كيف تؤثر حرب أوكرانيا على العلاقات بين أوروبا والشرق الأوسط؟

الجمعة 22 أبريل 2022 12:38 م

على عكس توقعات الكثيرين، بمن فيهم الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، لم يؤدي الغزو الروسي لأوكرانيا إلى انقسام بين الأوروبيين؛ وبدلا من ذلك، خلق عدوان "بوتين" راية ليجتمع حولها الأوروبيون.

وأدى ذلك أيضا إلى ظهور حالة من المشاعر غير المعتادة بين الطبقة السياسية في أوروبا، فضلا عن التضامن الشعبي مع اللاجئين بشكل لم يشهده المجتمع الأوروبي منذ الحربين العالميتين.

ولا شك أن الاختلافات ستظهر في النهاية وسيتراجع هذا التماسك، لكن التحول التكتوني في نظرة الأوروبيين للعالم نتيجة الحرب سيكون له تأثير كبير على الاستراتيجية الأمنية والعسكرية لدول أوروبا. كما ستكون لها عواقب طويلة الأمد، بما في ذلك على علاقات أوروبا مع الشرق الأوسط.

ويحدث التغيير الأساسي في ألمانيا التي أعادت صياغة الفلسفة الأمنية للبلاد منذ الحرب العالمية الثانية بين عشية وضحاها تقريبا، وسيكون لذلك تأثير هائل على كل من موقفها الدفاعي وسلوكها الدبلوماسي.

وأعلنت برلين عن استثمار بقيمة 100 مليار يورو لتعزيز القوات المسلحة وزيادة دائمة في الإنفاق الدفاعي بأكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

ومن المقرر أن يحذو الآخرون في أوروبا حذوها لتكون "ثورة في الشؤون العسكرية" توفر بيئة لإصلاح العديد من الشقوق التي خلفها الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" في العلاقة عبر الأطلسي.

وأدت التطورات في جورجيا وشبه جزيرة القرم والشكوك المتزايدة تجاه الصين إلى تشكيك أوروبا في رؤيتها الإنفاقية المتعلقة بمكافحة الإرهاب والجهات الفاعلة غير الحكومية وتعزيز سيادة القانون في الخارج، بما في ذلك في الشرق الأوسط.

وفي حين توقف التفكير في التهديدات على الدولة والمنافسة بين القوى العظمى في البداية عند مفاهيم "المنافسة الاستراتيجية" و"الحرب المختلطة"، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا هز هذه الرؤى.

ولم يعد بإمكان الأوروبيين استخدام لغة ملتوية وكأن ما يحدث في العالم ليس من شـأنهم. وتعتبر المقدمة المكتوبة على عجل لـ "بوصلة الاتحاد الأوروبي الاستراتيجية"، التي تم تبنيها في 21 مارس/آذار، مثالا على ذلك.

وتجد "لغة القوة" الجديدة هذه طريقها عبر روايتين أو "عدستين استراتيجيتين"، عدسة الرؤية الواقعية لمنافسة القوى العظمى، وعدسة مثالية للديمقراطية مقابل الاستبداد.

وفي حين أن هذه العدسات قد تشكلت إلى حد كبير عبر المواجهات السابقة مع روسيا، ويعززها الآن الصراع في أوكرانيا، فإنها ستؤثر أيضا على التطورات في الشرق الأوسط، مما يعقد العلاقات بطرق ليست بالضرورة مواتية لأي طرف.

ومثلما حدث في كثير من الأحيان من قبل، ستكون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ساحة لصراع النفوذ بين القوى العظمى. وفي حين أن "التهديدات الإرهابية" القادمة من المنطقة ستبقى ذات صلة، فإن منافسة القوى العظمى هي التي ستحتل مركز الصدارة.

ويتضح هذا في البوصلة الاستراتيجية الجديدة للاتحاد الأوروبي التي تمس الإرهاب والتهديد النووي الإيراني لكنها تركز بشكل أساسي على الوجود الروسي في مسارح مثل ليبيا وسوريا وأفريقيا الوسطى ومالي، فضلا عن استخدام روسيا للمعلومات المضللة و المرتزقة، الذين يُنظر إليهم على أنهم تهديد مباشر لأمن أوروبا.

نتيجة لذلك، سيتعين على الغرب التصعيد لوقف أو دحر تمظهرات القوة الروسية والصينية في الشرق الأوسط، سواء كانت اقتصادية أو تكنولوجية أو عسكرية.

