نظرة من الداخل إلى العالم الغامض لصناديق الثروة السيادية الإماراتية

الأحد 27 مارس 2022 03:58 ص

يعد جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA)، الذي يطلق عليه في الإمارات "الجهاز"، ثالث أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، حيث يبلغ إجمالي الأصول الخاضعة لإدارته 829 مليار دولار. ويقول الصندوق إنه "مؤسسة استثمارية متنوعة عالميا تستثمر الأموال بحكمة نيابة عن حكومة أبوظبي من خلال استراتيجية تركز على خلق القيمة على المدى الطويل".

وبالرغم من ظروف الوباء العام الماضي، تفوق "الجهاز" على نظرائه حول العالم من خلال حجز عائد سنوي بنسبة 20.9%، بقيادة "الأداء القوي في أسواق رأس المال"، وفقا لمؤسسة "صناديق الثروة السيادية العالمية".

وتعد الصناديق السيادية أدوات استثمارية مملوكة للدولة تتكون من مجموعة من الأصول المالية، بما في ذلك العقارات والأسهم والسندات والمعادن الثمينة والأدوات المالية الأخرى اللازمة لتحقيق الأهداف الوطنية. لكن في الآونة الأخيرة، أثارت تلك الصناديق مخاوف بشأن الاستقرار المالي وحوكمة الشركات والتدخل السياسي والحمائية، وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

على سبيل المثال، تعرض صندوق الاستثمارات العامة المملوك للحكومة السعودية لتدقيق عام في الآونة الأخيرة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الاحتجاجات التي أثيرت في المملكة المتحدة العام الماضي بعد شراء الصندوق 80% من نادي "نيوكاسل يونايتد" الإنجليزي.

على النقيض من ذلك، لم يثر جهاز أبوظبي للاستثمار، الذي تسيطر عليه الإمارات، أي مناقشات. ويستخدم ولي العهد الإماراتي "محمد بن زايد" الجهاز كأداة لتمويل أهداف سياسته الخارجية، بما في ذلك الحرب في اليمن، والحصار الذي تم فرضه على قطر، ودعم رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي".

وعندما تحدثت مع "روبرت جونز"، وهو مدير عمليات سابق في جهاز أبوظبي للاستثمار، أخبرني أن الجهاز ليس شركة استثمارية فحسب، بل هو أيضا "أداة سياسية"، مضيفا أنه "عندما يستثمر الجهاز الأموال في بلدك، فهو يستثمر الأموال في حكومتك أيضا".

وعمل "جونز" في جهاز أبوظبي للاستثمار لعدة أعوام حيث كان الصندوق يبحث عن الكفاءات. وكانت وظيفته هي "ضمان المعاملات نيابة عن محافظه المختلفة، بما في ذلك بيع الأوراق المالية والتحركات النقدية، لتتم تسويتها في الوقت المحدد وفي الأماكن الصحيحة".

وقال "جونز"، الذي أشار إلى حالتين بارزتين حدثا أثناء عمله: "كان من المعتاد عندما نرسل عائدات شيء ما إلى مكتب محمد بن زايد، تكون تلك العائدات ثمنا لشيء سيظهر في الأخبار بعد ذلك بوقت قصير".

وأضاف "جونز": "قبل أسبوعين من إعلان السعودية والإمارات عن حصارها لقطر، صفي جهاز أبوظبي للاستثمار ما يزيد عن 10 مليارات دولار، وهو ما فاجأني"، مضيفا أنه لا يتذكر الرقم بالضبط. ووفقا له، فقد كان هو وفريقه على دراية مسبقا بموعد تصفية أحد الأصول الرئيسية "نظرا لوجود قدر كبير من التحضير والعمل الإداري اللازم". وقال "جونز": "بعد ذلك تم الإعلان عن الحصار، وبدأت حكومة الإمارات في تحديد كيف ستدعم ماليا الكيانات والأفراد الذين قد يخسرون بسببه".

وفي مثال آخر، تحدث "جونز" عن كيف أن زيارة رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" إلى الإمارات عام 2019، التي حصل خلالها على وسام "زايد"، أعلى وسام مدني في البلاد، "أعقبها على الفور تحول هائل من الجهاز إلى ضخ الأموال في الأسهم الهندية والعقارات والبنية التحتية هناك". وقال "جونز": "أعرف ذلك لأنني كنت أقوم بتسوية العديد من هذه الصفقات على المستوى التشغيلي".

وبعد فترة وجيزة من زيارة "مودي" عام 2019، أعلنت مؤسسة "شركاء جرينستون إكويتي" أن جهاز أبوظبي للاستثمار "يتطلع إلى الاستثمار في مطوري العقارات في الهند". وبعد ذلك بوقت قصير، أعلن جهاز أبوظبي للاستثمار أنه استثمر 750 مليون دولار في شركة الخدمات الرقمية الهندية "جيو بلاتفورم"، و751 مليون دولار أخرى في عملاق التجزئة الهندي "ريلاينس ريتيل"، وهي شركة تابعة لشركة "ريلاينس إندستريز".

