الضغط الغربي والمقاومة الأوكرانية.. هل يدفعان بوتين لسياسة الأرض المحروقة؟

الثلاثاء 1 مارس 2022 01:16 م

على عكس كافة التوقعات، لم تكن أوكرانيا لقمة سائغة لروسيا ورئيسها "فلاديمير بوتين"، ولكن كييف صمدت لليوم السادس على التوالي في وجه ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل أعلنت أنها كبدت الدب الروسي خسائر كبيرة في الأسلحة والعتاد وكذلك العسكريين.

هذا الصمود صاحبه ضغط غربي واسع بمستويات مختلفة ومتنوعة وتضييق للخناق على روسيا سياسيا واقتصادايا وتجاريا وماليا وحتى رياضيا، وكذلك عبر فرض عقوبات شملت العديد من القيادات وبينهم رأس الدولة "بوتين"، علاوة على إعلان دول قوية مثل ألمانيا استمرارها في إمداد أوكرانيا بالسلاح، وذلك وسط غضب روسي منقطع النظير.

تلك التداعيات والمعطيات التي صاحبت العدوان الروسي والتي لم تكن تخطر على بال "بوتين" الغضبان، يراها الكثير من المحللين أرضا خصبة للغاية، لدفع الأخير -وهو رجل استخباراتي يقول عن نفسه إنه لا يعرف الهزائم- إلى اتباع سياسة الأرض المحروقة في أوكرانيا، عبر استهداف المدنيين والبني التحتية المدنية، لا سيما مع نذر الفشل العسكري.

سياسة الأرض المحروقة، رأى البعض أنها بدأت بالفعل في العدوان الروسي على أوكرانيا، مستندين إلى الأخبار الواردة من كييف عن مقتل مئات المدنيين وتدمير الكثير من المنشآت المدنية عبر القصف الروسي، وهو الأمر الذي حذرت منه منظمات حقوقية دولية بالفعل.

وذهب مراقبون إلى أبعد من ذلك، فلم يستبعدوا استخدام "بوتين" قنابل نووية صغيرة تسمى بالقنابل الاستراتيجية لإنهاء المعركة سريعا.

ضغوط مستمرة

وخلال الأيام الست الماضية، لم تتوقف الضغوط الغربية على روسيا من أجل وقف الحرب أو التراجع عنها، سواء بالتصريحات أو العقوبات.

ووجهت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي ضربة أخرى لموسكو، الإثنين، بإعلانها حظر مرور كافة السفن الحربية مضيقي البوسفور والدردنيل، بما فيها السفن الروسية، وذلك بعد ساعات قليلة من تصريحات لرئيس البلاد "رجب طيب أردوغان" قال فيها إن أنقرة مصممة على استخدام صلاحياتها بموجب "اتفاقية مونترو".

فيما أمر رئيس الوزراء البريطاني الثلاثاء، استعداد الغرب لتكثيف العقوبات على روسيا "طالما دعت الحاجة"، كما أعلنت كوريا الجنوبية تعلن فرض عقوبات على 7 بنوك روسية.

من جانبها، أعلنت شركة "يوتيوب" توقف بث قناتي آر تي وسبوتنيك الروسيتين في أوروبا، أيضا قررت شركة "ميرسك" العملاقة وقف الشحنات المتوجّهة إلى الموانئ الروسية.

رياضيا، سحب الاتحاد الدولي للكرة الطائرة تنظيم مونديال 2022 من روسيا، كما جرد الاتحاد الدولي للتايكوندو "بوتين" من الحزام الأسود الشرفي في اللعبة.

استهداف المدنيين

وخلال الساعات الأخيرة، كشفت العديد من التقارير والمراصد الحقوقية عن قيام الجيش الروسي بقصف عشوائي على كييف وتغيير دفته من المنشآت العسكرية إلى منشآت مدنية.

