جورج فريدمان: هذا هو الدرس الأهم من الحرب الروسية في أوكرانيا

الجمعة 18 مارس 2022 08:31 ص

بعد الحرب، تركز جميع الأطراف على "الدروس المستفادة" باعتبارها فرصة للتعلم من خلال مراجعة النجاحات والإخفاقات، ويتم تضمين الخلاصات في التخطيط والتدريب للحرب القادمة.

وغالبا ما تشمل هذه العملية توجيه أصابع الاتهام للمسؤولين عن التقصير، فالإشادة بأصحاب الفضل في الانتصارات أو إلقاء اللوم على المتسببن في الهزائم جزء لا مفر منه من عملية التعلم، فضلا عن عملية الترقيات. وبالرغم أن منتصف الحرب ليس أفضل مكان لاستخلاص النتائج النهائية، فإن تعلم الدروس خلال المعركة يعد أمرا شديد الأهمية. 

وتمتلئ الحرب الروسية في أوكرانية بالدروس التي يمكن استخلاصها بالرغم من مرور أقل من شهد على الحرب. ويمكن رؤية الدروس المهمة على المستوى الاستراتيجي، وليس المستوى العملياتي أو التكتيكي.

يقال إن الروس يلقون بأعداد كبير من الاحتياط في القتال كما أنهم يجندون مرتزقة من مختلف أنحاء العالم، ومن الواضح أنهم يتوقعون حربًا طويلة ويفتقرون إلى المشاة أو أن شيئًا آخر يحدث. ربما يعتزمون متابعة هذه الحرب من خلال الانزلاق إلى أوروبا الشرقية، في حين تقوم القوات الأجنبية بتأمين مهام الاحتلال، وهي رواية مثيرة للاهتمام ليس لدي أي دليل عليها.

في المقابل، يقوم الأوكرانيون بتعبئة جميع مواطنيهم. وهنا يأتي السؤال وهو إلى متى سيقاتل المواطنون إذا أصبحت المعركة ميؤوساً منها؟ ويمكن القول إن روسيا دولة فقيرة بجيش متوسط​، وليست قوة عظمى، لكنها محاطة بدول أفقر وجيوش أضعف. ويمكن للروح أن توصلك بعيدًا في الخيال، لكن جيشًا منضبطًا لا يرحم قد يأخذك إلى حيث تريد أن تذهب. 

في النهاية، سنعرف المنتصر من خلال العلم الذي يرفرف فوق العاصمة.

لكن الدرس الاستراتيجي الأهم حتى الآن لا علاقة له بروسيا أو أوكرانيا. لقد أثبتت الولايات المتحدة أن أقوى سلاح في العالم هو الدولار. فالتجارة العالمية تتطلب هذه العملة؛ إما في اليد أو كمعيار يتم على أساسه التداول. ويأتي اليورو في المرتبة الثانية بمسافة، ولن يوقع أحد على مشروع بناء مدته 5 سنوات مقوم باليوان.

ومن أجل الوصول إلى الدولارات، يجب أن يكون لدى المرء حق الوصول إلى المكان الذي يطبعها، أو الاحتياطي الفيدرالي، أو إلى بعض المؤسسات المالية التي تعمل بالدولار وهذه المؤسسات مهووسة بعدم التعارض مع اللوائح الأمريكية، وقصة كيفية عمل ذلك معقدة.

ويمكن للولايات المتحدة، كونها أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستورد، أن تعيث فسادا في بلد ما كما اكتشفت إيران، فعدم الوصول إلى الدولارات يؤدي إلى منع الصادرات وشل اقتصاد أي دولة. ولكن مفتاح نجاح الدولار كسلاح هو تعاون الدول الأخرى.

وفي الأزمة الأخيرة، لم تحشد الولايات المتحدة معظم دول الناتو فحسب، بل حشدت أيضًا دولًا مثل اليابان، وهي بعيدة عن القتال ولكنها قريبة من الدولار. وقد أدت رغبة الحلفاء في عدم الانخراط في حرب مباشرة إلى خلق تحالف من البنوك المركزية التي تتعاون جميعها لعزل الاقتصاد الروسي، الذي يعتمد على تصدير السلع الأولية (الطاقة) بدلاً من المنتجات الصناعية أو التقنية.

