11 عاما على ثورة مصر.. مطالب لم تتحقق وثوار في السجون والمنافي ونظام عاد أكثر قسوة

الثلاثاء 25 يناير 2022 02:27 م

عادة ما كانت شعارات ومطالب كل ثورة، تمثل جزءا من تاريخها، لهذا صدحت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، بـ3 شعارات رددتها الجماهير في ميدان التحرير، ومثلت اختزالا لمطالبها الرئيسية، وهي "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية".

ومع حلول الذكرى الحادية عشرة لتلك الثورة، التي عول عليها كثير من المصريين، في نقل بلدهم إلى مصاف الدول التي تسودها الحرية والديمقراطية والعدالة، ينشغل كثيرون بالسؤال المؤرق: ما الذي تحقق من مطالب الثورة؟

ويتزايد هذا السؤال عاما بعد آخر، بعدما تحول رموز الثورة إلى السجون والمنافي والاعتزال، في الوقت الذي عاد فيه أركان نظام الرئيس الراحل "حسني مبارك" (1981-2001) من السجون وعاد بعضهم لتصدر المشهد.

ويلح السؤال، بعدما يرى المصريون أن حكومة الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، لا تدخر جهدا لتجنب تكرار مثل هذا السيناريو، وتقمع بقسوة كل أشكال المعارضة.

فمنذ انقلاب الجيش على الرئيس "محمد مرسي"، الذي كان أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر  بعد الثورة، في العام 2013، خسر المجتمع المدني المصري تدريجيا كل مساحة للحرية.

تضاف إلى ذلك، وفق منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، ظروف حبس سيئة واتهامات بالتعذيب وبتنفيذ إعدامات "بعد محاكمات غير عادلة"، وفق تعبير منظمة "العفو الدولية".

وبالعودة إلى سؤال: هل حققت الثورة مطالبها؟ يعتبر تيار متشائم من المصريين، يصف نفسه بالواقعي، أن الثورة لم تحقق أيا من مطالبها، في ظل أوضاع اقتصادية متردية، ومناخ من التضييق على الحريات، وتنامي الفجوة بين طبقات المجتمع المصري.

ولعل التيار المتفائل، لا يجد في حديثه إلا الزعم بأن الثورة حققت هدفها بالتخلص من نظام "مبارك".

ولعل مفردة "العيش"، تمثل على مدار تاريخ الثورات، أبرز المطالب، كما أن المقوم الاقتصادي في الحياة، يمثل وفق محللين، المحرك الأول لمعظم مساعي التحرر، والذي يعود للأوضاع المعيشية للمصريين.

فقبل الثورة، وإبان حكم "مبارك"، يمكن أن يلمس المتابع بسهولة التردي الواضح في حياة الناس، على مستويات الصحة والتعليم، والارتفاع الكبير في مستويات الفقر والبطالة، وهو ما كان متزامنا مع حالة من الفساد الكبير الذي استشرى في كافة مفاصل الدولة.

هذه الصورة لم تختلف كثيرا هذه الأيام، فالأوضاع ما تزال كما كانت عليه، إن لم تكن ازدادت سوءا وترديا.

ولعل الارتفاع المتواصل، في مستويات الفقر والبطالة، وذلك الانهيار في الخدمات الأساسية، وأهمها الصحة والتي بدت في حالة من الفوضى والارتباك، في تعاملها مع تفشي وباء "كورونا"، خير دليل.

أما مطلب الحرية، والذي يحظى بالقدر الأكبر من الحساسية والجدل، فما تقوله المنظمات الحقوقية الدولية، وهو في معظمه "ليس إيجابيا"، فيما يتعلق بممارسات السلطة المصرية، على مدى السنوات الماضية.

ففي السجون المصرية اليوم، ناشطون سياسيون وصحفيون ومحامون وفنانون ومثقفون.

المنظمات الحقوقية الدولية، أصدرت عشرات التقارير، خلال السنوات الماضية، أدانت فيها الحالة المتردية للحريات في مصر، و"القبضة القاسية للحكومة المتسلطة"، لافتة إلى أنه مع "جائحة (كوفيد-19) زادت ظروف الحبس، الفظيعة أصلا، سوءا".