كما قالت منظمتا "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، إن القوات الروسية استخدمت على ما يبدو ذخائر عنقودية محظورة على نطاق واسع مع اتهام الأولى القوات الروسية بمهاجمة روضة أطفال في شمال شرق أوكرانيا أثناء وجود لاجئين مدنيين بها.

فيما قالت السفيرة الأوكرانية لدى الولايات المتحدة "أوكسانا ماركاروفا" للصحفيين بعد تقديم إفادة لأعضاء الكونجرس الأمريكي إن روسيا استخدمت سلاحا حراريا يعرف باسم القنبلة الفراغية في غزوها لبلادها.

وأضافت: "استخدموا القنبلة الفراغية اليوم، والتي تحظرها بالفعل اتفاقية جنيف... الدمار الذي تحاول روسيا إلحاقه بأوكرانيا كبير".

وتستخدم القنابل الفراغية الأكسجين من الهواء المحيط لتوليد انفجار شديد الحرارة، وعادة ما تنتج عنها موجة انفجار بمدة أطول بكثير مقارنة بالمتفجرات التقليدية.

وفي هذا الصدد، ذكرت شبكة "سي إن إن" أن فريقا لها شاهد راجمة صواريخ حرارية متعددة الفوهات الحرارية بالقرب من الحدود الأوكرانية في ساعة مبكرة من بعد ظهر السبت.

من جانبها، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض "جين ساكي" إنها اطلعت على هذه التقارير ولكن ليس لديها تأكيد على استخدام روسيا لمثل هذه الأسلحة.

ميدانيا أيضا، قال رئيس منطقة خاركيف الأوكرانية "أوليج سينيجوبوف"، الثلاثاء، إن الهجمات الصاروخية الروسية أصابت مركز ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا بما شمل المناطق السكنية ومبنى الإدارة، مع دخول الغزو الروسي يومه السادس.

وذكر "سينيجوبوف" أن روسيا أطلقت صواريخ جراد وكروز على خاركيف وأنها مدانة بارتكاب جرائم حرب. وأضاف أن دفاعات المدينة صامدة.

وفي هذا الصدد، قال الخبير العسكري العميد "أحمد رحال"، إن تصريحات روسيا بأن الجيش الأوكراني يستخدم المدنيين دروعًا بشرية وتبريرها بذلك سقوط قتلى منهم، هو "نصف الحقيقة".

وأضاف في حوار مع برنامج المسائية على الجزيرة مباشر، أنه لا مجال للقوات الأوكرانية سوى البقاء بمحيط المدن وبناء خطوط دفاعها أحيانا على مقربة من الضواحي والمدن.

وتساءل المتحدث عما إذا كان من المطلوب تسليم أوكرانيا مدنها للجيش الروسي، مستطردًا أنها من الطبيعي أن تقاتل، وأن تزعج المقاومة الشعبية الروس.

وذهب رحال إلى أن الجيش الروسي استفاد من الحرب السورية، وأنه يحاول استنساخ التجربة على المدن الأوكرانية، مضيفا أن الروس اختبروا أكثر من 300 سلاح في سوريا، وسياسة تكتيك تقطيع الأوصال، وهو ما يطبقونه اليوم في أوكرانيا.

إخفاق عسكري

الأنباء الواردة عن استهداف المدنيين والبني التحتية المدنية، تزامنت مع تقديرات للمخابرات العسكرية البريطانية عن إخفاق روسي كبير على الأرض.

وقالت الاستخبارات العسكرية البريطانية، إن التقدم الروسي نحو كييف لم يحرز تقدما يذكر خلال الساعات الـ24 الماضية وذلك على الأرجح نتيجة للصعوبات اللوجستية المستمرة.

وأشارت إلى أن القوات الروسية كثفت استخدامها للمدفعية شمالي كييف والمناطق المجاورة لخاركيف وتشرنيهيف، مضيفة أن استخدام المدفعية الثقيلة في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان يزيد بشكل كبير من خطر وقوع ضحايا من المدنيين.

