بعد إغلاق ملف التعويضات.. هل يتجه العراق والكويت لفتح صفحة جديدة؟

الأحد 13 فبراير 2022 08:28 ص

في 21 ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلنت وزارة المالية العراقية أنها سددت الدفعة الأخيرة من التعويضات عن غزو العراق للكويت عام 1990. وأشار أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي" إلى أنه مع هذه الدفعة، البالغة 44 مليون دولار، "دفع العراق جميع الالتزامات المفروضة عليه" من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وسدد العراق المبلغ من خلال لجنة الأمم المتحدة للتعويضات، وهي منظمة غير مشهورة تابعة للأمم المتحدة أنشأها مجلس الأمن في عام 1991 لتتولى مطالبات التعويض عن الغزو عام 1990.

وسمحت قرارات مجلس الأمن للجنة بأخذ 5% من عائدات النفط العراقي لدفع المطالبات المقدمة من الحكومات والشركات والمواطنين العاديين. وعلى مدى 3 عقود، دفع العراق 52.4 مليارات دولار كتعويض لأكثر من 1.5 مليون مطالب. وأعلنت الهيئة أنها حولت دفعة التعويض الأخيرة للكويت في 13 يناير/كانون الثاني 2003.

وكان الغزو العراقي للكويت أحد أكثر الصراعات تدويلا في العالم. وبين عامي 1990 و2017، أصدر مجلس الأمن أكثر من 40 قرارا تتناول قضايا نشأت عن تلك الحرب، وفرضت معظمها إجراءات يلتزم بها العراق.

وليس من المستغرب أن يستاء العراقيون من الالتزامات التي فرضتها الأمم المتحدة حتى لو فهموا سبب فرضها، خاصة بعد الإطاحة بـ"صدام حسين" من السلطة عام 2003، حيث استمرت الحكومات العراقية المتتالية في سداد الالتزامات منذ ذلك الحين.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، أشار أحد مستشاري رئيس الوزراء إلى أنه لو تم توجيه الأموال المدفوعة للكويت على مدى 30 عاما للاستثمار الإنتاجي داخل العراق، لكان ذلك "كافيا لبناء شبكة كهرباء" كان من الممكن أن تدعم العراق لأعوام.

وتغلق الدفعة الأخيرة من التعويضات أحد الفصول والتداعيات المهمة للغزو العراقي. وأشار سفير الكويت في العراق إلى أن لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة ستقدم قرارا إلى مجلس الأمن يقضي بإغلاق ملف التزامات التعويضات العراقية بشكل دائم. ومن المقرر أن يستمع مجلس الأمن إلى رئيس اللجنة في فبراير/شباط الجاري. ومن المتوقع بعد فترة وجيزة أن ينظر المجلس في قرار يؤكد أن العراق أوفى بالتزاماته المتعلقة بالتعويضات.

وإذا تم رفع التزام العراق بدفع 5% من عائداته النفطية إلى اللجنة، فسوف تتم إعادة 2 مليار دولار من العائدات إلى الخزانة العراقية سنويا. غير أن ذلك لن يحل النزاعات العالقة الأخرى، بما في ذلك عودة الأشخاص المفقودين والممتلكات المسروقة وترسيم الحدود البحرية.

الأشخاص المفقودون والممتلكات المسروقة

وكما يحدث في كثير من الأحيان أثناء الحرب، اختفى الناس والممتلكات الشخصية وتلك التابعة للدولة خلال الغزو العراقي.

وفي عام 1991، أصدر مجلس الأمن قرارين رقم 686 ورقم 687 بإلزام العراق بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر للإفراج عن جميع الكويتيين ورعايا الدول الأخرى الذين تم احتجازهم خلال الحرب، وإعادة رفات أي من المتوفين، وإعادة جميع الممتلكات الكويتية التي استولى عليها العراق.

وأطلق العراق سراح العديد من أسرى الحرب الكويتيين المسجلين لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لكن السجلات لم تتضمن كل أولئك الذين تم الإبلاغ عن أسرهم.

وحددت الكويت 605 مواطنا تعتقد أنهم اختطفوا ولم يطلق سراحهم. وشكلت الأمم المتحدة لجنة ثلاثية، برئاسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتتألف من ممثلين من الكويت والعراق والسعودية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، لإدارة البحث عن السجناء ورفات الموتى الكويتيين والممتلكات الشخصية والحكومية وإعادة كل ذلك للكويت.

وعلى مدار فترة عمل اللجنة، أعاد العراق مواد من الأرشيف الوطني الكويتي على 3 دفعات بالإضافة إلى رفات 275 كويتيا تم أسرهم خلال الحرب. وبالمثل، تعرفت الكويت على رفات 98 عراقيا وأعادتها. وبالرغم من هذا التقدم، لا يزال هناك أكثر من ألف مفقود، بينهم قرابة 400 كويتي، و700 عراقي، و9 سعوديين.

وبعد مرور أكثر من 30 عاما على الغزو، سيتطلب الأمر مشاركة نشطة من الحكومتين العراقية والكويتية لتشجيع مواطنيهما الذين قد يكون لديهم معرفة بأولئك المفقودين أو بالممتلكات المسروقة على تقديم تلك المعلومات إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر دون خوف من التعرض للعقوبة.

ترسيم الحدود البرية

وتعد الحدود البرية بين الكويت والعراق محمية الآن بسياج وأجهزة استشعار إلكترونية. وقد تم ترسيم الحدود وضمانها بقرارات مجلس الأمن، إلا أن هذا الترسيم لم يتم بسهولة ولم يكتمل بعد.

