ملاحظات على موازنة مصر الجديدة
يجري إعداد مشروع الموازنة الجديدة في ظل ضغوط عالمية، منها التداعيات الاقتصادية السلبية الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
مخصصات سداد القروض المحلية والأجنبية قفزت إلى 965.48 مليارا في موازنة 2022- 2023 مقابل 593 مليار جنيه في موازنة 2021-2022
مشروع الموازنة الجديدة رفع الحصيلة الضريبية المستهدف جمعها في العام الجديد إلى 1.168 تريليون جنيه مقابل 983 مليارا، بزيادة 185.7 مليار جنيه
استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا وزيادة الطلب على النفط مع تراجع مخاطر كورونا يشكل عبئا جديداً للموازنة الجديدة، وسيدفع الحكومة لتكرار رفع أسعار المشتقات البترولية خلال العام.
* * *
نظرة سريعة إلى موازنة مصر الجديدة للعام المالي 2022-2023 والمقرر تطبيقها بداية من شهر يوليو المقبل، ندرك أن الرهان على تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطن يبدو أمراً مستبعداً، وأن الرهان على خفض الضرائب المستحقة على المواطن، وضريبة القيمة المضافة المستحقة على المُصنعين والتجار، وتجميد خطة التقشف وخفض الدعم الحكومي لعدد من السلع الرئيسية ومنها الوقود بات خيالا وأمرا صعب التطبيق من قبل السلطات المسؤولة.
من أبرز ملامح الموازنة الجديدة الاستمرار في زيادة الضرائب والرسوم الحكومية رغم الأعباء المعيشية المتفاقمة داخل المجتمع والمطالبات المستمرة بتخفيف الأعباء عن المواطنين، وزيادة فواتير النفع العام ومنها الكهرباء، واستمرار خفض الدعم المقدم للوقود خاصة البنزين والغاز، وبالتالي ارتفاع أسعاره، وزيادة أعباء تكلفة الدين العام والتهام مخصصات سعر الفائدة المخصصة لسداد الديون المستحقة على الحكومة أكثر من ثلث الإيرادات العامة للدولة.
ورغم أنه يجري إعداد مشروع الموازنة الجديدة للعام المالي 2022-2023 في ظل عدد من الضغوط العالمية، ومنها التداعيات الاقتصادية السلبية على مصر الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، وارتفاع أسعار الحبوب، ومنها القمح والذرة والزيوت، وزيادة أسعار النفط والغاز الطبيعي.
وتراجع في عدد من مصادر الإيرادات الدولارية وموارد الخزانة العامة ومنها السياحة والاستثمارات الأجنبية، سواء المباشرة أو الساخنة المستثمرة في البورصة وأدوات الدين الحكومية مثل الأذون وسندات الخزانة، إلا أن هناك أعباء جديدة على المواطن في صورة زيادات في الأسعار وغلاء المعيشة رغم تأثره بشكل مباشر بهذه الضغوط.
صحيح أن الموازنة الجديدة خصصت ما بين 80 إلى 90 مليار جنيه للبرنامج القومي "حياة كريمة" في العام المالي الجديد، لكن هذا الرقم غير كافي في ظل قفزات الأسعار التي تشهدها الأسواق المصرية خاصة أسعار السلع الغذائية.
على مستوى بند الضرائب نجد أن مشروع الموازنة الجديدة رفع الحصيلة الضريبية المستهدف جمعها في العام المالي الجديد إلى 1.168 تريليون جنيه مقابل 983 مليارا، بزيادة 185.7 مليار جنيه، وهو ما يعني توسع القاعدة الضريبية، وفرض أنواع جديدة من الضرائب والرسوم بحق المواطن، والاستمرار في سياسة الاعتماد على جيب المواطن في تمويل الجزء الأكبر من الموازنة العامة.
بالنسبة لتكلفة الدين العام، سواء المحلي أو الخارجي، تظهر مسودة الموازنة التي يناقشها مجلس النواب حاليًا تمهيدًا لإقرارها أن مخصصات سعر الفائدة المخصصة لسداد الديون المستحقة على الحكومة ستصل إلى 690.1 مليار جنيه، مقابل 579.9 مليار جنيه خلال العام المالي الحالي، بزيادة 19.2%.
وتعادل تلك المخصصات نحو 34.4% من الإنفاق الحكومي، مقابل 31.6% للعام المالي الحالي، كما أنها تعادل 45.5% من إيرادات الدولة في العام المالي كله.
أما بالنسبة لمخصصات سداد القروض المحلية والأجنبية فقفزت إلى 965.48 مليارا في موازنة 2022- 2023 مقابل 593 مليار جنيه في موازنة 2021-2022، بزيادة تقدر بنحو 372.48 مليار جنيه، وبنسبة ارتفاع 62.8%.
لا يقف الأمر عند قفزة مخصصات فوائد الدين العام كرقم ضخم، بل نجد أن كلفتها تزيد على مجموع ما خصصته الموازنة الجديدة لبنود أكثر أهمية مثل الأجور، وشراء السلع والخدمات، والمصروفات الأخرى.
وبالطبع سيتم تحميل المواطن وحده كلفة الزيادة في مخصصات فوائد الدين العام التي قفزت في الموازنة الجديدة بسبب سياسة التوسع في الاقتراض المحلي والخارجي لدرجة رفعت حجم الدين العام الخارجي لأكثر من 145 مليار دولار.
والنتيجة الحتمية لسياسة التوسع في الاقتراض هي أنها باتت لا تمثل عبئا شديدا فقط على إيرادات الدولة والموازنة العامة، بل على المواطن أيضا، حيث يتم تمويل كل الأعباء من جيبه.
ليس هذا هو التحدي الأبرز في الموازنة الجديدة، فهناك مشكلة أخرى تتمثل في زيادة كلفة استيراد المشتقات البترولية من بنزين وسولار ومازوت، فسعر النفط يتجاوز حالياً 100 دولار للبرميل، والموازنة الجديدة لم تكشف عن القيمة الجديدة، وإن كانت القيمة في موازنة العام الجاري تبلغ 61 دولاراً للبرميل.
وفي حال استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا وزيادة الطلب على النفط مع تراجع مخاطر جائحة كورونا، فإن هذا يشكل عبئا جديداً للموازنة الجديدة، وسيدفع الحكومة نحو رفع أسعار المشتقات البترولية أكثر من مرة خلال العام.
* مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي