الشرارة الاجتماعية والسياسية لثورات العالم العربي.. الطبقة الوسطى وعدم المساواة والسلطة

الاثنين 21 فبراير 2022 05:35 ص

يقف العالم العربي في هذه الأحيان على مفترق طرق، ويواجه تحديات صعبة مقترنة بفرص هائلة قد تؤدي إما إلى مسار ديمقراطي يتكون تدريجيا أو إلى تراجع نحو مزيد من السلطوية.

وتتسم العديد من جوانب الثورات العربية الحديثة بالغموض وتسبب الحيرة، ولا تتناسب بسهولة مع الأطر الفكرية السائدة.

وبالنظر إلى التقلبات السياسية التي حدثت في الدول العربية على مدى الأعوام القليلة الماضية، وظهور قوى اجتماعية سياسية جديدة، من الضروري الآن إعادة تقييم الطبقة الوسطى ودراسة مكانها بين القوى الاجتماعية الجديدة.

ومع ذلك، فإن معرفة الطبقة الوسطى والتعرف على ماهية منتسبيها في العالم العربي ليست مهمة سهلة بسبب نقص البيانات المسحية اللازمة لتحليل أنماط الاستهلاك على المدى الطويل.

وركزت معظم الدراسات التي أجريت على الطبقة الوسطى في الدول العربية خلال الأعوام الـ10 الماضية على السلوك السياسي وفق أنماط الاستهلاك، مع العلم أن المقياس الاشتراكي الماركسي يأخذ في الاعتبار العوامل الثقافية والأنشطة الاجتماعية والمشاركة السياسية، لكنه يتجاهل عموما أنماط الاستهلاك.

وبالنظر إلى البيانات الاقتصادية وحدها، فإن ثورات الربيع العربي عام 2011 ما كان يجب أن تحدث أبدا. وكانت الأرقام من العقود السابقة تشير إلى إصلاحات تقدمية ونمو اقتصادي معتدل. ولم تكن هناك دوافع مباشرة واضحة مثل انخفاض الدعم أو التحولات الصادمة، على عكس التسعينيات عندما بدأت دولة الرفاهية في التراجع.

وفي الواقع، تربط نتائج دراسة للبنك الدولي بين المستويات المنخفضة للسعادة وعدم الرضا المشترك على نطاق واسع في المنطقة بالتصورات حول تدهور مستويات المعيشة. وكان الناس في الدول التي أصبحت الأكثر مشاركة في الربيع العربي، وهي مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن، من بين أقل البلدان رضا على مستوى العالم بالتدهور الحاد في مستوى المعيشة في المنطقة.

وعادة، يكون أولئك الذين لديهم آراء أكثر تشاؤما حول التغييرات الحقيقية عبر المسار السياسي أقل احتمالا للمشاركة في العمل السياسي الجماهيري.

ولا يمتلك الأفراد الفقراء والضعفاء المعرفة الكافية عن وضعهم الفعلي في المجتمع، ويميلون إلى الاعتقاد بأنهم أقرب إلى الوسط ​​مما هم عليه في الواقع. نتيجة لذلك، يعتقد المحرومون خطأ أن عددا أكبر من الناس سيكونون بؤساء مثلهم، ما يمنعهم بشكل أكبر من المطالبة بحقوقهم الأساسية.

وحتى وقت قريب، لم يعتقد خبراء الشرق الأوسط على ما يبدو أن فئة أصحاب الدخل المتوسط ​​يمكن أن تلعب دورا نشطا في قيادة التغيير الجذري. لكن هذه الفئة كانت في الواقع في الخطوط الأمامية لمعارضة إساءة استخدام السلطة، سواء من قبل الأنظمة الاستبدادية أو الديمقراطية، عبر التاريخ الحديث.

ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي، أصبحت الطبقات الوسطى العربية وسيطا للأيديولوجيات الكبرى، فقد كانت قاعدة دعم الاشتراكية والقومية العربية، فضلا عن الإسلام السياسي.

ولم يكن من المنتظر أن تشارك الطبقات الدنيا والعليا بشكل ملحوظ في المظاهرات ضد الحكومات مقارنة بالطبقات الاجتماعية المتوسطة.

وغالبا ما يتم التأكيد على أن هذه الطبقة لها أهمية سياسية كبيرة لعمليات التحول الديمقراطي، وهو ما يفسر سبب اندلاع الثورات في تونس ومصر، البلدان ذوي النمو الاقتصادي الأعلى في المنطقة، وليس في دول مثل سوريا أو اليمن حيث كانت الظروف الاقتصادية أكثر كارثية والقمع السياسي أشد قسوة.

