذين يعتقدون أنهم من «النخبة» المثقفة التي تسعى للتأثير على الجماهير وتوجيهها. وكشفت جريمة العدوان الأخير على فرنسا عمق هذا الجهل الذي يصبح مركبا حين يعتقد الجاهل أنه عالم بكل شيء. ولا يقل بعض علماء المسلمين جهلا عن الآخرين، خصوصا بسبب انفصال ما يحملونه من علم عن الهوية الدينية الحقيقية.

وقد ساهمت قرون من الحكم المنحرف عن قيم الإسلام ومبادئه في تكريس هذا الجهل، حتى تعددت الأصوات المطالبة بـ «إصلاح» وعي التاريخ الإسلامي وإعادة كتابته من وجهة نظر الباحثين غير المرتبطين مصلحيا بالأنظمة السياسية التي أشرفت على تدوينه.

بل إن دعاة إصلاح المنظومة الإسلامية يطالبون بتطوير علم الحديث ليصبح قادرا على استيعاب حقائق ما تزال مغيبة عن الجماهير من بينها اختلاق المئات من الشخصيات الصحابية ووضع الأحاديث زورا ونسبتها لرسول الله، وضياع أحاديث نبوية كثيرة نتيجة منع تدوين السنة النبوية ثمانين عاما. هذا الإصلاح قد يساهم في إعادة طرح المنظومة الإسلامية بما يخفف من ظواهر الجهل والتعصب التي سادت في أوساط شباب الأمة.

ولكن هذا «الإصلاح» يتطلب هو الآخر وجود رغبة حقيقية منطلقة من سلطات سياسية ترغب في إصلاح أنظمة الحكم وإعادة بناء العقل الإسلامي بما يساهم في تجاوز المفاهيم الخاطئة أما جهلا أو اعتمادا على تاريخ غير منقح أو حديث موضوع. 

هذا يتطلب «إصلاح» النظام السياسي العربي والإسلامي أيضا، الأمر الذي يجعل المهمة مركبة ومعقدة. فحين يفسد الحاكم يغيب العدل وينتهي حكم القانون.

ولا يمكن التعويل على الحاكم الفاسد لإصلاح نفسه ونظامه. ولذلك يشترط في من يكلف مهمة الإصلاح أن يكون وضعه بعيدا عن «تضارب المصالح»، فلا يمكن أن يطالب من يمارس التعذيب أو يقره أن يصوغ قوانين تعاقب الجلادين.

برغم ما يقوله بعض الغربيين أو المستغربين، فإن الإسلام نفسه لا يحتاج لإصلاح فهو لدى المسلمين، منظومة إلهية ثابتة، وما يحتاج للإصلاح أمور عديدة مرتبطة بالدين، التاريخ المرتبط به، تصرفات بعض زعمائه وعلمائه، تاريخه الذي كتبه الأقوياء خصوصا الحكام، التزوير الذي أصاب سنة رسوله الكريم، وإعادة قراءة دور علماء البلاط في التأثير على قيم الحكم والعدل ودور الأمة وشرعية الحكم. 

يضاف إلى ذلك هناك تسطيح مزعج لمفاهيم الإسلام وفقهه وتطبيق أحكامه، وفر للجهال ارتداء جلباب العلماء، الأمر الذي ساهم في التشويه والانحراف. وتكشف الأزمة التي تعيشها أمة المسلمين في الوقت الحاضر مدى سطحية فهم النص الديني من قبل المحسوبين على العلماء والنخب والمفكرين، الأمر الذي ساهم في ظاهرة التشطير والتخندق الطائفي والتشظي، ووفر فرصة لجهال القوم لاحتلال موقع الصدارة في توجيه مسار أمة قوامها أكثر من مليار إنسان.

ومع وجود الجهات العديدة المستفيدة من تهوين موقع الدين في النفوس، وتزييف الوقائع التي ترتبط به، تصاعدت ظواهر استهداف الإسلام والتخويف منه وما يسمى «إسلاموفوبيا».

