المرزوقي وسعيّد: من يحاكم من؟

الجمعة 24 ديسمبر 2021 09:15 ص

المرزوقي وسعيّد: من يحاكم من؟

انتهى الفصل الأول من الحكاية بإصدار محكمة ابتدائية في تونس العاصمة الأربعاء حكما غيابيا بسجن المرزوقي «أربع سنوات مع الإذن بالنفاذ العاجل».

حصر سعيّد سلطات فرديّة مطلقة بيده  أي حنث عمليا بقسمه وورّط الجيش التونسيّ في السياسة وأوقف إمكانيات محاسبته برلمانيا ويعمل حاليا لإنهاء استقلالية القضاء.

بدأت رئاسة المرزوقي وانتهت بشكل ديمقراطي وسلّم الرئاسة عام 2014 للباجي قائد السبسي وخرج من القصر الرئاسي إلى بيته وكان أول رئيس تونسي ينتخب ثم يسلم السلطة بطريقة ديمقراطية.

*      *      *

شنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد، في الشهر الماضي، حملة اتهامات خطيرة ضد سلفه المنصف المرزوقي، بينها «الخيانة العظمى» و«الاعتداء على أمن الدولة الخارجي» وتعهد بسحب جواز سفره الدبلوماسي منه، وطالب وزيرة العدل بمحاكمته، فتحرّكت آلة القضاء، بتدخّل مباشر من سعيّد، وبأمر منه تنكّب أحد قضاة التحقيق بالأمر فعلا، متعهدا بإصدار بطاقة جلب دولية أيضا، وانتهى الفصل الأول من هذه الحكاية، بإصدار المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة الأربعاء الماضي حكما غيابيا يقضي بسجن المرزوقي «مدة أربع سنوات مع الإذن بالنفاذ العاجل».

تدفع هذه الحادثة الخطيرة، بالمقاييس السياسية، إلى مقارنة ضرورية بين رئيسين.

جاء المرزوقي نتيجة ثورة شعبية على نظام حكم فرديّ متسلّط، مما أدى إلى هروب رئيس النظام، زين العابدين بن علي، إلى السعودية، وظهور نظام سياسيّ بدأ التونسيون، عبره، بخطّ تاريخ ديمقراطيّ ومدنيّ جديد وكان انتخاب المنصف المرزوقي، الناشط السياسي الشهير المناهض للدكتاتورية والمدافع عن حقوق الإنسان والذي يصف نفسه بأنه «يساري علماني» رئيسا للبلاد، أحد علائم ذلك التاريخ، فقد بدأت رئاسته وانتهت بشكل ديمقراطي، حيث سلّم العهدة الرئاسية عام 2014، للباجي قائد السبسي، وخرج من قصر قرطاج الرئاسي، إلى بيته، وكان بذلك أول رئيس تونسي ينتخب ثم يسلم السلطة بطريقة ديمقراطية.

جاء سعيّد إلى السلطة عام 2019، بأجندة اجتماعية محافظة وشعبوية تعهد فيها بمكافحة الفساد، وسمح دعم حزب «النهضة» الإسلامي المعتدل، وتفضيله له على رجل الأعمال الليبرالي نبيل القروي، بالحصول على نسبة 72% من الأصوات، وبالوصول لمنصب الرئاسة، حيث أقسم، وهو أستاذ جامعي متقاعد في القانون الدستوري، على احترام الدستور، لكنه، وبعد احتجاجات شعبية في كانون الثاني/يناير 2021 على المصاعب الاقتصادية وقمع الشرطة وجائحة كورونا علّق سعيّد، بتدابير «استثنائية» كما سماها، نشاط مجلس نواب الشعب، وعزل رئيس الحكومة هشام المشيشي، وبدأ، عمليا، بحصر سلطات فرديّة مطلقة في يده، أي أن سعيّد، قام عمليا بالحنث بما أقسم عليه، وورّط الجيش التونسيّ في السياسة، ومنع وجود حكومة ذات شخصية مستقلة عن الرئيس، وأوقف إمكانيات محاسبته من قبل البرلمان، وهو يتأهب حاليا للقضاء على استقلالية القضاء.

تحوّل الرئيس التونسي الحالي، عبر استخدام القوى العسكرية والأمنية ضد المنظومة السياسية والنقابية، إلى مشروع دكتاتور ناجز، وصار مجرد انتقاده، كما توضح منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقرير حديث لها، سببا لاعتقال ومحاكمة التونسيين، بمن فيهم نواب منتخبون، أمام المحاكم العسكرية والمدنية بتهمة «الإساءة للرئيس» وهو ما يعني أن سعيّد ليس فوق المساءلة السياسية فحسب، بل إن انتقاده كشخص صار دافعا للاعتقال والمحاكمة والقمع.

بعد تدخّل الجيش التونسي في سياق دعم الانقلاب، وتحوّل الحكومة المعينة من قبل سعيّد، إلى جهاز لتنفيذ أوامره، والضعف الذي تبدّى في الطبقة السياسية التونسية، واستمرار إغلاق مجلس النواب، يبدو أن الأمل بات معقودا على تنامي الحراك الشعبيّ، على شاكلة «مواطنون ضد الانقلاب» وعلى إمكانيات حفاظ القضاء التونسي، الذي يتعرّض لهجمات سعيّد المباشرة، على استقلاليته، وعلى أشخاص ما زالوا يحملون شعلة حرية وكرامة وحق التونسيين في وجود نظام ديمقراطي يحفظ البلاد والعباد.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس، قيس سعيّد، المنصف المرزوقي، مواطنون ضد الانقلاب، الجيش التونسي،

شماتة عبدالخالق عبدالله في سجن المرزوقي تثير غضب نشطاء

قيس سعيد ينفي علاقته بقرار سجن المرزوقي

المرزوقي: فرنسا رفضت تسليمي ولا أحمل إلا الجنسية التونسية