وفي نفس العام، قال العضو المنتدب للجهاز "حامد بن زايد آل نهيان"، أحد الأبناء الـ 17 الباقين على قيد الحياة للوالد المؤسس لدولة الإمارات الشيخ "زايد": "ما زلنا نرى الصين والهند كمحركين رئيسيين للنمو العالمي في الأعوام القادمة".

ويقول "جونز" إن العائلة المالكة لديها سيطرة كاملة على جهاز أبوظبي للاستثمار. وأوضح قائلا: "حتى رؤساء أقسام الاستثمار لا يعرفون سبب إجراء المعاملات، ويخبرهم أحد أفراد العائلة المالكة فقط بتصفية ما يريدون تصفيته".

وقال "جونز": "اعتدت معالجة تصفية الأصول، التي تذهب بعد ذلك إلى أي دائرة حكومية في الإمارات تحتاج إلى تمويل. وفي كل مرة يتم فيها تحويل الأموال إلى مكتب "محمد بن زايد"، يكون هناك إعلان بعد بضعة أيام عن شيء مهم، صفقة أسلحة كبيرة أو تسييل غير متوقع للأصول لدعم الحصار المفروض على قطر".

وفي نهاية المطاف، لا يمكن فصل قصة جهاز أبوظبي للاستثمار عن "محمد بن زايد" باعتباره الحاكم الفعلي للإمارات منذ أن أصيب الشيخ "خليفة" بجلطة دماغية عام 2014، حيث استخدم ولي العهد صندوق الثروة السيادية لتعزيز سياسة خارجية أكثر قوة لموازنة تحركات الولايات المتحدة لفك الارتباط الدبلوماسي والعسكري بالشرق الأوسط".

ويشير الدبلوماسي الفرنسي "كرم شحرور" في ورقة بعنوان "تطور السياسة الخارجية للإمارات بين عام 1971 وعام 2020: صعود غير متوقع لدولة صغيرة ذات طموحات لا حدود لها" إلى أن "تطور الأصول التي يديرها جهاز أبوظبي للاستثمار يعكس بوضوح هذا الاتجاه".

ويقول "شحرور" إن السياسة الخارجية للإمارات قد تكون تغيرت أيضا بسبب الاتجاه التصاعدي في أسعار النفط في بداية هذا القرن، حيث ارتفعت من 20 دولارا للبرميل في عام 2002 إلى أكثر من 100 دولار في معظم العقدين الماضيين.

وقد أدى ذلك إلى تحقيق مكاسب مالية هائلة لدولة الإمارات، وقد زودها ذلك بالأدوات المالية للمارسة النفوذ على الخصوم والحلفاء على حد سواء، سواء بالإغراء أو الإكراه أو حتى التهديد.

ويعمل الجهاز بشكل أساسي كصندوق حرب لحكومة الإمارات، ما يسمح لها ليس فقط بجمع الأموال بسرعة للعمليات العسكرية، أو ما يعرف بالقوة الصلبة، ولكن أيضا بكسب تأييد دبلوماسي وسياسي، وهو ما يعرف بالقوة الناعمة، ومن الأمثلة على ذلك وصول اللوبي الإماراتي في واشنطن إلى مستويات لافتة للنظر.

وأنفقت الإمارات رسميا أكثر من 132 مليون دولار منذ عام 2011 في مدفوعات تم الكشف عنها لخدمات الضغط لتأمين المصالح الإماراتية في واشنطن، ما يجعلها أكبر منفق بين دول الشرق الأوسط.

ولم تقد الإمارات جهود الثورة المضادة داخل الشرق الأوسط فحسب، بل نقلت المعركة أيضا إلى الخارج إلى واشنطن التي تعد العاصمة السياسية الأكثر أهمية في العالم. ولم يكن أي من هذه "الإنجازات" ممكنا لولا الوصول إلى السيولة النقدية غير المنظمة وغير القابلة للتعقب التي توفرها صناديق الثروة السيادية، مثل جهاز أبوظبي للاستثمار.

المصدر | سي جيه وورلمان/إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صناديق الثروة السيادية جهاز أبو ظبي للاستثمار حصار قطر أسعار النفط اللوبي الإماراتي

لوموند: بن زايد فشل في حصار قطر وحرب اليمن

أصول 4 صناديق سيادية عربية مجتمعة ترتفع لـ 2.5 تريليون دولار

تقرير: 4 صناديق سيادية خليجية بين أكبر 10 في العالم

ضرائب مخفضة وملكية سرية.. هكذا تحولت أبوظبي إلى أحدث "ملاذ للثروات" في العالم