ويبدو أن القضايا الاقتصادية كانت مركزية في الربيع العربي. وبالعودة إلى السياسات السابقة، يحتاج العالم العربي إلى التفكير في تغيير الاستراتيجيات الاقتصادية، مع التركيز على النمو الشامل، أي النمو الذي يوسع الطبقة الوسطى، ويعزز العدالة الاجتماعية، ويزيد من الفرص لجميع المواطنين.

ولا يريد أفراد الطبقة الوسطى الأمن لعائلاتهم فحسب، بل يريدون أيضا المزيد من الخيارات والفرص لأنفسهم. وكما هو الحال في الحكومتين التونسية والمصرية، اللتين كانتا أنظمة محسوبية رأسمالية كلاسيكية، اعتمدت الفرص الاقتصادية بشكل كبير على العلاقات السياسية.

وقد أنتجت أنظمة الرأسمالية الاستبدادية هذه تفاوتات مؤسفة، من خلال دعم تطور طبقة من فاحشي الثراء بشكل مباشر، وبصورة غير مباشرة من خلال عدم قدرتها على توفير وظائف لائقة كافية للطبقة المتوسطة المتعلمة جيدا. ولم يكن أي من البلدين، في أي مناسبة، قد نما بسرعة كافية من الناحية الاقتصادية لتقديم وظائف لأفواج أكبر من الشباب يوما بعد يوم. لهذا كانت النتيجة تمردا عنيفا.

وغالبا ما تنتج الثورات عن سلسلة أحداث تاريخية مؤسفة ولا يمكن التنبؤ بها دائما. ومنذ أكثر من 200 عام، أظهرت الدراسات حول هذه الأمور من مختلف التخصصات أن الثورات، كقاعدة عامة، محكوم عليها بالفشل. وسواء نجحت أم لا، فإن ذلك يعتمد على ثبات وموضع التحالفات المتشابكة بين المجموعات والطبقات الاجتماعية الداعمة للقضية.

وفي المقابل، يبقى الجيش ضامنا للحماية والأمن والاستقرار. على سبيل المثال، يمكن تفسير الصراع الدموي الدائر في سوريا على نفس المنوال بالضبط، كمعركة بين النظام والجماعات المتمردة يحاول كل منهما كسب دعم الطبقات الوسطى فيها.

ويظهر تاريخ طويل من الثورات أنه بدون ضوء أخضر أو دعم من الجيش، فلا وجود لثورة عفوية تنتصر. وتجدر الإشارة إلى أن نجاح أي انتفاضة لا يأتي إلا بعد بدايتها. وبالرغم من أن التوقيت بين اندلاع التمرد الشعبي الأولي ودعم الجيش قد لا يكون طويلا جدا في الثورات العفوية، إلا أن الناس، وليس العسكريين، هم الذين يبدؤون تلك الثورات.

ومن الواضح الآن أن الطبقة الوسطى الحديثة تسبب الهياج السياسي، ولكنها نادرا ما كانت قادرة، بمفردها، على إحداث تعديل ديمقراطي دائم. وذلك لأن هذه الطبقة نادرا ما تمثل أكثر من أقلية من المجتمع في البلدان النامية، وهي نفسها منقسمة داخليا.

وما لم تتمكن حركات الطبقة الوسطى من تشكيل ائتلاف مع مجموعات أخرى من المجتمع، فإنها نادرا ما تنتج تحولات سياسية دائمة. وتشهد نتيجة الثورات العربية في النهاية مدى صعوبة توحيد الأصوات والمطالب المتباينة في رسالة سياسية مشتركة.

وفي الأخير نقول إن اندلاع ربيع عربي جديد ربما يكون بعيد المنال، ربما بعد أعوام من الآن أو حتى عقود. لكن الانتفاضات المماثلة ستستمر في التكرار. ولقد أصبحت الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سبب شرارة الثورة قبل 10 أعوام أكثر خطورة الآن، لأسباب ليس أقلها جائحة كورونا. ومن الناحية السياسية، فإن التوترات بين النخب الراسخة التي تحاول السيطرة على الصوت العام والهيمنة على المشاركة السياسية ستخلق أزمات دورية. لذا فمن الطبيعي أن يستمر هذا الصراع على السلطة.

المصدر | ليا-آن مسلم - إنترناشونال بوليسي دايجست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ثورات الربيع العربي الانتفاضات العربية عدم المساواة الطبقة الوسطى الأنظمة الاستبدادية الديمقراطية العربية الرأسمالية الاستبدادية التفاوت الطبقي

أمير قطر السابق: روح الربيع العربي ما تزال حية.. والشعوب لم تقل كلمتها الأخيرة

انعقاد اجتماع دول الخليج وآسيا الوسطى الأربعاء في الرياض