مكاسب قصيرة وخسائر محققة.. كيف تؤثر الحرب الروسية الأوكرانية على دول الخليج؟

الخميس 24 فبراير 2022 09:20 م

"أفضل الخيارات خسارة".. هكذا خلصت تحليلات عديد المراقبين للشأن الخليجي بشأن الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، الخميس، وتداعياتها على المنطقة، في ضوء العلاقات التاريخية لدول مجلس التعاون الخليجي مع الولايات المتحدة من جانب، والتطور اللافت لعلاقاتها الاقتصادية مع روسيا في السنوات العشر الماضية من جانب آخر.

فرغم ما قد يبدو ظاهريا من "مكاسب" تجنيها دول الخليج من ارتفاع أسعار الطاقة وشغل جزء من حصة روسيا بالأسواق الدولية، جراء الحرب، إلا أن تلك المكاسب تظل "مؤقتة" ومقرونة بخسائر على أصعدة أخرى، بما فيها الصعيد الاقتصادي نفسه.

هذه المفارقة سلط عليها الضوء المحلل الاستراتيجي "ديفيد روش" في مقابلة أجراها مع شبكة CNBC الأمريكية، متوقعا أن يصل سعر برميل النفط بعد بدء الحرب إلى 120 دولاراً، ما يعني تغيرا كبيرا في الاقتصاد العالمي، يصب إيجابا لصالح خزائن دول الخليج.

لكن "روش" نفسه أكد أن الخطوات الروسية التالية للحرب تشبه "الشبح في الغرفة"، واصفا إياها بأنها "خيارات قد تشتت الأسواق العالمية على نحو واسع"، خاصة إذا تعرضت موسكو لعقوبات تشمل منع تصدير البضائع، خاصة النفط و الفحم و الغاز، بما ينعكس بشكل مباشر على تكتل منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها (أوبك+)، الذي تمثل روسيا ودول الخليج عموده الفقري.

معضلة خليجية

وإزاء ذلك، فإن ارتفاع أسعار النفط سيمثل، في وجهه الآخر، "معضلة" لدول الخليج، وسيضعها أمام خيارين: "إما مساعدة الغرب بضخ مزيد من النفط الخام لكبح جماح السوق، أو الوقوف بجانب تحالف نفطي (مع روسيا) استمر 5 سنوات، ومساعدة موسكو على حساب واشنطن"، حسب تحليل أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال".

وفي حال تمكن روسيا من تجاوز العقوبات أو الالتفاف عليها، فإن أسعار النفط المرتفعة ستدر عليها أرباحا قد تشكل "درع حماية" من العقوبات، إذ تشكل صادراتها 10% من نفط العالم، حسبما أوردت الصحيفة الأمريكية.

وبدا واضحا أن سياسات موسكو الاستراتيجية اتجهت، في السنوات الأخيرة، نحو تحويل منافسيها في مجال الطاقة، خاصة دول الخليج، إلى شركاء لها، ما شجع الترابط الاقتصادي فيما بينها، وجعل من الانحياز الخليجي المطلق للولايات المتحدة خيارا ذا كلفة عالية.

ومن زاوية تحليل "روش" نفسها، ينظر مراقبون إلى تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر مؤخرا، في إطار مساعي واشنطن لدفع الدوحة نحو لعب دور المورد البديل للغاز، حال فرض عقوبات مشددة على موسكو، خاصة أن قطر هي أكبر بلد منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم.

ومع احتشاد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، دعت الولايات المتحدة أمير قطر، الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، إلى البيت الأبيض للتباحث حول إمداد أوروبا في حالة اضطراب التجارة بين روسيا والاتحاد الأوروبي.

ودعا الرئيس الأمريكي "جو بايدن" دول الخليج مرارا إلى ضخ مزيد من النفط لخفض أسعار الوقود، الذي تضاعفت أسعاره بالنسبة للأمريكيين، مقارنة بما قبل جائحة كورونا، واشتدت تلك الدعوة مع ارتفاع أسعار الوقود لتقترب من 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ 8 سنوات، ومع الحرب في أوكرانيا تتجه للارتفاع إلى مستويات أعلى.

وإزاء ذلك، تجد قطر، التي طالما وازنت مصالحها بين الغرب والشرق، نفسها أمام الاضطرار لتلبية المطلب الأمريكي، بعد تصنيفها كحليف رئيسي لواشنطن من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، رغم ما ينطوي عليه من آثار جانبية.

فرغم أن الدولة الخليجية الصغيرة ستستفيد مالياً من دورها الجديد في قطاع الغاز، إلا أنها ستواجه خسائر كبيرا من جانب آخر، يتعلق بحجم استثماراتها المتزايدة مع روسيا خلال السنوات القليلة الماضية.