تقول المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان "أجنييس كالامار"، إن "الربيع العربي في مصر كان قصيرا".

وتتابع: "استخلص النظام أسوأ درس من الربيع العربي، وهو قتل أي تطلع إلى الحرية في المهد".

وكانت إشارة البدء، لحملة القمع في صيف 2013، عندما قتل مئات الإسلاميين المعتصمين في رابعة العدوية والنهضة، احتجاجا على عزل "مرسي"، وفق العديد من منظمات حقوق الإنسان.

وواجهت جماعة "الإخوان المسلمون" التي يتحدر منها "مرسي"، وكذلك المعارضة الليبرالية واليسارية، منذ ذلك الحين حملة اعتقالات تعسفية وقضايا جماعية أمام القضاء وأحكاما بالإعدام.

في المقابل، عزز "السيسي"، الذي كان قائدا للجيش الذي أطاح بـ"مرسي"، وانتخب رئيسا في العام 2014 سلطته شيئا فشيئا.

وأعيد انتخابه بنسبة 97% من الأصوات في العام 2018  لعدم وجود مرشح جاد ينافسه، وفي أبريل/نيسان 2019، أقرّ تعديل دستوري يتيح تمديد فترة رئاسة "السيسي"، ويشدّد قبضته على السلطة القضائية.

وفي سبتمبر/أيلول من العام نفسه، تظاهر مئات الأشخاص مطالبين برحيل "السيسي"، وحاولوا دون جدوى الوصول إلى ميدان التحرير في القاهرة، رمز الثورة على "مبارك".

وأعقب ذلك توقيف ما يزيد على 4 آلاف شخص أطلق سراح مئات منهم فيما بعد.

وتنتقد منظمات حقوق الإنسان الاتهامات بـ"الإرهاب"، وبـ"نشر أخبار كاذبة" التي يوجهها القضاء غالبا لمنتقدي النظام.

كما تشير هذه المنظمات إلى ظاهرة "تدوير" القضايا التي تتمثل في إعادة احتجاز المعارضين بعد انتهاء فترة حبسهم احتياطيا أو انتهاء مدة عقوبتهم على ذمة قضايا جديدة.

فالحرية التي طالب بها رموز الثورة، تحولت إلى كابوس لهم، والثوار الآن في السجون والمعتقلات، ويتم التنكيل بهم بشكل منهجي عن طريق التعذيب في أماكن الاحتجاز، وبين التدوير في قضايا جديدة للحيلولة دون أن يبصروا نور الشمس من جديد.

وعلى رأس الثوار القابعين في السجون، القياديان الإخوانيان "محمد البلتاجي" و"أسامة ياسين"، واليساريان "زياد العليمي" و"شادي الغزالي حرب"، والناشطان البارزان "محمد القصاص"، و"علاء عبدالفتاح".

وهناك آخرون من ثوار يناير/كانون الثاني، هاجروا قسريا إلى عدد من الدول العربية وتركيا وأوروبا، خوفا من الاعتقال والزج بهم في السجون، من أبرزهم "إسلام لطفي" و"محمد عباس" و"خالد السيد" و"عبدالرحمن فارس".

أما رموز نظام "مبارك"، فقد أثبتوا أنهم رجال دولة، يعرفون كيف تلعب السياسة، فقد عادوا للظهور مرة أخرى إلى الساحة، سواء عبر أنشطة رسمية وعلنية، أو جنازات عسكرية.

فـ"مبارك" نفسه، الذي حكم مصر لنحو 30 عاما، ودخل السجن بعد ضغوط ومظاهرات ضد المجلس العسكري، وانتقد ناشطون الرفاهية التي تعامل بها خلال المحاكمات وداخل المستشفى العسكري الذي قضى فيه فترة المحاكمة.

وبعد انقلاب يوليو/تموز 2013، برأه القضاء، قبل أن يتوفى في 25 فبراير/شباط 2020، بعد صراع مع المرض، وأقيمت له جنازة عسكرية بمشاركة "السيسي" وقيادات عسكرية وسياسية رفيعة.

وقبل 2011، مثل الخلل في ميزان العدالة الاجتماعية بمصر، سببا رئيسيا من أسباب اندلاع الثورة، فعلى مدار سنوات عديدة، ظلت عناصر الاقتصاد والثروة، تخدم فئة دون أخرى.

