استراتيجية إسرائيلية جديدة تتجاوز ضرب المنشآت النووية الإيرانية

الأربعاء 9 فبراير 2022 02:19 ص

وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي "نفتالي بينيت" إستراتيجية موسعة لمواجهة إيران يبدو أنها تتجاوز مجرد ضربة عسكرية محتملة ضد المنشآت النووية.

ويبدو أن هذه الاستراتيجية بُنيت على القلق الإسرائيلي من تداعيات اتخاذ إجراءات عنيفة بشكل منفرد، وكذلك استغلال مخاوف طهران بشأن الصعوبات الاقتصادية التي قد تشعل انفجارًا اجتماعيًا.

وقال الصحفي "جوناثان ليس" من صحيفة "هآرتس" إن "نهج بينيت الجديد هو اتخاذ إجراءات تدريجية لاستنزاف قوة إيران وإنهاكها وإضعاف مواردها التي تساهم في دعم وكلائها في الشرق الأوسط".

ضرب إيران ليس فعالًا

صحيح أن هذه الإستراتيجية الموسعة استندت على الأرجح إلى مفاقمة العقوبات الأمريكية للمشاكل الاقتصادية الإيرانية، إلا إن هناك دورًا أيضًا لسوء الإدارة الاقتصادية في إيران، والفساد المتفشي، وتكلفة دعم الميليشيات في سوريا ولبنان والعراق واليمن. وتأمل إيران في أن يؤدي رفع العقوبات الأمريكية كجزء من اتفاق في فيينا إلى التخفيف من مشاكلها الاقتصادية.

وبدا أن استراتيجية إسرائيل ركزت حتى الآن على ضربة عسكرية محتملة ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما استعدت له القوات المسلحة الإيرانية.

لكن المحللين العسكريين شككوا في مدى فعالية ضربة إسرائيلية في تدمير القدرة النووية الإيرانية. علاوة على ذلك، يمكن أن تواجه إسرائيل انتقادات دولية شديدة، بما في ذلك من الولايات المتحدة، إذا اتخذت قرار الضربة بشكل أحادي بمجرد أن تنجح محادثات فيينا في إحياء الاتفاقية النووية.

وأكد "بينيت" الشهر الماضي مجددًا أن إسرائيل لن تكون ملزمة بأي اتفاقية نووية مع إيران وستواصل النظر في التصرف بحرية "دون أي قيود" إذا لزم الأمر.

وفي الوقت نفسه، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس" في 2022 بأن "الاستثمار في إيران ليس خيارا سليمًا سواء كانت هناك اتفاقية أم لا، فاقتصادهم منهار لدرجة أنهم غير قادرين على إيصال المياه للصنابير في مساحات هائلة من الأرض؛ في منطقة أصفهان على سبيل المثال".

اللجوء لاستراتيجية الاستنزاف

أصبح من المعروف أن حرب الاستنزاف قد تنهك إيران خاصة بعد تسريب ملخص من 7 صفحات لاجتماع في نوفمبر/تشرين الثاني حذر فيه كبار قادة الحرس الثوري من أن المجتمع الإيراني في "حالة انفجار"، وفق وصف رجل يدعى "محمدي"، وهو مسؤول في الجناح الاستخباراتي للحرس الثوري.

أما ما سلط الضوء على جدية التحذير فهي حقيقة أن الاجتماع عقده الفريق المكلف بـ"منع وقوع أزمة أمنية مدفوعة بالظروف المعيشة" التابع للحرس الثوري.

وجادل "محمدي" وفق الملخص بأن التضخم المرتفع؛ وقفزات أسعار الغذاء والطاقة والسيارات؛ وتراجع أسعار الأسهم "هزت ثقة العامة" في حكومة الرئيس "إبراهيم رئيسي" بعد أشهر فقط من توليه منصبه.

ونظم حاملو الأسهم الشهر الماضي احتجاجًا واصفين "رئيسي" بأنه "كذاب" وهتفوا "الموت لهذه الحكومة الخادعة". وقال مستشار قانوني واقتصادي إيراني إن ملايين المستثمرين الصغار قد أصيبوا مؤخرًا بخسائر كبيرة في سوق الأسهم الإيرانية.

وأضاف: "لقد شاهدوا جزءًا كبيرًا من مدخراتهم يختفي، عندما تجد أن صاحب المتجر في الزاوية يتحدث عن البورصة، تدرك أنك في مرحلة متقدمة من الفقاعة. لهذا فإن الناس يحركون أصولهم إلى الخارج ويشترون العقارات في الخارج". ويعد الإيرانيون من بين كبار مشتري العقارات السكنية في تركيا المجاورة.

وقال المستشار إن ميزانية الحكومة الإيرانية المقترحة للعام المقبل تؤجج الاضطرابات؛ حيث تزيد الميزانية بشكل كبير من نفقات الحرس الثوري والجيش على حساب الإنفاق الاجتماعي. علاوة على ذلك، فإن الارتفاع الذي يقدر بـ10% في الرواتب الحكومية لن يكفي لتعويض التضخم الإيراني المتفشي الذي يقدر بـ 40%.

ووفقًا للوثيقة المسربة، فقد قال شخص يُشار إليه باسم "العقيد كافياني" في الاجتماع إن التضخم الحقيقي تراوح من 86 إلى 268%.

حرب سيبرانية شعواء

أشار بعض المسؤولين الإيرانيين إلى أن سلسلة الهجمات الإلكترونية الأخيرة التي تستهدف شركات الطيران والسكك الحديدية ومحطات الوقود والجامعات وقنوات الإذاعة والتلفزيون الحكومية الإيرانية هي جزء من الجهود الإسرائيلية لاستغلال السخط الواسع وتغذيته أكثر.