وكشفت الاستخبارات البريطانية أن روسيا أخفقت في السيطرة على المجال الجوي فوق أوكرانيا مما دفع إلى للتحول إلى العمليات الليلية في محاولة لتقليص خسائرها.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإنه بنظرة إلى الأوضاع الميدانية على الأرض نجد أنه لا يلوح أن العمليات العسكرية على الأرض تسير كما خططت لها القيادة العسكرية الروسية، بل على العكس يبدو الإحباط هو الشعور السائد إزاء نتائج تعتبر هزيلة بعد ستة أيام على بدء الاجتياح.

وإلى جانب تأثيراته السلبية المباشرة على معنويات أفراد الجيش الروسي، فإن اليأس من تحقيق انتصارات حاسمة يمكن أن يدفع هذا الجيش إلى حافة اليأس واعتماد ضربات وحشية عشوائية تتقصد رفع المعنويات وتنطوي على ارتكاب الفظائع وجرائم الحرب.

ولعل تهديد روسيا باللجوء إلى السلاح النووي، يعد مؤشرا قويا على أن الأمور لم تسر كما خططت لها، إذا أعلن وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويجو"، الإثنين، أن أسلحة الردع لروسيا ذات القوة النووية في حالة تأهب مشدد.

وعلى وجه التحديد، تحدث الوزير عن قوات الصواريخ الاستراتيجية، والأسطول الشمالي وأسطول المحيط الهادئ، وقوات الطيران لمسافات طويلة.

وأمر الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بهذه الخطوة ردا على تصريحات اعتبرها "عدوانية" من حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وقال "بوتين": "الغرب لا يتخذ خطوات عدائية اقتصادية وحسب، بل أدلى مسؤولون بحلف الناتو بتصريحات عدوانية ضد روسيا".

وبالإضافة لذلك، لم يتوقع "بوتين" أن العقوبات الأمريكية والغربية يمكن أن تشتمل على إزالة مصارف روسية بارزة من نظام المدفوعات العالمي "سويفت" الذي يصعب أن تستغني عنه التجارة الروسية مع العالم الخارجي، وسبق لوزير المالية الفرنسي أن اعتبره بمثابة سلاح نووي.

كما لم يتوقع أيضا هبوط الروبل أمام الدولار بأكثر من 41% خلال أقلّ من أسبوع على بدء الاجتياح، وهذا رقم قياسي يُضاف اصلاً إلى معدل الـ53.77% التي خسرها الروبل مؤخراً في أسواق الصرف.

تراجع الحلفاء

لم يتوقع "بوتين" أيضا أن يجد المعارضة لعملياته في أوكرانيا من دول مثل الصين وإيران، وهما حليفان بارزان للدب الروسي.

فبعدما كات الصين تلقي باللوم على أمريكا والناتو فيما يتعلق بالحرب الروسي في أوكرنيا، اتبعت سياسة منتصف العصا، الثلاثاء، عبر دعوتها الأطراف الروسية والأوكرانية إلى ضبط النفس وتفادي خروج الأمور عن السيطرة.

وقالت: نحن مستعدون للقيام بدور بناء لتهدئة الأوضاع في أوكرانيا.

وفي تحول لافت، أعلن المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي"، الثلاثاء، أن بلاده "تعارض الحرب في أوكرانيا ولا تدعم قتل الأبرياء وتدمير البنى التحتية في أي مكان بالعالم"، وذلك في تحولا لافت بموقفها إذ كانت سابقا تعتبر أن حلف "الناتو" هو سبب الحرب.

وأضاف "خامنئي" في كلمة بثها التلفزيون أن الأزمة الأوكرانية أثبتت أنه "لا يمكن الوثوق في الولايات المتحدة".

وأشار إلى أن أوكرانيا ضحية السياسة الأمريكية وواشنطن هي من أوصلت أوكرانيا لهذه المرحلة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روسيا المقاومة الأوكرانية أوكرانيا بوتين العقوبات