فحققت الأقلية الغنية مصالحها، عبر المال والسلطة، ما زاد من الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الوطن الواحد.

وشهد حكم "مبارك" ظاهرة، عكست ذلك الخلل في ميزان العدالة الاجتماعية، وهي ظاهرة تزاوج السلطة برأس المال، ما شكل طبقة كانت بعيدة عن المجتمع في كل همومها في ذلك الوقت.

بينما كانت مستويات الفقر في ارتفاع مستمر، خاصة في قرى مصر ومناطقها المهمشة.

وبعد 11 سنة من رفع مطلب العدالة الاجتماعية، نجد الميزان يزداد اختلالا في المرحلة الحالية، في وقت يزداد فيه الأغنياء غنى، بينما يزداد الفقراء فقرا.

ويرى مراقبون أن من المحبط، أنه وبعد الثورة، مازالت العدالة الاجتماعية بالنسبة للمصريين "حلما بعيد المنال".

ويعتبر هؤلاء أن عدم قدرة الكثير من المواطنين المصريين حاليا، على تعليم أبنائهم التعليم المناسب، وعدم قدرتهم على تدبير العلاج، يمثل أكبر دليل على الخلل في العدالة الاجتماعية.

وأمام كل ذلك، غابت دعوات الاحتجاج والنزول للشارع في مصر، لإحياء ذكرى ثورة 25 يناير/كانون الثاني للعام الثاني على التوالي، مع تشديد الإجراءات الأمنية، وتفشي جائحة فيروس "كورونا".

فهذا الجيل الجديد، الذي بات قديما لم يعد يصلح لقيادة ثورة جديدة، برأي مراقبين، يرون أن شرط قيام ثورة هو "وجود جيل جديد يخرج متخففا من أثقال الثورة القديمة وعقدها وآلامها".

ويشيرون إلى أن المصريين احتاجوا منذ احتجاجهم قبل الأخير عام 1977 المعروف بانتفاضة الخبز، إلى أكثر من 30 عاما قبل الثورة الجديدة في يناير/كانون الثاني 2011.

وبغض النظر عن صحة فكرة استهلاك الثورة لجيل واحتياجها لجيل جديد، يرى مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية "ممدوح المنير"، أن الجيل الحالي صنعته الآلام والجراح فكبر ونضج بما يتجاوز سنه كثيرا.

ويوضح أن الأجيال الماضية تربت في كنف الوداعة واللا نضال أيام "مبارك"، رغم ظلم وبطش النظام وقتها، لكنه كان بطشا محدودا.

ويضيف: "أما جيل الشباب الحالي فيعاني، من ظلم دون حدود أو قيود ما يجعله أقوى وأصلب عودا".

ويؤكد "المنير"، أن "الثورة لم تمت"، موضحا أن هذا الكلام ليس "تحليلا بالتمني"، ولكن دراسات وأبحاث العلوم السياسية تؤكد "نضج جيل الثورة، واستعداده لحمل مشعلها في ظل تضخم مخزون الظلم والقهر، وتدهور الوضع الاقتصادي".

ويلفت إلى أن ما يجري في مصر يمكن أن يؤدي لانفجار مجتمعي، إذا تسلمته قيادة ذكية وحكيمة للمعارضة يمكنها تحويله إلى ثورة جديدة.

ولا يستبعد "المنير" إمكانية أن تتشكل الثورة الجديدة من أطياف مختلفة وجديدة، فيمكن أن يشارك فيها بعض من بقايا نظام "مبارك"، بعد ما تضرروا من النظام الحالي، انتقاما لمصالحهم ونفوذهم الضائع.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ثورة مصر السيسي محمد مرسي ثورة يناير الإخوان الثوار المعارضة المصرية قمع المعارضة

في ذكرى ثورة يناير.. العفو الدولية تنتقد ظروف السجون في مصر

مصر.. زياد العليمي يضرب عن الطعام في محبسه تضامنا مع "جوعى للحرية"

نيويورك تايمز: التعذيب بسجون مصر شائع والقضاء يساعد في كبح المعارضة