وبالنسبة لحكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن هذا يعني أنه سيكون من الصعب التحوط بشأن رهاناتها. وستكون هناك مقايضات واضحة عند التعامل مع قوة عظمى أو أخرى، خاصة فيما يتعلق بالمعدات العسكرية أو نقل التكنولوجيا أو البنية التحتية الحيوية.

وفي الوقت نفسه، توجد معادلات مماثلة لانخراط الغرب في الشرق الأوسط، فإذا أرادت الولايات المتحدة وأوروبا إبقاء دول مثل السعودية والإمارات إلى جانبهما، فيجب عليهما الالتزام بأمنهما بقوة، خاصة بالنسبة للتدخل الإقليمي الإيراني.

ويصعب على الغرب تقديم مثل هذه الالتزامات بشكل متزايد بسبب العدسة الشاملة الثانية التي يطبقها على العالم والتي تتعلق بالنظرة المثالية للسياسة الدولية باعتبارها معركة بين الديمقراطية والاستبداد.

وكان هذا التأطير الأخلاقي انعكاسا لتحول بعض الدول الأوروبية نحو سياسة خارجية مدفوعة بالجانب الأخلاقي بدرجة أكبر. وتعد ألمانيا مثالا بارزا هنا أيضا، حيث تمت الإشادة بتعيين وزيرة الخارجية الجديدة "أنالينا بربوك" باعتبار أن ذلك إشارة إلى انضمام ألمانيا إلى صفوف الدول التي اعتمدت ما يسمى بـ "السياسة الخارجية النسوية".

وبدلا من أن يعني هذا السياسة الخارجية التي يقودها النسويون، فإن الترجمة الحقيقية غالبا ما تكون التركيز على حقوق الإنسان، ما يعني حظر تصدير الأسلحة إلى الأنظمة الاستبدادية والدعوة علنا لمواجهة الانتهاكات. لكن ربما كان الرئيس الأمريكي "جو بايدن" هو المؤيد الأكثر صراحة لفكرة السياسة الخارجية التي تحركها القيم، والتمييز بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، على المسرح العالمي.

وفي حين أن "قمة الديمقراطية"، في ديسمبر/كانون الأول 2021، كانت نظرية إلى حد ما، فقد قدمت الحرب في أوكرانيا نموذجا عمليا. ويعمل هذا التأطير جيدا للأغراض المحلية، وله صدى لدى الحلفاء الذين يعتبرون أنفسهم مدافعين عن العالم الحر والديمقراطي. ومع ذلك، تكون مثل هذه المواقف ضارة بعلاقات الغرب مع الشرق الأوسط وحلفاء آخرين أقل ديمقراطية.

وغالبا ما تقرب الحرب الحلفاء من بعضهم البعض، كما يحدث الآن بين أوروبا والولايات المتحدة وداخل أوروبا نفسها، لكن نظرة الغرب للمنافسة بين القوى العظمى، جنبا إلى جنب مع تركيزه على القيم الديمقراطية، قد يكون لها تأثير معاكس طويل المدى على حلفائه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وستحتاج هذه العلاقات إلى إدارتها بعناية، وربما تتطلب الكثير من دبلوماسية الغرف المغلقة. وفي حين أن الأعمال التجارية تبقى تجارية، فمن المرجح أن يتعرض الحلفاء في الشرق الأوسط للضغط للاختيار بين الغرب وروسيا والصين في كثير من الأحيان وإلا مواجهة العواقب.

وفي الوقت نفسه، سيحتاج الغرب مرة أخرى إلى تحديد مدى أهمية "قيمه" حقا ومتى يتم تقديم تنازلات صعبة، بالإضافة إلى ابتكار طرق مقنعة لشرح أي تناقض للمعارضين والناخبين في الداخل.

المصدر | ساسكيا إم فان جينوجتن/معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاتحاد الأوروبي الشرق الأوسط غزو أوكرانيا الغزو الروسي التوجه الاستراتيجي القيم الديمقراطية منافسة القوى العظمى

فايننشال تايمز: أجواء الحوار تجتاح الشرق الأوسط.. وأوروبا تدق طبول الحرب

التناقضات الصارخة بين سياسة أمريكا في أوكرانيا والشرق الأوسط