ففي عام 2013 اشترت قطر حصة بقيمة 500 مليون دولار في بنك VTB، وحصة بنسبة 25% في مطار بولكوفو في سانت بطرسبرج، ما يضع قطر في موقف صعب بشأن موقفها من الحرب في أوكرانيا.

وفي عام 2019 أصبح صندوق الثروة السيادية القطري وجهاز قطر للاستثمار مساهمين في شركة "روسنفت" في أعقاب خصخصة شركة النفط الروسية العملاقة التي تسيطر عليها الدولة، في أواخر عام 2016. ويمتلك جهاز قطر للاستثمار حاليا حصة 19% في تلك الشركة.

وإذا كانت المكاسب المحتملة من الحرب في أوكرانيا، بالنسبة لدول الخليج، مقرونة بوجه معاكس لها، فإن الخسائر لا تبدو كذلك، خاصة مع الآثار المترتبة للحرب على الاستثمارات المباشرة في أوكرانيا، فضلا عن اعتماد عدد من دول الخليج على جارة روسيا في معادلة أمنها الغذائي.

الاستثمارات في أوكرانيا

فالعلاقات بين دول الخليج وكييف بدأت مبكراً بعد استقلال الدولة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، وتشهد مؤخرا تطورا متسارعا، بعد أن دخلت في مرحلة الشد والجذب بين روسيا والغرب، خصوصاً بعد 2017، العام الذي شهد توقيع اتفاق إطار جماعي بين مجلس التعاون ممثلاً في دوله الست وأوكرانيا.

وبعد هذا الاتفاق، شهد التبادل التجاري والتعاون بين دول المجموعة وكييف تنامياً متسارعاً على أكثر من صعيد، إلى حد قاد رئيس الدولة "فولوديمير زيلينسكي" 2021 إلى زيارة الإمارات التي بلغت أرقام التبادل معها نحو مليار دولار.

 زيارة "زيلينسكي" لم تكن من فراغ، إذ تم إنشاء 200 شركة أوكرانية في الإمارات، ما ساهم في تعظيم النشاط الاقتصادي بين البلدين.

وتصدر أوكرانيا نحو 450 ألف طن من اللحوم سنوياً لدول عديدة في الشرق الأوسط، على رأسها المملكة العربية السعودية، التي تأتي في مقدمة الدول المستوردة للدواجن الأوكرانية بنسبة 18.4%، تليها على الترتيب: هولندا، ثم الإمارات بنسبة 8.3%.

وتعد أوكرانيا إحدى أهم الدول التي استثمرت فيها دول الخليج العربي خلال السنوات الأخيرة، خاصة في القطاع الزراعي وقطاعات أخرى، حيث وقع العديد من اتفاقيات الشراكة التي تطورت بشكل ملحوظ.

وتولي كييف اهتماماً كبيراً لتطوير تلك العلاقات، لا سيما في المجال الاقتصادي، كان آخرها إصدار رئيس أوكرانيا "فولوديمير زيلينسكي"، في أغسطس/آب 2020، مرسوماً يعفي مواطني دول الخليج من التأشيرة عند دخول بلاده.

وبسبب القيود الصارمة لمكافحة فيروس كورونا، المفروضة على المسافرين إلى أوروبا الغربية، اختار السياح من دول الخليج، خصوصاً من السعودية، أوكرانيا كوجهة سياحية مفضلة قبل الحرب، خاصة بعد إعفائهم من تأشيرة الدخول.

وفي الفصل الأول من 2021، بلغ عدد السياح السعوديين الذي زاروا أوكرانيا 14 ألف شخص مقابل 350 شخصاً قبل عام، حسب الوكالة الأوكرانية للسياحة، أي أن العدد ارتفع إلى 40 ضعفاً، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.

وفي الوقت نفسه، سعت روسيا إلى بناء علاقات تعاون اقتصادي أقوى مع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال جذب استثمارات واسعة من دول الخليج، ما يعني أن الخسائر الاقتصادية داخل روسيا ستؤثر سلبًا على دول الخليج أيضًا.

ولذا حرصت الدول الخليجية على إقامة علاقة متوازنة مع روسيا، رغم شراكتها الاستراتيجة مع الولايات المتحدة، وتمكنت الإمارات من زيادة تجارتها مع موسكو بنسبة 78% مقارنة بعام 2019، ووقع كلاهما إعلان شراكة استراتيجية لتعزيز مختلف جوانب العلاقة، مثل استقرار سوق النفط ومكافحة الإرهاب.

وإزاء ذلك، يحذر المحلل الاقتصادي "بندر الأحمدي" من التداعيات السلبية للحرب في أوكرانيا على دول الخليج، مشيرا إلى الانعكاس الفوري للعملية العسكرية الروسية على البورصات وأسواق المال في المنطقة، والتي بدأت تشهد انخفاضاً في مؤشره، وفقا لما نقله موقع "إندبندنت عربية".

