ما الدوافع التي تقف خلف تسارع التطبيع مع سوريا؟

الثلاثاء 14 ديسمبر 2021 05:28 ص

تسارع التطبيع مع سوريا بعد مرور 10 سنوات من اندلاع الحرب الأهلية وبداية عزلتها الدولية، فقد استأنف الوزراء والمسؤولون السوريون المشاركة في الاجتماعات الثنائية مع نظرائهم الإقليميين، كما تم تضمين دمشق في المحادثات حول أزمة الطاقة اللبنانية.

وعلاوة على ذلك، أثبتت سلسلة من الإيماءات الرمزية في الأشهر الماضية، أن العديد من الزعماء العرب مستعدون الآن لإعادة الانخراط مع سوريا، وكانت آخر الأمثلة على هذا الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي "عبدالله بن زايد" إلى الرئيس "بشار الأسد" في 9 نوفمبر/تشرين الثاني.

هذه التطورات مهمة بشكل خاص لأنها تشير إلى نية عدة دول عربية للمضيّ في تطبيع العلاقات مع سوريا، على الرغم من المعارضة الرسمية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وفي فترة تتسم بإعادة تعريف انخراط واشنطن في الشرق الأوسط، تصدر حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيون إعادة تأهيل "بشار الأسد".

إعادة تأهيل "الأسد"

قطعت معظم الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق في عام 2011، بعد بضعة أشهر من بداية الاحتجاجات في درعا والقمع الذي تلا ذلك من قوات النظام، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2011، تم تعليق سوريا من جامعة الدول العربية، وظلت حكومتها لأكثر من 6 سنوات معزولة تماما تقريبا على المستوى الدولي.

ولكن مع ميل كفة الحرب الأهلية لصالح النظام، بدأت بلدان المنطقة في الاعتراف بأن مستقبل سوريا سيشمل "بشار الأسد"، وبين أواخر عام 2018 وأوائل عام 2019، أعادت الإمارات والبحرين فتح سفاراتهم في دمشق.

وقام الرئيس السوداني السابق "عمر البشير" بزيارة غير مسبوقة لسوريا، وبدأ الزعماء الإقليميون في مناقشة إمكانية إعادة ضم البلاد إلى جامعة الدول العربية، ومع ذلك، فعلى الرغم من هذه الانفراجة الأولية، توقفت العملية بسبب موقف إدارة "ترامب" الصارم تجاه سوريا واندلاع جائحة "كورونا".

تسارعت عملية عودة سوريا إلى الصف العربي مؤخرا، فخلال الأشهر القليلة الماضية، استأنف الوزراء والمسؤولون السوريون عقد الاجتماعات مع نظرائهم الإقليميين، وتم دمج سوريا في المحادثات الإقليمية حول أزمة الطاقة اللبنانية.

كانت الإمارات والأردن في طليعة هذه المحاولة لإعادة تأهيل "الأسد" على الساحة الإقليمية، فمن ناحية، لعبت عَمان دورا محوريا في وضع الأساس لإدراج سوريا في صفقة الطاقة اللبنانية وبدأت دفع واشنطن لتخفيف شروط قانون قيصر، كما إن مكالمة الهاتف التي قام بها الملك "عبد الله الثاني" بالرئيس السوري في بداية أكتوبر/تشرين الأول (والتي كانت الأولى منذ 10 سنوات) مثلت دليلًا إضافيًا على تحسن العلاقات بين البلدين.

ومن ناحية أخرى، أعلنت الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول، عن اتفاق لتعزيز التعاون الاقتصادي مع سوريا، كما سافر وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق أيضًا في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، فيما تعد أول مرة منذ عقد.

وأظهرت دول أخرى في المنطقة اهتماما بإعادة بناء العلاقات مع دمشق، ففي أواخر سبتمبر/أيلول، التقى وزير الخارجية المصري "سامح شكري" بنظيره السوري على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما بدأت السعودية في النظر في مصالحة مع "الأسد".

وفي الوقت نفسه، فإن المحادثات من أجل إعادة إدخال سوريا في جامعة الدول العربية مستمرة، وتعتبر هذه الإمكانية وشيكة، وحتى الآن، كانت قطر البلد الوحيد التي عبرت عن معارضة هذه الاحتمالية، لكن مقاومة الدوحة قد لا تكون كافية لمنع تحقق هذه النتيجة.

ما محركات تسارع التطبيع؟

ساهمت عدة عوامل في تحديد زخم التطبيع مع سوريا، فأولا، ساهم تولي "بايدن" في تغيير البيئة السياسية بما يهيئ لإعادة تقبل "الأسد" في العالم العربي، حيث أصبح الشرق الأوسط أقل أولوية بالنسبة للإدارة الأمريكية، وقد اعتمد "بايدن" تجاه سوريا مبدأ عدم التدخل.

