مصر وفرنسا.. علاقات تعاون استراتيجية تتجاوز انتهاكات حقوق الإنسان

الجمعة 11 فبراير 2022 07:20 م

"شهدت العلاقات بين مصر وفرنسا تطوراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، خاصةً على الصعيد الاقتصادي والتجاري والعسكري والأمني".. تصدرت هذه الكلمات البيان الرئاسي المصري حول اللقاء الذي جمع الرئيسين "عبدالفتاح السيسي" و"إيمانويل ماكرون"، في مدينة بريست، على هامش قمة المحيط الواحد.

هذا التطور والتعاون، يأتي على حساب ملف حقوق الإنسان، حيث لم يجد "ماكرون" غضاضة في الإعلان عن معارضته الربط بين انتهاكات حقوق الإنسان "الجسيمة" التي ترتكبها أجهزة الأمن المصرية، وصفقات الأسلحة الفرنسية إلى مصر.

الذريعة المتوفرة، سواء أعلنتها باريس والقاهرة أم سرّبتها أوساط النظام المصري بصفة حصرية، هي توافق مصالح البلدين حول ملفات مثل ليبيا، أو مواجهة السياسات التركية في شرق المتوسط، فضلا عن التناغم العجيب بين القاهرة وباريس في مواجهة الإسلام السياسي.

هذا التقارب في وجهات النظر في كثير من الملفات، يدفع البلدين لتجاوز أية اختلافات جزئية في شأن بعض الملفات الحساسة.

زيارات متبادلة

تعد هذه الزيارة هي الرابعة لـ"السيسي" إلى فرنسا، خلال عامين، حيث كانت آخر زيارة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وسبقها زيارة في ديسمبر/كانون الأول 2020، وحينها تسلم من "ماكرون" أرفع أوسمة الشرف الفرنسية.

وكثيرا ما تؤكد باريس والقاهرة، على تعزيز التعاون في مواجهة أزمات الشرق الأوسط، على حساب ملف حقوق الإنسان.

وهذا أمر ليس جديدا على "ماكرون" مع "السيسي"، خاصة أن الأول رفض في 2017 أن "يعطي دروسا" في حقوق الإنسان لنظيره المصري.

وعلى أثر ذلك تعرض لموجة من الانتقادات، أجبرته على تغيير لهجته خلال الزيارة التي قام بها إلى القاهرة في يناير/كانون الثاني 2019، لكنه عاد لذات اللهجة في الزيارة الأخيرة، بل زاد بالتأكيد على أن مبيعات الأسلحة الفرنسية لمصر في المستقبل "لن تكون مشروطة بتحسين حقوق الإنسان".

وعزا ذلك إلى أنه لا يرغب في إضعاف قدرة القاهرة على مكافحة الإرهاب في المنطقة، زاعما أن اتباع سياسة الحوار سيكون أكثر فعالية من سياسة المقاطعة.

وتنتهج باريس دبلوماسية هادئة في التعاطي مع بعض التباينات تجاه قضايا بعينها، وتفضل تجنب الانتقادات العلنية للدول في شأن ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان، إيماناً منها بأن المناقشات الصريحة والسرية تكون أكثر فاعلية.

ومن جهته يشير "آلان جريش"، رئيس تحرير مجلة (Orient XXI)، إلى "تجاهل ماكرون للقيم الديمقراطية وفي مقدمتها حرية التعبير، التي تزعم فرنسا أنها عرابتها، في علاقتها مع نظام السيسي".

ويؤكد أنه لا توجد دولة تؤسس سياستها الخارجية على الدفاع عن حقوق الإنسان فقط، وباريس تبرر علاقتها بالقاهرة باعتبارات استراتيجية، وهو الاستقرار الضروري لمصر "حصناً ضد الإرهاب"، ما يجعل من الممكن تبرير بيع الأسلحة، التي قد يستخدم بعضها للقمع الداخلي.

ويشير "جريش"، أن الديكتاتوريات لطالما كانت أرضا خصبة لعدم الاستقرار والإرهاب.

وبعيدا عن هذا الملف الشائك، شهدت علاقات البلدين على المستويات السياسية والاقتصادية والتنسيق الأمني والعسكري تطوراً غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، فباريس تؤمن بأهمية تطور العلاقة مع أكبر بلد عربي، وأحد أبرز الدول الإسلامية.

وتعكس تعدد الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، "أهمية واستراتيجية العلاقة"، فعلى مدى السنوات الست الأخيرة زار الرئيس المصري العاصمة الفرنسية 6 مرات، فيما زار "ماكرون" الذي تولى السلطة في أبريل/نيسان 2017، القاهرة في يناير/كانون الثاني 2019، ليؤكد أولوية تعزيز "الشراكة الاستراتيجية" مع مصر التي تضم أكبر عدد من السكان في العالم العربي، وتعتبر قطب استقرار في منطقة "لا تزال متقلبة".

ويصفُ مدير مركز المحروسة "هاني إبراهيم"، وهي منظمة مدنية، علاقات البلدين بأنها "شراكة وتعاون"، موضحاً أن "تلك الاستراتيجية مبنية على تهديدات مشتركة وفي مصالح مشتركة".

