مرحلة حرجة.. سيناريوهات صعبة أمام تركيا في ليبيا

الأربعاء 16 مارس 2022 03:07 م

تجد تركيا نفسها في موقف صعب مع تصاعد المواجهة بين رئيسي وزراء ليبيا المتنافسين "فتحي باشاغا" المعين من قبل برلمان شرق ليبيا، و"عبدالحميد دبيبة" رئيس الحكومة التي ترفض التنازل عن السلطة ومقرها طرابلس.

وقد عملت أنقرة عن كثب مع "باشاغا" خلال فترة ولايته كوزير للداخلية في الحكومة المؤقتة السابقة في طرابلس. لكن بالنسبة للرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، فإن وجود حكومة لـ "باشاغا" تخضع لنفوذ الجنرال "خليفة حفتر" ورئيس مجلس النواب "عقيلة صالح"، اللذين عارضا الوجود العسكري التركي في ليبيا، قد يعني خسارة التطمينات التي كان يقدمها "الدبيبة".

ومع ذلك، يبقي "أردوغان" الباب مفتوحًا أمام "باشاغا" مع الحفاظ على دعم حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها "الدبيبة". وبالرغم أن تركيا تحاول تجنب التصعيد في هذه المرحلة الحرجة، لكن وجودها العسكري والاستخباراتي والدبلوماسي في طرابلس يظل مؤثرًا على التوازن ويجعل الملعب أكثر أمانًا لـ"الدبيبة".

وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية تحت رعاية الأمم المتحدة العام الماضي، سعت تركيا للاتصال مع الجهات الفاعلة في شرق ليبيا في محاولة لإذابة الجليد مع القوات التي قاتلت حلفاءها الليبيين. لكن هذه الجهود تعثرت في فبراير/شباط الماضي، حين اختار مجلس النواب "باشاغا" ليشكل حكومة جديدة على أساس أن ولاية "الدبيبة" انتهت في 24 ديسمبر/كانون الأول وهو التاريخ الذي كان مقررا لإجراء الانتخابات.

ويعتقد الكثيرون الآن أن مواقف الولايات المتحدة وتركيا ستكون حاسمة في تغيير موازين القوى. ووصل المعسكران الليبيان إلى حافة المواجهة المسلحة في 10 مارس/آذار الجاري عندما انتقلت القوات الموالية لـ"باشاغا" من مصراتة نحو طرابلس لكن قوات موالية لـ"الدبيبة" أوقفتهم.

وضغط السفير الأمريكي في طرابلس "ريتشارد نورلاند" والمستشارة الخاصة للأمم المتحدة حول ليبيا "ستيفاني ويليامز" على الجانبين للتركيز على إجراء انتخابات من خلال تشكيل لجنة مشتركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.

وقال موقع "أراب ويكلي" إن تركيا تدخلت في وقت سابق من هذا الشهر وعرضت الوساطة بين المتنافسين. وبحسب ما ورد قبل "باشاغا" العرض، لكن "الدبيبة" رأى أن تدخل أنقرة سيكون اعترافًا ضمنيًا بحكومة "باشاغا" وبالتالي نهاية ولايته شخصيًا، لذلك رفض "الدبيبة" العرض وأعرب عن "استعداده لاستخدام الوسائل العسكرية" ضد "باشاغا".

اعتراف مبطن بـ"باشاغا"

وكانت هناك تكهنات بأن "الدبيبة" قد يوافق على التخلي عن المنصب لـ"باشاغا" بشرط أن يترشح للرئاسة في الانتخابات المرتقبة. في المقابل، ذكرت تقارير أن "نورلاند" طرح صيغة وسيطة تستمر بموجبها حكومة الوحدة الوطنية حتى الانتخابات بعد بعض التنقيحات على مجلس الوزراء، شرط أن يمنح "الدبيبة" ضمانًا خطيًا بأنه لن يترشح للرئاسة، لكن مساعدي "باشاغا" نفوا صحة هذا التقارير.

ومع محاولة "باشاغا" التوجه إلى طرابلس، عززت الأطراف المعنية جهودها لمحاولة التوصل إلى حلول وسط. وفي 12 مارس/آذار، أعلن "نورلاند" استعداد الطرفين للمحادثات بعد اجتماعه مع "باشاغا" في تونس. وقال إن طرفي الصراع سيحددان شكل ومكان المحادثات بالتشاور مع الأمم المتحدة والشركاء الدوليين. ووفقًا لمصادر ليبية، أصبح "الدبيبة" الآن يفضل الوساطة التركية.

