إيكونوميست: هل السيسي صادق في تحمسه للقطاع الخاص؟

الجمعة 4 فبراير 2022 04:18 م

"تحمس الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للقطاع الخاص ربما يكون وليد الحاجة، لكنه يواجه حقيقة سيطرة الجيش على كثير من مناحي الحياة، ما يقلل فرص الاستثمار أمام الأفراد والشركات ويضيق الخناق على المستهلك، وكلها عوامل تجعل القطاع الخاص غير جاهز لحرف الميزان".

بهذه الكلمات، لخصت مجلة "إيكونوميست"، أوضاع القطاع الخاص في مصر، الذي يتحدث "السيسي" حول رغبته في نموه، في وقت انكمش فيه النشاط غير النفطي للشهر الرابع عشر على التوالي، في يناير/كانون الثاني الماضي، ما عرقل إنفاق العملاء وسبّب انخفاض الطلبيات الجديدة بأسرع وتيرة في عام.

وانخفض مؤشر "آي إتش إس ماركت" لمديري المشتريات، إلى 47.9 من 49 في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ليظل دون مستوى 50 الذي يفصل النمو عن الانكماش.

وهذا أقل رقم مسجل منذ أبريل/نيسان 2021.

تقول "إيكونوميست"، إن "اللباقة ليست زيا يحسن ارتداءه الديكتاتور الذي سيطر على السلطة في انقلاب عام 2013، فطالما حاضر شعبه بأنه يعاني من السمنة ووبخ القادة الأجانب لذكرهم سجل نظامه في حقوق الإنسان، إلا أنه لا يتردد في توجيه النقد إلى حكومته".

ففي افتتاحه لمصنع كيماوي في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لاحظ "السيسي"، أن الدولة ليست جيدة في إدارة الاقتصاد، وقال: "نريد قطاعا خاصا فعالا".

وأثار كلامه دهشة المديرين التنفيذيين في مصر، لأنهم ظلوا على مدى السنين الماضية يشتكون من المنافسة غير العادلة مع الشركات التي تملكها الدولة وتتمتع بالإعفاءات الضريبية والامتيازات الأخرى، في وقت أثر فيه توسيع الإمبراطورية الاقتصادية للقوات المسلحة على الشركات الخاصة.

وسبق أن حذر صندوق النقد الدولي في 2017، من أن هذا التوجه سيعيق النمو.

وأثبتت الأيام أن هذا الكلام صحيح، فالنمو السنوي كان 4% في الفترة ما بين 2015- 2019، وظل فوق 3% طوال فترة الوباء، إلا أن معظمه جاء من قطاع الغاز الطبيعي المزدهر، والنفقات العامة السخية.

وأظهر مؤشر مديري المشتريات، وهو مقياس للنشاط التجاري، انكماشا في الأشهر الستين الماضية باستثناء 9 أشهر.

كما انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر من 3.4% من الناتج المحلي العام في الفترة ما بين 2016- 2017 إلى نسبة 1.3% في الفترة ما بين 2020- 2021.

وتقول المجلة، إن "السيسي تناول في خطاباته الأخيرة المشكلة واعترف بوجودها".

ومع ذلك فمن المبكر القول إنه إذا كان "السيسي" جادا في حديثه عن الحد من دور الدولة، من أجل القطاع الخاص.

ويبدأ الجدل المتفائل من البيروقراطية الخبيثة، ففي 2017 أقر البرلمان قانون الاستثمار الذي منح عددا من المحفزات، وهو واحد من شروط القرض الذي قدمه صندوق النقد الدولي بـ12 مليار دولار قبل عام.

وفي عام 2018، أقر البرلمان قانون الإفلاس، الذي ألغى فعليا تجريم التخلف عن السداد.

وبدأت الوزارات بالعمل في الخدمات الرقمية بما فيها تسجيل الأراضي.

وفي العام الماضي بدأت مصر خدماتها الرقمية للزبائن، مستبدلة هذا بالفوضى القديمة من الأوراق والأختام، وهو ما سيسهل على الشركات تخليص بضائعها في الموانئ للحصول على العوائد المالية.

وعندما وصل "السيسي" إلى السلطة كان انقطاع التيار الكهربائي إزعاجا دائما للمصريين وكارثة على الصناعة، أما اليوم فإن مصر لديها طاقة أكثر مما تحتاج إليها.

وتوفر حقول الغاز في البحر المتوسط كميات كبيرة من الطاقة لثلاث محطات جديدة تعمل بالغاز والتي تنتج مجتمعة 14.4 جيجاوات.

