أحداث ذكرى الثورة التونسية: منعرج خطير له ما بعده

الأحد 16 يناير 2022 05:54 ص

أحداث ذكرى الثورة التونسية: منعرج خطير له ما بعده

"النظام لم يبق له سوى القمع لفرض إرادته" لهذا "سنقاوم من أجل استعادة الديمقراطية المهددة".

تواجه تونس خطر "انهيار الدولة" في المستقبل والسلطة وجدت نفسها تواجه شارعاً من كل الأطياف الحزبية.

سقطت سردية اعتمد عليها أنصار سعيّد منذ انفراده بالسلطة وتعتمد على أن المعركة في تونس تجري بين الرئيس والإسلام السياسي.

بدا الجمعة الماضي للجميع أشبه بمحاولة صادمة للمس بحقوق التعبير والاحتجاج وعودة لـ"الدولة ذات اليد الطولى في تأديب مواطنيها" باستعمال القوة المفرطة.

سيستمر سعيّد في خطه السياسي ولن يخضع بسهولة لضغوط خصومه الذين يحتقرهم، ويقلل من أحجامهم، ويعتبرهم مجرد "جراثيم" يجب القضاء عليها.

ما هي حجة السلطة لتبرير مشاهد رهيبة تناقلتها شاشات العالم، وتظهر مواطنين يتعرضون لمدافع المياه وقنابل الغاز والرصاص الصوتي وإيقاف عشرات منهم يوم احتفالهم بعيد ثورتهم؟

*      *      *

ما حدث في الذكرى الـ11 للثورة التونسية، أول من أمس الجمعة، يشكّل منعرجاً خطيراً، سيُتبع بتداعيات مستقبلاً. إذ من أهم الإنجازات التي تمتع بها التونسيون بعد الإطاحة بالدكتاتورية، حصولهم على الحق في التعبير والاحتجاج والتظاهر.

وهم يمارسون هذه الحقوق منذ ذلك التاريخ حتى تحوّلت إلى عادة يومية مكتسبة، لا يجادل فيها أحد، واعتقدوا بأنه لم يعد وارداً التجرؤ على سحبها أو تغييرها.

لكن ما حدث يوم الجمعة الماضي بدا للجميع أشبه بالمحاولة الصادمة للمس بهذه الحقوق، والعودة بالتونسيين إلى "الدولة ذات اليد الطولى في تأديب مواطنيها" من خلال استعمال القوة المفرطة.

وهو ما دفع رئيس الحزب الجمهوري، عصام الشابي، إلى القول إن "النظام لم يبق له سوى القمع لفرض إرادته"، لهذا "سنقاوم من أجل استعادة الديمقراطية المهددة".

ما هي حجة السلطة لتبرير تلك المشاهد الرهيبة التي تناقلتها مختلف شاشات العالم، والتي تظهر مواطنين يتعرضون لمدافع المياه وقذائف الغاز والرصاص الصوتي، وإيقاف العشرات منهم في يوم احتفالهم بعيد ثورتهم؟

تقول الأجهزة الرسمية إن واجب الدولة تنفيذ التوصيات التي أصدرتها اللجنة العلمية بهدف حماية الجميع من مضاعفات وباء كورونا، بعدما أثبتت المؤشرات أن تونس تشهد موجة جديدة من تفشي الوباء.

دور اللجنة العلمية

في المقابل، تنتقد المعارضة ما تصفه بـ"تسييس" اللجنة العلمية، وتوظيف اقتراحاتها لحرمان التونسيين من الاحتفال بعيد الثورة. هذا العيد الذي قرر الرئيس قيس سعيّد بمفرده أن يلغيه ويمسحه من الذاكرة الوطنية، في محاولة منه لبناء سردية تاريخية خاصة به، وتنسجم مع قناعاته السياسية.

وتذكر المعارضة في هذا السياق بأن الرئيس شخصياً خالف الحظر الصحي واخترق منع التجول في مناسبات عديدة، بدءاً من يوم 25 يوليو/تموز الماضي، الذي أطاح فيه بالبرلمان والحكومة وأوقف العمل بالدستور، واستولى على الدولة بجميع مؤسساتها.

هكذا سقطت السردية التي اعتمد عليها أنصار سعيّد منذ انفراده بالسلطة. تعتمد هذه السردية على أن المعركة في تونس تجري بين الرئيس والإسلام السياسي.