وثانيا، أصبح الانتعاش من العواقب الاقتصادية لوباء "كوفيد-19" أولوية لكل حكومة تقريبا في الشرق الأوسط، وعلى سبيل المثال، تعد إعادة بناء العلاقات مع دمشق مسألة ملحة للأردن، وهي دولة عانى اقتصادها بعمق من عواقب الوباء والانتقادات الناجمة عن وجود حوالي 650 ألف لاجئ سوري مسجل في أراضيها.

وستستفيد الشراكة السياسية والاقتصادية التي أنشأتها عَمان مع القاهرة وبغداد (فيما يسمى بتحالف الشام الجديد) على المدى المتوسط ​​والطويل من مشاركة سوريا.

وثالثا، تمثل الأزمة اللبنانية مصدر قلق للعديد من الدول العربية وخاصة بالنسبة للأردن، وقد تكون إعادة إدخال دمشق إلى الصف العربي محورية لتجديد اقتصاد لبنان المتعثر.

وأخيرا، يمثل تطبيع العلاقات مع دمشق خطوة إضافية على الطريق نحو الاستقرار الإقليمي، فيما قد يؤدي إلى فترة تتسم بانفراجة وقنوات الحوار التي أُنشأت مؤخرا بين السعودية وإيران.

مستقبل سوريا

بالنسبة للحكومة السورية، فإن التطورات الأخيرة مهمة بشكل خاص على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فهي تمثل نهاية العزلة الدولية لـ"الأسد" وفرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي بهدف إعادة الإعمار القادم، وكانت المناقشات حول صفقة الطاقة مع الأردن ومصر ولبنان خطوة حاسمة في هذا السياق.

وإلى جانب الموافقة على عودتها إلى طاولات المفاوضات الإقليمية، فقد قدمت الصفقة لدمشق فرصة لاستعادة العلاقات الاقتصادية مع بقية المنطقة.

ولكن على المستوى الفني، ما زال على المشروع أن يواجه بعض التحديات بعد 10 سنوات من الحرب وسوء الإدارة، حيث سيتعين على الحكومة السورية تنفيذ عمل مكثف لإصلاح بنيتها التحتية في الجنوب، ومع ذلك، فإن مشاركة سوريا في الصفقة دليل بالفعل على البيئة الإقليمية المتغيرة.

لكن ما يظل غير واضح في هذا السيناريو هو كيفية تفاعل الولايات المتحدة مع إعادة إدماج سوريا في الصف العربي، فمن ناحية، زودت واشنطن الملك "عبد الله" بالغطاء السياسي اللازم لدفع تطبيع العلاقات مع سوريا، ورعت بشكل غير مباشر إدراج دمشق في صفقة الطاقة اللبنانية كما تغاضت عن الخطط الأردنية والإماراتية لاستعادة العلاقات الاقتصادية مع سوريا.

ولكن من ناحية أخرى، أعربت واشنطن عن قلقها إزاء اجتماع "الأسد" ووزير الخارجية الإماراتي وأعلنت معارضتها لإعادة إدخال سوريا في جامعة الدول العربية.

حتى الآن، لم تظهر إدارة "بايدن" أي نية لإلغاء قانون قيصر، لكن عدم وجود مخاطر محددة جيدا يعزز التطبيع مع سوريا، ومع ذلك، سيعتمد مسار العملية في الأشهر التالية إلى حد كبير على ما ستقرره واشنطن.

ولكن حتى لو كانت عودة سوريا إلى الصف العربي مهمة على المستوى الدولي، فإن ذلك لن يحسن بالضرورة الوضع على الأرض، فهو لن يوفر حلا سياسيا للصراع، ولن يحدد مستقبل أكثر من 6 ملايين لاجئ غادروا البلاد على مدى السنوات العشر الماضية. وعلى المدى المتوسط، قد يحافظ التطبيع على إعادة الإعمار، لكنه لن يحل اختلال وظائف الاقتصاد السوري.

أما النتيجة الواضحة فهي أن التطبيع مع سوريا سيعزز إمساك "الأسد" بالسلطة ويمثل علامة على نهاية السعي للعدالة والمساءلة على 10 سنوات من الحرب والعنف غير المسبوق.

وفيما كانت عملية التطبيع مع سوريا حتى الآن تخص بلدان المنطقة بشكل رئيسي، إلا إن إعادة إدخال سوريا إلى شبكة الاتصالات الخاصة بالإنتربول في أكتوبر/تشرين الأول تشير إلى إمكانية حدوث خطوات أخرى على المستوى الدولي، وعلى هذه الخلفية، ربما أصبحت إعادة تأهيل نظام "الأسد" قاب قوسين أو أدنى.

المصدر | ماتيا سيرا - المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سوريا التطبيع مع سوريا الأسد عبد الله بن زايد الإمارات تحالف الشام الجديد لبنان الحرب الأهلية السورية عبدالله بن زايد

وفد للنظام السوري يزور عمان للاستفادة من تجربتها في التحول الرقمي والأمن السيبراني

معارضون سوريون: تطبيع العرب مع الأسد سيمحو مسؤوليته عن الدمار والقتل