وقال آخرون إن الهجوم على قنوات الإذاعة والتلفزيون الإيرانية ربما لا تكون إسرائيل هي المسؤولة عنه. ويشير هؤلاء بأصابع الاتهام إلى المتشددين الإيرانيين لرغبتهم في تقويض موقف المدير العام للإذاعة والتلفزيون "بيمان جيبيلي" الذي يتهمونه بكونه غير محافظ بشكل كافي. وفي كلتا الحالتين، فإن هذا الهجوم والحوادث السيبرانية المحتملة الأخرى ستخدم غرض إسرائيل حتى لو لم تكن مسؤولة عنه مباشرة.

وقال محللون إن الهجمات تشكل توسعًا في استهداف إسرائيل للمواقع العسكرية والنووية الإيرانية نحو حرب سيبرانية كاملة على البنية التحتية المدنية بالإضافة لحرب المعلومات المتصاعدة.

وفيما يبدو ردًا على ذلك، قامت مجموعة سيبرانية يديرها "حزب الله" باختراق شركات في إسرائيل والإمارات والسعودية والأردن ومصر والولايات المتحدة وبريطانيا، وفقا لما قالته شركة الأمن السيبراني "كلير سكاي"، ويعتقد أن إيران أيضًا استهدفت منظومة المياه الإسرائيلية ومستشفى إسرائيلية وموقع مواعدة يعود لمجتمع "LGBTQ".

وقال "ميسام بيبرافيش" مستشار السياسة الخارجية السابق لوزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية: "بالنظر إلى أن المنشآت النووية الإيرانية تنتشر في جميع أنحاء البلاد مما يعقد استهداف البرنامج النووي، فقد اعتمدت إسرائيل نهجًا جديدًا؛ عبر تنفيذ هجمات سيبرانية ضخمة لإثارة أعمال الشغب في جميع أنحاء البلاد بهدف الإطاحة بالنظام أو إبقاء قادته مشغولين بأعمال شغب لا نهاية لها".

وجادل "بهرافيش" بأن الهجمات السيبرانية لم تكن بديلًا عن الهجوم الإسرائيلي وإنما تشتري الوقت قبل القيام بضربة.

وأضاف: "هذا التغيير في النمط من جانب الإسرائيليين لضرب الأهداف المدنية هو مرحلة ما قبل الضربة، مما يعني أنهم يعطون هذه الخطة فرصة أخيرة قبل اللجوء إلى عملية عسكرية واسعة النطاق ضد المنشآت النووية الإيرانية".

وفي تصعيد واضح لحرب المعلومات، كشفت "بي بي سي" الأسبوع الماضي عن شبكة إيرانية مشتبه بها على "فيسبوك" تستهدف القوميين واليهود المتشددين في محاولة لإثارة الانقسامات وإشعال التوترات مع الفلسطينيين.

صراع يمتد للخارج

حاولت الولايات المتحدة والسعودية في الماضي إثارة اضطرابات واسعة في إيران من خلال دعم الجماعات العرقية المنشقة، لكن محاولاتهما لم تكلل بالنجاح.

وما حدث بعد ذلك كان تذكيرا بأن ما يبدأ في الشرق الأوسط لا يبقى دائما في الشرق الأوسط. فقد طالت المناوشات الانتقامية المتبادلة بين الطرفين السعودي والإيراني أصول المخابرات السعودية والإيرانية في هولندا والدنمارك والنرويج.

وأدانت محكمة جزئية دنماركية الأسبوع الماضي 3 أعضاء في جماعة معارضة عربية إيرانية بتهمة تمويل ودعم النشاط الإرهابي في إيران بالتعاون مع أجهزة المخابرات السعودية.

وفي العام الماضي، أيدت محكمة دنماركية عقوبة بالسجن لمدة 7 سنوات على مواطن نرويجي من أصل إيراني للتجسس والتعاون في مؤامرة فاشلة لقتل أحد العرب الإيرانيين الذين حكم عليهم الأسبوع الماضي.

وهناك إدراك بأن الحرب السيبرانية المتصاعدة قد تتجاوز إسرائيل وإيران كما تجلى في هجمات "حزب الله" على الشركات في جميع أنحاء المنطقة وخارجها، مما دفع السلطات في العديد من الدول إلى تكثيف التدريبات المشتركة التي تركز على مواجهة الهجمات السيبرانية.

ونظمت "شعبة الدفاع السيبراني المشتركة الإسرائيلية" و"القيادة السيبرانية الأمريكية" تدريباتها المشتركة السادسة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث قادت إسرائيل مناورة تحاكي هجمة سيبرانية ضخمة على النظام المالي العالمي في نفس الوقت تقريبًا.

وكان من بين المشاركين مسؤولي خزينة من إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات والنمسا وسويسرا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتايلاند، وكذلك ممثلين عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التسويات الدولية.

المصدر | جيمس م. دورسي | أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إسرائيل إيران محادثات فيينا الاتفاقية النووية الحرب السيبرانية الإيرانية الإسرائيلية هجمة سيبرانية قرصنة اختراق الاتفاق النووي الاقتصاد الإيراني الصراع الإيراني الإسرائيلي

لمواجهة إيران.. خطوات إسرائيلية متسارعة لبناء ناتو شرق أوسطي

واشنطن تعلن وصول المحادثات النووية لنقطة حاسمة.. وتهديد جمهوري لأي اتفاق

صدمة داخل مجلس الشيوخ الأمريكي بسبب التقدم النووي في إيران

جانتس يلوح باللجوء للخيار العسكري لمنع امتلاك إيران السلاح النووي