ويشكل الجمع بين حظر واردات الطاقة الروسية إلى الولايات المتحدة وإدارة الدولار كسلاح - بالتنسيق مع تحالف كبير - أزمة عسكرية غير متوقعة لروسيا. إن الموت من أجل بلدك شيء، وأن ترى أطفالك يعانون من الجوع شيء آخر.

وتنطلق استراتيجية الحرب الأمريكية جزئيًا من عدم الرغبة في إشراك القوات في القتال؛ وذلك بسبب النفور من المزيد من خسائر الحروب، ولأن مركز ثقل العدو اليوم ليس عسكريًا ولكنه مالي. وعلى عكس الغارة الجوية، لا تنفجر الضربات المالية فجأة لكنها تطحن ببطء نسيج الأمة حتى يدخل العدو في حالة من الضعف الشديد، أو هكذا تقول النظرية على الأقل.

وهناك بالطبع تداعيات سلبية أيضا علي الجبهة الدخلية في الولايات المتحدة. وخلال الحرب العالمية الثانية، تم وضع ضوابط صارمة على البنزين إلى جانب أشياء مثل مستحضرات التجميل. وقد عانت الولايات المتحدة من التذمر، لكن على عكس الدول الأخرى، كانت تتوفر 3 وجبات في اليوم وكانت السينما تعرض الأفلام.

وتواجه الولايات المتحدة اليوم درجة من الألم في هجومها الاقتصادي، معظمها في تكلفة البنزين والسلع الأخرى. السؤال هو ما إذا كانت ستقف عند حدود الهجوم الاقتصادي للدفاع عن دولة ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة ولكنها ذات أهمية عاطفية قليلة.

لذا، لابد من العودة إلى الدروس المستفادة. الدروس العسكرية التي يركز عليها الناس ليست نهائية، قد تفوز روسيا وقد تخسر وقد تعني الخسارة في أوكرانيا الكثير أو القليل للروس. لذلك لسنا مستعدين لمناقشة المعنى الأعمق للنتيجة العسكرية الروسية، لكننا قادرون بالفعل على التحدث عن شيئين.

أولاً؛ يبدو أن استخدام الدولار والوصول إلى الاحتياطي الفيدرالي سلاح لافت للنظر. لقد عزلت الولايات المتحدة روسيا دون الحاجة إلى حصار. أثبت الدرس، الذي تم تجربته جزئيا مع إيران، فعاليته، وأظهرت حالة روسيا أنه يمكن توسيع نطاقه.

والأهم من ذلك، أنه سلاح تمتلكه الولايات المتحدة فقط. يتحدث المسؤولون الأمريكيون هذا الأسبوع مع المسؤولين الصينيين. ويعاني الصينيون من مشاكل اقتصادية كثيرة ويحتاجون إلى الدولارات. ولا يعني ذلك أنهم سيخضعون بهدوء دون المطالبة بتنازلات، لكن الصينيين تعلموا أن القوة العسكرية الروسية لا تتناسب مع القوة الاقتصادية للولايات المتحدة.

بالنسبة لغزو تايوان، فإن نظرة واحدة على أداء روسيا في أوكرانيا ورد الفعل الأمريكي تثبت شيئين: لا تفترض أبدًا أن الحرب هي ضربة قاضية ولا تفترض أن الأدوات الوحيدة في الحرب هي الأشياء التي تقاتل.

بالطبع، سيكون للحرب في أوكرانيا تداعيات استراتيجية كبيرة. لكنها غير معروفة حتى الآن. ومع ذلك فقد أثبتت الحرب بما لا يدع مجالا للشك أن الولايات المتحدة تسيطر على التجارة العالمية من خلال الدولار، وسيبقى هذا الوضع حتى تظهر عملة بديلة ويكون الناس مستعدين لاستخدامها في توقيع صفقات مدتها 5 سنوات.

المصدر | جورج فريدمان/ جيبوليتكال فيوتشرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الدولار الأمريكي اليوان الحرب في أوكرانيا روسيا التجارة الدولية

بلومبرج: واشنطن تدرس بجدية حرمان روسيا من نظام سويفت المالي