وهي سردية لقيت رواجاً واسعاً داخل تونس، وحتى خارجها. لكن ما حدث في عيد الثورة كشف أن السلطة وجدت نفسها تواجه شارعاً معبأ يشمل الإسلاميين، وأيضاً الغالبية الساحقة من أحزاب المعارضة، إلى جانب منظمات مجتمع مدني فاعلة ومهمة على الصعيد الرمزي مثل جمعية نساء ديمقراطيات، والمحامون، ورابطة حقوق الإنسان. أمام هذا المشهد المتغير لم يعد يحق لأنصار سعيّد اختزال المواجهة ضد حركة "النهضة" وحلفائها.

عزلة قيس سعيّد وتصاعد الاحتجاجات

ما أثبتته الوقائع أن عدد الذين يجاهرون بمعارضتهم للرئيس يزدادون يوماً بعد يوم، في حين أن المتمسكين بانحيازهم له في تراجع ملحوظ.

هذا من شأنه أن يزيد من عزلة الرئيس، ويقلل من قدرته على تنفيذ الأجندة التي أعلن عنها مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي. لكن من الصعب التوقع بأن يكون لهذا الزخم الاحتجاجي المتصاعد تأثير ملموس على اختيارات الرئيس السياسية.

سيستمر سعيّد في خطه السياسي، ولن يخضع بسهولة لضغوط خصومه الذين يحتقرهم، ويقلل دائماً من أحجامهم، ويعتبرهم مجرد "جراثيم" يجب القضاء عليها.

ما حصل يوم 14 يناير/كانون الثاني الحالي قدّم صورة سيئة عن تونس اليوم. هذه الصورة من شأنها أن تعمّق شكوك شركاء تونس الاستراتيجيين حول مدى قدرة النظام على الصمود، ومدى استعداده لمراجعة سياساته واختياراته.

فالتقارير والمواقف الواردة من الخارج تزداد قتامة، خصوصاً في مجالين أساسيين، هما واقع الحريات التي تضررت كثيراً بعد 25 يوليو وبالأخص في أعقاب الأحداث الأخيرة.

فرئيس الجمهورية لم يطلق النار فقط على الأحزاب، وإنما فتح جبهات متعددة في نفس الوقت، مثل هجومه المكثف على سلطة القضاء وحرصه الواضح على إخضاعها للسلطة التنفيذية، مما جعل مكونات أسرة القضاء تتضامن فيما بينها، وتتهيأ لخوض معركة كسر عظام مع رئيس الجمهورية. إلى جانب ذلك، اشتبك الرئيس من جديد مع الصحافيين الذين وصفهم بالكذابين.

أما المجال الثاني، فيخص الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت تشكل الخطر الداهم الحقيقي على الدولة والمجتمع. فدور الحكومة بقي ضبابياً، ولم تتمكن حتى الآن من صياغة تصور يمكن أن يرتقي إلى درجة مشروع ميزانية قابل للتطبيق، وقادر على كسب ثقة الأطراف المعنية، وإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية.

وهو ما جعل المنتدى الاقتصادي العالمي يعتبر في تقريره الأخير أن من بين الأخطار التي ستواجهها تونس "انهيار الدولة". توقع يؤيده رئيس حلقة الماليين التونسيين عبد القادر بودريقة الذي اعتبره "غير مفاجئ في ظل عدم قدرة الحكومة والدولة على تحديد مشاكل الدولة".

وأضاف أن تونس "غير قادرة على تحقيق إصلاحات وغير قادرة على العمل المشترك"، مشيراً إلى أنّ التراكمات السابقة إضافة إلى الحقد الاجتماعي الذي يبنى حاليا "يسير بتونس نحو المجهول".

أما صندوق النقد الدولي فقد أعاد التأكيد على لسان ممثله في تونس جيروم فاشير استعداده لدعم تونس بشرط "وضع برنامج إصلاح عميق مع توفر جانب المصداقية"، و"التزام مختلف الأطراف ببرنامج الإصلاحات" الواردة فيه.

* صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط تونسي في المجتمع المدني

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

الثورة التونسية، تونس، قيس سعيد، المعارضة التونسية، القمع، الاحتجاج، التعبير، الإسلام السياسي، اللجنة العلمية، القضاء، انهيار الدولة،

أبو يعرب المرزوقي: قيس سعيد فاقد للشرعية والشعب سيطيح به