وفي إشارة إلى مدى سيولة الوضع، استقال 3 وزراء من حكومة "الدبيبة"، ويبدو أن الكثيرين يستنتجون أنه يجري سحب البساط من تحت أقدام "الدبيبة"، ويرى هؤلاء أن الدعم الدولي للمحادثات بين رئيسي الوزراء المتنافسين بمثابة اعتراف مبطن بـ"باشاغا".

ومع ذلك، قد يؤدي فشل "باشاغا" في فرض سيادته إلى رفض قوات "حفتر" التعاون مع جهود "ويليامز" (التي تركز على الانتخابات) أو اتخاذ خطوات أخرى لتحدي الغرب، بما في ذلك وقف إنتاج النفط.

في خضم الجهود المبذولة للحد من الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، تحاول واشنطن تجنب أي اضطرابات في تدفق النفط الليبي. وقد أدى وقف إنتاج النفط في حقلين رئيسيين في ليبيا لدفع الأمم المتحدة والولايات المتحدة إلى الدعوة لوضع حد فوري لهذا التوقف.

هل تدعم تركيا "باشاغا"؟

يمكن أن يقدم التفاهم مع "باشاغا" فرصة لتركيا لنزع فتيل التوتر مع شرق ليبيا، لكن أنقرة تحتاج إلى التعامل بحرص في ظل استمرار عداء قوات طرابلس ومصراتة - الذين دربتهم وجهزتهم - تجاه "حفتر". وعلاوة على ذلك، فإن "حفتر" و"صالح" المدعومين من مصر وروسيا، يتشاركان في هدف دفع تركيا خارج ليبيا رغم التنافس بين الاثنين. وقد خرج اجتماع 9 مارس/آذار لجامعة الدول العربية بإدانة أخرى لتواجد تركيا في ليبيا، مما يدل على أن مصر لا تزال تتمسك بموقفها.

باختصار، فإن تحول تركيا إلى "باشاغا" ليس سهلًا في ظل عدم تأكدها من رد فعل الليبيين في الغرب ومن التحركات المستقبلية لليبيين في الشرق.

وقال الباحث المتخصص في شؤون ليبيا "جليل هرشاوي" إن وجود تركيا في شمال غرب ليبيا "راسخ جدًا" ويضم "أكثر من 700 مستشارا وضابطًا"، وأضاف: "هناك أكثر من 3 آلاف مرتزق سوري يمكن تعبئتهم في سياق عملية عسكرية إذا تدهور الوضع".

وتابع قائلًا: "نشطت أنقرة في دور التنسيق، وعندما توفر دولة ناضجة مثل تركيا التنسيق، لابد أن يكون التماسك بين الليبيين أكبر وأكثر فعالية، وهذا ما رأيناه في الأسابيع الأخيرة. ولا يعني ذلك أن تركيا وحدها وراء مرونة حكومة الوحدة الوطنية حتى الآن، لكن دور تركيا له أهمية هائلة، وكان مزيج الوجود العسكري والمشورة والتنسيق له دور فعال حتى الآن".

عوامل تهدد حظوظ "باشاغا"

ساهم النهج الغامض للولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجهات الدولية الفاعلة الأخرى في تشجيع "الدبيبة" على المقاومة؛ فقد احتفظ بالقدرة على الوصول إلى الوسائل المالية، وواصل العمل مع رئيس الأركان العامة ورئيس المخابرات العسكرية، وضمن ولاء عدد من القوات العسكرية. وبقي "عبدالغني الككلي" و"أيوب أبوراس"، وهم قادة ميليشيات في طرابلس، إلى جانب "الدبيبة".

في المقابل، يبدو أن "باشاغا" يتمتع بتفضيل عدد كبير من المجموعات الغربية بالإضافة إلى الدعم المحتمل من قوات "حفتر". ووفقًا لوكالة "الأناضول"، فقد أعربت 118 جماعة مسلحة عن دعمها لـ"باشاغا" في حين تدعم 65 جماعة "الدبيبة". أما أكبر نقطة ضعف لدى "باشاغا" فهى بقاء حاكم البنك المركزي، الذي يسيطر على عائدات النفط ومخصصات الميزانية، إلى جانب "الدبيبة".