وحاولت الكويت والعراق عدة مرات خلال القرن الـ20 تحديد وترسيم حدودهما البرية والبحرية. وأدى تبادل الرسائل في عام 1932 إلى تحديد معظم الحدود، حيث اتفقت الكويت والعراق من حيث المبدأ على مكان الحدود على الخريطة، ولكن لم يتم ترسيمها فعليا.

وفي عام 1961 عندما نالت الكويت استقلالها، رفض العراق الاعتراف بالدولة الجديدة وطالب بأراضيها، ثم عكس العراق قراره واعترف بالكويت عام 1963، ووافق على الحدود التي تم ترسيمها عام 1932.

وفي عام 1990 بعد غزو الكويت، ادعى العراق مرة أخرى أن الكويت تتبع أراضيه. وبعد الحرب، أنشأت الأمم المتحدة لجنة لترسيم الحدود وفق ما تم الاتفاق عليه عام 1932 أخيرا.

ووضعت الحدود المرسومة عددا من العائلات العراقية داخل الكويت، وقدمت الحكومة الكويتية الأموال لبناء قرية جديدة لتلك العائلات على الجانب العراقي من الحدود، لكن بعضهم وبعض السياسيين العراقيين اتهموا الكويت والأمم المتحدة علنا بسرقة ممتلكاتهم وأراضيهم.

وفي محاولة لتقليل حدة هذه الادعاءات، أشار مجلس الأمن في القرار رقم 833 إلى أن "اللجنة لم تعد توزيع الأراضي بين الكويت والعراق"، لكنها كانت تقوم فقط "بالمهمة الفنية اللازمة لترسيم الإحداثيات الدقيقة وفق الحدود المتفق عليها في عام 1932". لكن الغضب لا يزال مشتعلا داخل هذه العائلات ما يشي بحدوث تصعيد سياسي، بالرغم من جهود الأمم المتحدة.

الحدود البحرية

ومع ترسيم الحدود البرية بمباركة الأمم المتحدة، تحول الانتباه إلى المهمة الأكثر صعوبة المتمثلة في ترسيم الحدود البحرية في ممر "خور عبد الله" المائي المشترك. وتوفر هذه القناة الضحلة بين شبه جزيرة الفاو وجزيرتي بوبيان ووربة الكويتيتين وصولا إلى الموانئ العراقية الرئيسية في أم قصر والزبير.

ويعد الحق الواضح في الملاحة في هذا الممر المائي أمرا بالغ الأهمية للتجارة العراقية.

ورغبة منها في تجنب المطالبات العراقية المستقبلية بالسيادة، طلبت الكويت من الحكومة العراقية عام 2005 تسوية الحدود البحرية. وبالرغم من توقيع الجانبين على اتفاقية بشأن سلامة الملاحة في "خور عبدالله" عام 2012، إلا أنهما لا يزالان بعيدين عن الاتفاق على مسار الحدود البحرية.

ويرجع عدم تسوية الحدود البحرية جزئيا أيضا إلى التوترات حول مسارات التنمية المتنافسة بين ميناء "مبارك الكبير" الكويتي في جزيرة بوبيان ومشروع "ميناء الفاو" العراقي، على بعد بضع مئات من الأمتار فقط في شبه جزيرة الفاو.

ويكمن القلق لدى كل جانب في التنافس بين الموانئ. وتأمل الكويت أن يكون ميناء "مبارك الكبير" الرابط البحري الرئيسي والمركز التجاري لكل من الكويت والعراق، مع وجود طرق لوجستية برية تزود كلا الاقتصادين. أما العراق فلديه طموحات مماثلة لميناء "الفاو".

أهداف الاستقرار والازدهار

كان تطبيع العلاقات بين الكويت والعراق تحت إشراف مجلس الأمن بطيئا. وفي حين أن السياسة في كل من العراق والكويت، لا سيما في برلماني البلدين، غالبا ما تعقد التحرك إلى الأمام، إلا أن التقدم كان ثابتا. ويدرك كبار المسؤولين في الحكومتين أهمية العلاقات الودية لتوفير الاستقرار والتنمية الاقتصادية.

وأكد أمير الكويت الراحل "صباح الأحمد الصباح" أن استقرار وازدهار العراق مهمان بشكل حيوي لاستقرار الكويت. وبناء على هذه الفكرة، أصبحت الكويت أكبر مزود خليجي للمساعدة الإنمائية للعراق. وفي فبراير/شباط 2018، استضافت الكويت مؤتمر المانحين لتسهيل استثمار القطاعين العام والخاص في العراق.

وبالمثل على الجانب العراقي، قال وزير خارجية عراقي بحماس إن السبيل الوحيد أمام العراق للهروب من الالتزامات التي فرضتها عليه الأمم المتحدة هو الاعتراف بما فعله "صدام حسين" بحق الكويت والعراق، والوفاء بمسؤوليات العراق الدولية.

وتشير هذه الاتجاهات الإيجابية إلى إمكانية حقيقية لاستمرار التقدم في المستقبل.

وستكون النهاية المحتملة لملف التعويضات العراقية للكويت بمثابة تطور إيجابي للعراق. ومع قليل من النوايا الحسنة من كلا الجانبين، يمكن للعلاقة بين العراق والكويت أن تتطور وتصبح أكثر فأكثر مصدرا للاستقرار والازدهار لكلا البلدين والمنطقة الأوسع.

المصدر | السفير دوجلاس سليمان - معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التعويضات العراقية للكويت غزو الكويت الاقتصاد العراقي ترسيم الحدود مجلس الأمن

مباحثات عراقية كويتية لتعزيز العلاقات وتنسيق المواقف

المهمة أنجزت.. إنهاء أممي لعمل لجنة تعويضات العراق للكويت