وزاد حجم الاستثمار في الطاقة الشمسية حيث تأمل الحكومة بتصدير الفائض منها قريبا.

وأنفقت الحكومة مليارات على بناء الطرق والجسور لتخفيف حدة الازدحام وتم افتتاح منطقة صناعية في منطقة قناة السويس التي جذبت استثمارات من الصين والإمارات وروسيا.

وتقول المجلة إن هذه التطورات تعطي قاعدة للنمو، لكن هناك عدة أسباب تدعو إلى الشك، منها أولا إن كان "السيسي"، الجنرال السابق، يعني فعلا ما يقول.

ويتحدث بعض رجاله عن تخصيص الشركات التي يملكها الجيش، لكن دوره غامض ولا يعرف أحد حجم أملاكه. ففي عام 2016، قال رئيس الوزراء حينها "شريف إسماعيل" إن الجيش سيخفض من نشاطاته الاقتصادية بعد عدة سنوات، وبدلا من ذلك توسعت النشاطات. ثم هناك وكالة المخابرات الوطنية التي تصر على فحص المستثمرين الأجانب.

وبحسب مدير تنفيذي: "إن لم يكن لديك مساهمون أجانب في شركتك، فالحصول على موافقة تحتاج عدة أيام"، و"لو كان لديك واحد، فالموافقة تحتاج إلى شهر، شهرين أو 3 أشهر".

وحتى لو تراجع دور الجيش والأمن، فهناك أسئلة حول ما ستنتجه الشركات المصرية وأين ستبيع. فمعظم هذه الشركات تعمل على واحد من طرف سلاسل التوريد، ومعظم الصادرات المصرية هي سلع أولية.

وعلى الجانب الآخر فإن البضائع التامة تعتمد على مدخلات من أماكن أخرى. ويقدر البنك الدولي أن نسبة 20% من صادرات مصر الكهربائية تعتمد على مكونات محلية. أما صناعة السيارات فتحصل على ربع قطعها من السوق المحلية، مقارنة مع 60% من شركات صناعة السيارات في المغرب. ولكي تخلق مصر فرص عمل جديدة فعليها أن تصنع هذه المنتجات لا أن تقوم بتجميعها.

ويقول مديرون إن الشركات التي تملكها الحكومة هي عقبة إلى جانب التعليم الفقير والتدريب والتمويل المكلف، ولا يمكن حل أي من هذه المشاكل بطريقة سهلة.

وبالنسبة للسوق الداخلية، فقد تركت سنوات من الضرائب وقطع الدعم المستهلك المحلي في حالة تقشف دائمة، فثلث المصريين يعيشون تحت خط الفقر الرسمي أو يعيشون على 857 جنيها مصريا في الشهر (54 دولارا). كما لا يتوقف تذمر الطبقة الوسطى من الرسوم الجديدة التي لا تنتهي.

وأعلن "السيسي"، في 18 يناير/كانون الثاني، عن زيادة الحد الأدنى من الأجور إلى 2700 جنيه في الشهر (172 دولارا)، وهي الزيادة الثالثة منذ توليه المنصب عام 2014 عندما كان 1200 جنيه (76 دولارا). وهذه الزيادة ليست سخية كما تبدو، لأن الحد الأدنى من الأجور لم يتناسب مع التضخم.

فالقوة الشرائية للأجور التي يحصل عليها المصريون لا تقارن بقوتها قبل 8 أعوام، كما أن القرار لا يهم ثلثي المصريين الذين يحصلون على أجورهم بطريقة غير رسمية. وبشكل إجمالي فنسبة 80% من الشباب في سن العمل إما عاطلون في بيوتهم أو يعملون بوظائف غير آمنة وبأجور منخفضة.

وستكون السنوات المقبلة صعبة، فالسلع المكلفة ستؤدي إلى زيادة التضخم في بلد تشكل السلع الغذائية المستوردة نسبة 21%.

وهناك مظهر آخر للقلق وهو الدين العام الذي أصبح بنسبة 91% من الناتج المحلي العام، بزيادة على نسبة 73% قبل عقد. وتشكل خدمة الدين نسبة الثلث من العوائد.

واعتمدت الحكومة في تمويل مشاريعها العملاقة وصفقات الأسلحة على المستثمرين الأجانب المتعطشين للفائدة. وصنفت "إيكونوميست" في تحليلها للأسواق الناشئة مصر في المرتبة الثالثة من الدول الأكثر عرضة لسياسات مالية متشددة في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القطاع الخاص جيش مصر اقتصاد الجيش السيسي استثمارات

الداخلية المصرية.. إمبراطورية اقتصادية على خطى الجيش