ووفقًا لـ"هرشاوي"، فإن تركيا ليست العامل الوحيد الذي يمنع "باشاغا" من دخول طرابلس، حيث قال: "عدد كبير من نخبة مصراتة، من الشيوخ والأثرياء، ما زالوا متشككين في تحالف باشاغا مع حفتر. فيما كان الدبيبة نشطا وقدم ترتيبات مالية إلى رجال الميليشيات الذين تم إغراؤهم في البداية بمعارضته".

في حين أن "الدبيبة" هدد باستخدام القوة، لكن "باشاغا" كان أكثر حذرًا، وهو ما يعزوه "هرشاوي" إلى المخاطر السياسية التي تهدد "باشاغا"، بما في ذلك تحالفه مع "حفتر".

وقال الباحث: "جغرافيًا، يحاول داعمو باشاغا المجيء إلى طرابلس من الخارج لذلك فإنه احتمالات خسارته تفوق الدبيبة. وإذا تورط في تحفيز جولة من القتال تذكر بحرب حفتر في 2019-2020، فسوف يفقد باشاغا كل شيء سياسيا".

أمريكا تبقي خياراتها مفتوحة

نظرًا لقلق الولايات المتحدة بشأن علاقات "حفتر" مع روسيا، اتبعت واشنطن نهجًا يتماشى مع موقف تركيا. ومع ذلك، حافظ "نورلاند" على اتصالات مع كل من "الدبيبة" و"باشاغا".

وسعت الولايات المتحدة إلى تمهيد الطريق لخطة الأمم المتحدة المتمثلة في تشكيل لجنة معنية بوضع قاعدة دستورية تقود البلاد إلى الانتخابات ومن ثم الاجتماع في 15 مارس/آذار الجاري، ولمدة أسبوعين تحت رعاية الأمم المتحدة. وإذا حدث تغيير في الموقف الأمريكي في نهاية المطاف، فقد يتغير موقف تركيا أيضًا.

وقال "هرشاوي": "عرفت واشنطن باشاغا جيدًا لسنوات عديدة، وتتمنى أن تحتفظ بخياراتها مفتوحة. وإذا تمكن باشاغا من دخول طرابلس بشكل ما، فقد تتجه الولايات المتحدة إلى قبول ذلك وتتعامل مع الواقع الجديد بسلاسة".

ويعتمد استعداد واشنطن على اختيار "باشاغا" أيضًا على ما إذا كان بإمكانه أن يكون بمستوى التوقعات الأمريكية في الحد من النفوذ الروسي المرتبط بـ"حفتر"، خاصة في خضم الأزمة الأوكرانية، حيث يبدو أن موقف الولايات المتحدة الصارم ضد روسيا ستكون له تداعيات في ليبيا أيضًا.

تسليم السلطة أو التدخل العسكري

من غير المرجح أن القوى الخارجية بتسليم السلطة في طرابلس دون فرض شروط على "باشاغا" وحلفائه، وستكون شروط الولايات المتحدة الحد من نفوذ روسيا، أما تركيا فستشترط الحفاظ على وجودها في ليبيا واعتماد شرق ليبيا لاتفاقية عام 2019 بشأن ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا.

ولكن، ماذا لو حاول "باشاغا" دخول طرابلس بالقوة، مدعومًا بقوات "حفتر"، ودون أي تطمينات للجانب التركي أو الأمريكي؟

يرى "هرشاوي" أن مثل هذا السيناريو قد يؤدي إلى تكرار تدخل تركيا في 2019-2020 لصالح طرابلس مع مباركة الولايات المتحدة. وقد ينطوي ذلك على "التوسع الإقليمي" إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات "حفتر" ومرتزقة شركة "فاجنر" الروسية، والتي التي تضم حقول النفط الرئيسية.

وبعد تأمين طرابلس في عام 2020، توقفت تركيا في سرت والجفرة حيث وقفت مصر وروسيا في حالة تأهب، لكن روسيا هذه المرة منشغلة بشكل مفرط في أوكرانيا.

المصدر | فهيم تستكين | المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا حكومة الوحدة الوطنية ليبيا الدبيبة باشاغا حفتر عقيلة صالح روسيا الولايات المتحدة فاجنر

تركيا: ندعم المسار الديمقراطي في ليبيا

معهد واشنطن: تركيا والإمارات تتحولان من نقمة إلى نعمة في ليبيا

تركيا تدعو ليبيا لتجنب أي خطوات قد تؤدي إلى تجدد الصراع

المجلس الرئاسي الليبي يشيد بالتعاون العسكري مع تركيا

تركيا توضح حقيقة إرسال وفد إلى ليبيا لإقناع الدبيبة بالتخلي عن السلطة