استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أيها الساسة.. امسحوا على «مصباح الإصلاح»!

الثلاثاء 4 أغسطس 2015 03:08 ص

أغدق القلقُ ببذخ على الشعوب العربية فيما مضى من أيام، وموّلهم بمشاعر الريبة والشك والإحباط تجاه مستقبل لم يكونوا قادرين على المشاركة في تلوينه أو توجيهه بطريقة تخفف عليهم ضنك العيش وعوز البهجة وبؤس الحياة، وأصيبت بعض الشرائح الاجتماعية بما أسميه بـ«الاحتباط»، فانكسر الأمل في دواخلهم وتهشم الفأل في عقولهم، وأصيب «الأمل الإصلاحي» بموت دماغي. 

أتلفت الشعوب العربية دهورا من الزمن وهي على هذه المكابدة والقلق، ثم تخلقت ظروف جديدة، كان من شأنها إلحاق الساسة العرب بـ«قنطرة القلقين»، إذ يصعب علينا راهنا معاينة ساسة غير قلقين على بلدانهم وأوضاعهم ومستقبلهم، وبخاصة أنهم افتقدوا حساسية المسحة السحرية على «مصباح الاستقرار»، أو أن العفريت لم يعد بقادر أو متحمس لحقن الفضاء العام في دولهم باستقرار يشعرهم بأمن «جواني»، ويكسب شعوبهم أمنا واستقرارا حقيقيين، فالأمور تزداد تشابكا والتهديدات باتت تتنوع وتتعاظم. فما الحل إذن؟

لا حل أمام الساسة العرب سوى المسح على «مصباح الإصلاح"، فهذا المصباح لا يعمل بعفريت قد يتمرد على الساسة لطمع أو خوف أو خيانة، بل يعمل بطاقة نهضوية تفرزها شعوب آمنت بدولها ومقوماتها وثوابتها الثقافية والسياسية.

حان الوقت للتخلص من «مصباح الاستقرار» وعفاريته الداخلية والخارجية، واستخلاص الدروس والعبر من تجارب عربية وغير عربية اكتفت بتسويق الاستقرار بوصفه المبتغى الأعظم والأسمى للشعوب، لتكتشف حجم الخراب والدمار الذي طالها. 

وأنا لست هنا في موضع التقليل من شأن الاستقرار، ولا النيل من أهميته في الحياة، ولا التهوين من المهددات المتنامية على الأمن الوطني والقومي في كثير من بلادنا العربية، وبخاصة أن الدول الغربية بقيادة أميركا تطرح ترتيبات جديدة في المنطقة مع دولة أثبت التاريخ أنها تجيد صناعة الكذب والإرهاب، وتتورط في التدخل بالشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية، بعد نجاحها في إيجاد أذرع لها.

وربما جاء الاتفاق النووي الإيراني مع الدول «5+ ليعطي إيران «جرعة إضافية» للمشاغبة السياسية وتوفير مقومات أكبر لـ«الفوضى الخلاقة» التي يُراد منها تفتيت أقطارنا العربية وإضعافها وبث التناحر والتكاره فيما بين مكوناتها الاجتماعية والدينية والطائفية والمذهبية.

الشعوب العربية تعرف ذلك أيها الأميركيون والغربيون، وتعرف الغاية التي تتوخون تحقيقها، ولا أحسبها ستكون أداة طيعة في أيديكم، مع إشارة واجبة إلى من يلعب على حبلين من جيراننا العرب (من الحكومات طبعا)، فنحن أيضا بتنا نعرفهم، ولن نمنحهم بعد اليوم ظهورنا ولا أموالنا! 

إذن، أهمية الاستقرار تزداد ولا تتناقص في أوضاع كهذه، ولكن الموضوع الذي أود التأكيد عليه هو أن الأوضاع الحالية والمستقبلية تجعل من المستحيل أو ما يشبه المستحيل تحقيق «الاستقرار الداخلي» دون تحقيق «قدر مقبول شعبيا" من «الإصلاح الداخلي»، وذلك أن الاستقرار لا يمكن البتة تحقيقه عبر الجهود الأمنية والعسكرية فقط، فرقعة التهديدات تتسع وتتنوع مع مرور الوقت، الأمر الذي يجعل من المواطن المكون الفاعل في «كيمياء الأمن الوطني والقومي»

إن مجرد خمول المواطن وضعف فاعليته في بعض السياقات المهدِدة للوطن بشكل أو بآخر يعني انفتاح ثغرات وتهديدات أمنية، ربما لا يسدها ولا يعالجها لواء كامل من الجيش أو من وحدات الأمن الداخلي. وعلى هذا يصح القول بأن الاستقرار أضحى مفتقرا إلى جملة من العوامل التي تجعل من «الإصلاح الداخلي» شرطا ضروريا لضمان «الاستقرار الداخلي»، ومن أهمها ما يلي: 

1- تماسك وتعاضد ولحمة وطنية، مما يقوي مشاعر التضحية للمحافظة على تراب الوطن وسيادته ومكتسباته، مع ما يتطلبه ذلك من الوفاء بمقومات «الدولة الأخلاقية»، ومجافاة سلوكيات «الدولة الساقطة» التي تفتقد للقدرة على شد «الجماعة" في «لحمة وطنية متماسكة» ومبررة أخلاقيا.

2- اندماج اجتماعي بين مختلف المكونات الطائفية والمذهبية والفكرية والاجتماعية، والحيلولة دون خدشه وإضعافه، مما يستوجب التقنين والتشريع لإبعاد «المتطرفين» عن تشكيل رأي عام أحادي متطرف.