الإصلاح المطلوب هنا يجب أن يخترق النفوس والصدور ويصل إلى القلوب والعقول لكي يمكن إعادة صياغة النخبة التي أسست مواقفها في الأزمة الحالية على محور سياسي واحد، متجاهلة المحاور الأخرى التي تتعرض الأمة فيها للامتحان، وقبلت نتائج ذلك التخندق، الأمر الذي فتح الباب أمام جهال الأمة لقيادتها في حرب فكرية واستراتيجية غير متكافئة.

الإصلاح ضرورة لإعادة التوازن لأمة المسلمين وإعادة صياغة العلاقات بين مكوناتها ضمن قيم الدين وضرورات التعايش والقيم الإنسانية.

هذا الإصلاح تطالب به الدول الكبرى لتطوير نفسها وتحالفاتها: فرنسا تطالب بإصلاح أنظمتها الأمنية والاستخباراتية بعد فشلها بعدم اكتشاف خطط التفجيرات الأخيرة قبل حدوثها، وإصلاح أنظمة استقبال اللاجئين، ونظام الشنغن.

بريطانيا تطالب بإصلاح الاتحاد الأوروبي كأحد شروط عدم انسحابها من المنظومة الأوروبية. أمريكا تريد إصلاحات اقتصادية وتطوير الأنظمة اللجوء.

الأمر المؤكد أن عالمنا العربي هو الأقل توجها للإصلاح، السياسي أو الاقتصادي أو الأمني. ولذلك انهارت أنظمة السيطرة على الحدود في السنوات الأخيرة وأصبح الإرهابيون قادرين على التنقل بسهولة. وانهارت الموانع التي كانت تحول دون توجه الشباب نحو العنف والإرهاب بعد أن يئسوا من القدرة على إصلاح الأنظمة السياسية بعد إجهاض ثورات الربيع العربي.

وساهم في صعود ظاهرة التطرف والإرهاب أمور عديدة من بينها دعم بعض الأنظمة لها لتصبح بديلا للحركات الإسلامية التقليدية، وعجز تلك الحركات عن إصلاح نفسها لتصبح بديلا لأنظمة الاستبداد والقمع، ورغبة بعض الأنظمة في استخدام تلك المجموعات سلاحا في معركة بسط النفوذ الإقليمي، وحالة الجهل والتجهيل الناجمة عن تحييد قطاع العلماء في معركة الإصلاح والتغيير وتحويلهم إلى أدوات في معركة النفوذ المذكورة. 

وما لم يحدث الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني فستظل البيئة مهيأة لمجموعات التطرف والعنف التي لن تنتهي بالاستهداف الأمني والعسكري فحسب. مطلوب تجفيف منابع الإرهاب بطرح مشاريع إصلاح شاملة وملء الفراغ الفكري والأخلاقي الناجم عن البطش السلطوي بالمعارضين في مرحلة ما بعد الربيع العربي. 

وأخيرا من الضرورة بمكان أن يبقى الإصلاح والتغيير عنوانين عريضين لحركات الشعوب العربية والإسلامية، لكي لا تضيع بوصلتها أو تسقط في فخ الجمود الذي يوصلها إلى ما بلغته من ضعف وخوار وتشوش.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

  كلمات مفتاحية

الإصلاح التغيير الديمقراطية الاقتصاد الفساد الإرهاب الإسلام الإنسانية

الإصلاح السياسي في الخليج: مشروع العودة إلى الإرهاب المعتدل

الأنظمة العربية وأخطار العجز عن الإصلاح

أيها الساسة.. امسحوا على «مصباح الإصلاح»!

الإصلاح السياسي.. ما المطلوب؟

القنبلة العربية الموقوتة ومخرج الإصلاح

المطالِبون بالإصلاح الديني

نظرة عامة على حركات الإصلاح