ويرى أن "حجم المصالح الاقتصادية والتجارية والأمنية والسياسية، يجعل من الطبيعي خروج العلاقة بين البلدين من دائرة الإملاءات والهيمنة إلى دائرة النصح، من دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول".

صفقات سلاح ومناورات عسكرية

يشار إلى أنه بين 2013 و2017، كانت فرنسا هي المورّد الرئيسي للسلاح إلى مصر متخطية الولايات المتحدة، وشملت صفقات التسليح الفرنسية إلى مصر مقاتلات "رافال" وسفنا حربية، ووصلت قيمة الصفقات المبرمة في العام 2017 إلى 1.4 مليار يورو.

وبلغ مجموع الواردات المصرية من الأسلحة الفرنسية 7.7 مليارات يورو، بين عامي 2010 و2019، ما جعل القاهرة رابع دولة من حيث شراء الأسلحة من فرنسا، وفقا للتقرير السنوي للبرلمان.

ولاحقا، وتحديدا في أبريل/نيسان 2021، وقعت فرنسا ومصر، عقدا بقيمة إجمالية تبلغ 3.95 مليارات يورو، يشمل بيع 30 مقاتلة "رافال"، بالإضافة إلى عقدين آخرين لصالح مجموعة "إم بي دي إيه" لصناعة الصواريخ و"سافران إلكترونيكس أند ديفانس".

وبعد هذه الصفقة بشهرين، أعلنت مصر تفاصيل اتفاقيات وعقود ثنائية مبرمة مع فرنسا، بقيمة 3.8 مليارات يورو، فيما يبدو وفق مراقبين، مكافأة سياسية لنظام "السيسي"، بعد إبرام مصر صفقة شراء الـ"رافال".

وعلى مستوى التدريبات العسكرية المشتركة، يجرى كلا الجانبين بشكل سنوي منذ عام 2014، التدريب البحري المشترك "كليوباترا".

كما ينفذ كلا البلدين تدريبات مشتركة رئيسية بشكل دوري تحت أسماء "نفرتاري" و"رمسيس"، هذا بالإضافة إلى المشاركة الفرنسية المستمرة في تدريبات عسكرية مشتركة تشارك فيها مصر، مثل تدريبات "النجم الساطع" ومناورات "ميدوزا" البحرية والجوية.

علاقات اقتصادية

وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن حجم التجارة بين مصر وفرنسا، بلغ 3 مليارات دولار عام 2020 بزيادة ما بين 15 إلي 20% عن عام 2019.ودائما ما تصدر إشادات فرنسية بمناخ الاستثمار في مصر، والفرص الاستثمارية المتاحة، ولا سيما في محور تنمية قناة السويس.

وحسب نشرة "إنتربرايز" الاقتصادية، فإن فرنسا تسعى لتكون من بين أكبر 3 شركاء تجاريين لمصر بدلا من الثامن حاليا.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس "خطار أبودياب"، أن "أبرز ما تتسم به العلاقة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة هو أن التشاور والتنسيق بينهما دوري ومنتظم فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، وفي ضوء حرصهما على تطوير تلك العلاقات".

مضيفاً على حد وصفه: "هناك درجة عالية من التناغم والتفاهم العالي في ملفات المنطقة التي تهم الطرفين من بينها ملفات ليبيا وسوريا والعراق والتطرف ومكافحة الإرهاب وملفات غاز شرق المتوسط ولبنان، فضلاً عن عملية السلام بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي".

ووفق "أبودياب": "ففي الإجمال يمكن القول إن هناك صفاء كاملاً في سماء العلاقات بين باريس والقاهرة، وأن أي خلاف في ملف حقوق الإنسان لن يوتر هذه العلاقات مستقبلاً".

واعتبر أنه "عندما تكون هناك ثقة بين الطرفين فهي كفيلة بتخطي وتجاوز هذه الشوائب".

وتابع: "لم تعد الدول الغربية قادرة على فرض أجندات حقوق الإنسان والديمقراطية، فضلاً عن أن باريس هي الأخرى لديها انتقادات داخلية تتعلق بحقوق الإنسان، وهو ما يدفع الأخيرة إلى اعتماد دبلوماسية صامتة قائمة على رسائل النصح لتجاوز تحديات العلاقة بين البلدين".

في الاتجاه ذاته، يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير "جمال بيومي": "الغرب يدرك أن أي ضغط أجنبي في ملف الحقوق والحريات لن يكون في مصلحة هذه القضايا لاختلاف السياقات والأوضاع".

وأضاف: "لا أعتقد أنه بإمكان أي من البلدين التضحية بالمصالح الاقتصادية والتجارية والتعاون الأمني والاستخباراتي في مقابل أي اختلافات حول أحد الملفات".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر فرنسا العلاقات المصرية الفرنسية رفال تعاون اقتصادي السيسي ماكرون

ارتفاع حجم الاستثمارات الفرنسية في مصر بنحو 18%

صفقة الرافال الضخمة.. كيف ربحت فرنسا وخسرت مصر؟!

ميدل إيست آي: مصر لجأت إلى اليونان لتبييض سجلها الحقوقي

فرنسا توقع إعلان نوايا لتعزيز التعاون مع مصر.. وتتعهد بتأمين قمحها