3- توحد ضد الفكر الديني المتشدد الذي يفرز عنفا وإرهابا، وبخاصة أن جزءا من التهديد يتأتى من الجماعات الدينية المتشددة في السياق السلفي، سنيا وشيعيا، كمليشيات داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) والمليشيات الشيعية، ولا سيما بعد نجاحها في زرع خلايا كثيرة داخل بلداننا العربية، مع ثبوت أن تحريك أكثرها بات بما يشبه «الريموت كنترول».

4- وعي عال بالتهديدات الحالية والمحتملة والتصدي لها بما يجب، تربويا وفكريا وإعلاميا وأمنيا، على أننا نشدد على أن هذا الوعي له مكونات تتجاوز «البعد المعلوماتي» الذي يركز عليه البعض، إذ ثمة مكونات نفسية ووجدانية لا يمكن تركيبها في النفس البشرية دون ملامسة أبعاد محددة، وعلى رأسها «الحقوق الواجبة للمواطنين».

5- توازن ورشد في الإنفاق ومحاربة صارمة لـ«الفساد الكبير»، وذلك أن الشهور القادمة ستشهد مزيدا من الانخفاض في الإيرادات الحكومية من النفط والسياحة وغيرهما، مع تورط الدول الغربية بلعبة استنزاف موارد الدول العربية الغنية على وجه التحديد من أجل إضعافها وتعسير مهمة تطبيق فرضية «مقايضة الحريات والمشاركة السياسية بالرفاه الاقتصادي»، فهذه الدول لن تكون قادرة على مواصلة الصرف ببذخ على بعض المشاريع أو الخدمات أو الأعطيات كقوالب لتوزيع الثروة، كما كانت تفعل في الماضي، وهذا يعني أن الإصلاح الشكلاني لم يعد مجديا أو مخدرا للوجع الشعبي. 

6- تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة وتوفير مقومات الحرية، على نحو يعزز الرضا الشعبي بحصول المواطنين على احتياجاتهم الخاصة من تعليم وصحة ومسكن وبنية تحتية ونقل وخدمات، مع ضرورة تحسين الأداء الحكومي ورفع كفاءته وفاعليته، وفي ذلك تعضيد لكل ما سبق.

يتوجب على الساسة العرب إعادة النظر في الفرضيات التي يعملون بموجبها، فهي ليست ثوابت لا تنخرم، بل هي متغيرات منخرمة بفعل الزمان والمكان والإنسان، فلكل سياق فرضياته التي تخصه وتصلح له ويصلح بها. 

هاهنا نحن نعيش لحظة «الإصلاح الضرورة»، ولحظة اقتران بنيوي بين الاستقرار والإصلاح. ومثل هذا الإصلاح سيكون له انعكاسات إيجابية كبيرة، وسيضمن استقرارا صلبا وطويلا، والقول بالإصلاح الضرورة لا يعني القفز بل المشي في طريق الإصلاح والديمقراطية، فالشعوب العربية ترضى بجرعات حقيقية حتى لو لم تكن كبيرة جدا.

فمثلا، بخصوص الديمقراطية، يمكن الشروع والمبادرة في تفعيل ملموس لـ«الديمقراطية المحلية»، وتطبيق ناجع للانتخابات البلدية في المناطق مع ضخ صلاحيات أوسع للمجالس المحلية لاتخاذ ما تراه مناسبا إزاء المسائل والقرارات التنموية، وتوسيع تدريجي لهوامش مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار الاقتصادي والتنموي والسياسي عبر البرلمانات والمجالس الوطنية. 

ومن مقتضيات هذا الإصلاح أيضا العمل على تنويع مصادر الاقتصاد الوطني ورفع نسب الإنتاجية للقطاعات الأخرى، مع تخفيض الاعتماد على المنصات والأدوات الاستثمارية الأميركية والغربية، وإقامة تحالفات وتكتلات اقتصادية جديدة مع الدول الشقيقة والصديقة. 

وثمة حاجة ماسة لإعادة النظر في مساهمة القطاع الخاص ورجال الأعمال في المشاريع التنموية الوطنية، فأغلب مساهمتها هي دون الحد الأدنى، ومن الواجب حك جلودنا الداخلية والحدودية بأظفارنا الأمنية، وذلك بتأهيل الشباب في قطاعات عسكرية وأمنية، وتدريبهم في برامج «الخدمة الواجبة» وجعلهم ضمن العتاد العسكري والأمني الاحتياطي.

الساسة والشعوب في القلق سواء، أليس كذلك؟ على الساسة اليوم أن يعجلوا بالمسح على «مصباح الإصلاح»، فهم أكبر المنتفعين من ذلك، والتأخر ليس مكلفا فحسب، بل هو مربك ومعطل لتروس الاستقرار والوحدة، وباعث على تهيئة الأجواء لبرامج الفوضى الخلاقة والمشاغبات السياسية لإيران وأذرعها ومليشياتها بجانب تهديدات داعش وبقية الجماعات المتطرفة. 

التلكؤ أو التردد في هذا الزمن الشكِس مؤذن بخلخلة التناغم الداخلي وتآكل مقومات الاتحاد والتماسك، وفي ذلك نجاح لمشاريع التدمير المحتمل.. وترى البلاد تحسبها صامدة وهي تمر إلى الخراب.. ليس ثمة علاج للدمار غير المطاق سوى البدار المطاق، فتوكلوا على الله فنحن معكم، بكل ما نملك.

  كلمات مفتاحية

الشعوب العربية الإصلاح إيران الغرب الاتفاق النووي مجموعة 5 1 الدولة الإسلامية

الإصلاح السياسي.. ما المطلوب؟

القنبلة العربية الموقوتة ومخرج الإصلاح

ما موقف الجيل الشاب من القادة الخليجيين تجاه الإصلاح؟

الإصلاح المنشود والتغيير المستعصي

نظرة عامة على حركات الإصلاح