ولفت "الأحمدي" إلى أن الآثار الاقتصادية المباشرة للحرب في أوكرانيا على الخليج تشمل إيقاف استيراد المواد الغذائية من كييف، "حيث إن أوكرانيا تعد إحدى الدول المهمة التي تعتمد عليها دول الخليج في تحقيق أمنها الغذائي" حسب قوله.

وفي السياق، يرى المحلل الاقتصادي "محمد القحطاني" أن دول الخليج ستشهد تأثرات سلبية على وضعها الاقتصادي، خاصة أن طرفي الحرب لهما تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، "ما يعني أن العالم سيواجه إشكاليات في سلاسل الإمدادات سواء الجوية، أو البحرية، أو البرية" حسب قوله.

 وأشار إلى أن هكذا سيناريو ينعكس على حجم السلع المتداولة في العالم، إضافة إلى ارتفاع فواتير شركات التأمين على البضائع، ما سيؤدي إلى "موجة من ارتفاع أسعار السلع، خاصة في منطقة الخليج، التي تعتمد على استيراد غالبية السلع من الخارج".

توتر العلاقات مع روسيا

ويتعدى المأزق الخليجي الاقتصاد إلى السياسة، حيث باتت دول مجلس التعاون أمام موازنة تبدو مستحيلة بين علاقاتهم مع روسيا، التي صعدت تدريجيًا منذ عام 2015، ومع الغرب، الحليف التاريخي التقليدي والضامن الأمني.

فالتحالف التقليدي الوثيق بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة شهد تحولات خلال السنوات الأخيرة، حيث تميل سياسات كل إدارة أمريكية جديدة إلى تقليص انخراطها المباشر في الشرق الأوسط، بما يحفز المزيد من التعاون بين روسيا ودول الخليج.

وتعني المحاولات الأمريكية المستمرة لاستبدال النفط والغاز الروسيين في السوق الأوروبية، نقصاً هائلاً في موارد الطاقة في العالم، ووقف الإمدادات إلى الصين، ما يعني أن الانعكاسات السياسية على دول الخليج قد تطال العلاقة مع بكين أيضا.

بل إن مخاطر الحرب في أوكرانيا قد تصل إلى مستوى الانعكاس العسكري المباشر، في ظل وجود قوات وقواعد روسية بالمنطقة (سوريا – البحر المتوسط)، لاسيما في حال استخدام واشنطن قواعدها العسكرية بالخليج في أي عمل عسكري داعم لأوكرانيا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

وفي هذا الإطار، أوردت "روسيا اليوم" مقالا للمحلل السياسي "ألكسندر نازاروف"، ذكر فيه أنه "في حالة نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا فإن أي استخدام لقواعد واشنطن في شرق البحر الأبيض المتوسط أو الخليج في الهجوم سيجعل من تلك المناطق الواقعة في نطاق الصواريخ الروسية مرمى مناسباً لهذه الصواريخ".

ويشير المحلل الروسي إلى أن تعهد الغرب، خاصة الولايات المتحدة، بأمن الخليج ودوله، ووجود قواعد غربية في دول مجلس التعاون، يعني أنه من غير المستبعد استخدام هذه القواعد في الصراع الغربي الروسي، خاصة في ظل اشتعال الحرب بأوكرانيا.

وفي لغة جمعت بين التحليل والتهديد، لفت "نازاروف" إلى أن استخدام القواعد الأمريكية بدول الخليج في حرب أوكرانيا "يجعل هذه الدول أهدافاً مشروعة للرد العسكري الروسي، كما أنها توفر ذريعة مشروعة لتدمير منشآتها النفطية والغازية بشكل كامل، إذا أردات روسيا التصعيد".

كل هذه المعطيات انعكست على الموقف الخليجي الرسمي من الحرب في أوكرانيا حتى مساء الخميس، إذ اكتفت دول مجلس التعاون بإصدار بيان، يؤكد "دعم الجهود الدولية لتخفيف حدة التوتر في أوكرانيا" ويدعو إلى "حل الأزمة من خلال الحوار والدبلوماسية"، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء السعودية (واس).

لكن بطريقة أو بأخرى، لا يمكن للدول العربية في الخليج، إلا أن تختار، وسيتعيّن عليها اتخاذ هذا الخيار في وقت مبكّر عن دول العالم الأخرى، وسيكون هذا الاختيار صعباً للغاية، وأفضل نتائجه خسارة على الأرجح.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

الخليج روسيا أوكرانيا قطر الطاقة الغاز

السر في أسعار النفط.. كيف تستفيد دول الخليج من الحرب في أوكرانيا؟

الإندبندنت: هل يكون الخليج الرابح الأكبر من الغزو الروسي لأوكرانيا؟

بعد عام من التوتر.. الفائزون والخاسرون في الحرب الروسية الأوكرانية