مغامرة بوتين الخارجية

الخميس 17 ديسمبر 2015 05:12 ص

عندما قررت روسيا التدخل في سوريا، كتب أحد المعلقين يقول «إن القوى العظمى تبدو دائماً أكثر قوة عندما تعلن توسيع أنشطتها في منطقة ما؛ والحال أن ما يلي ذلك هو المهم».

كان هذا قبل شهرين من اليوم؛ ولكن كيف تبدو الأمور اليوم بالنسبة لمغامرة بوتين السورية؟ ظاهرياً، يبدو الجواب أقرب إلى «ليس على ما يرام»؛ حيث تشير المؤشرات الميدانية إلى أن القوات الحكومية السورية لم تحقق أي مكاسب حقيقية على الأرض؛ وأن طائرة مدنية روسية دُمرت في مصر انتقاماً؛ وأن مقاتلة روسية أُسقطت من قبل تركيا، وأن العلاقات الروسية التركية تدهورت جراء ذلك؛ وأن مروحية روسية أُسقطت أثناء محاولة إنقاذ الطيار الروسي الذي أسقطت طائرته.

غير أن ثلاثة مقالات صدرت هذا الأسبوع تفيد بأنه عندما ينبش المرء قليلاً تحت السطح، يتضح أن التفسير السطحي يبدو دقيقاً إلى حد ما. وفي هذا السياق، يرى إيليا أرخيبوف وهنري ميار أن المؤشرات تقول إن موسكو ربما بدأت تقترب من سيناريو التورط في مستنقع سوري.

فالعديد من المسؤولين الكبار في موسكو كانوا يقللون من شأن المدة التي سيستغرقها دعم بشار الأسد عندما دخل بوتين الحرب الأهلية السورية في 30 سبتمبر الماضي؛ ولكن الحديث اليوم لم يعد يدور حول بضعة أشهر فقط، بل حول سنوات، حيث قال أحدهم إن الأمل الآن هو ألا يدوم التدخل عدة سنوات.

وعلاوة على ذلك، فإن روسيا كانت قد رصدت في البداية 1.2 مليار دولار للحرب لكل 2016، مثلما قال مسؤول مطلع على الموضوع، غير أن النفقات كانت تقدر بنحو 4 ملايين دولار في اليوم قبل أن يأمر بوتين بزيادة عديد الجنود والمعدات في منتصف نوفمبر، وهو ما ضاعف الكلفة إلى 8 ملايين دولار يومياً، أو قرابة 3 مليارات دولار في السنة، وفق معهد الخدمات الملكية المتحدة، وهو مركز بحوث في لندن.

وإذا كانت القوات السورية المدعومة بالقوة النارية الروسية قد حققت بعض النجاحات، مثل كسر الحصار الذي كان يضربه تنظيم «داعش» على قاعدة جوية استراتيجية لأكثر من عامين، فإن بوتين بدأ الآن فقط يدرك أنه لا يستطيع هزم التنظيم من خلال القوة الجوية وحدها، كما يقول المحلل العسكري الروسي أنتون لافروف.

بيد أن ما يثير قلقي هو أنه في المرة الأخيرة التي وجد فيها بوتين نفسه محاصراً في زاوية بسب مجازفة غير محسوبة العواقب في السياسة الخارجية، لم يزده ذلك إلا تصميماً على التمسك باستراتيجيته. والواقع أن هذا التصميم في شرق أوكرانيا لم يفشل؛ ولكنه لم ينجح كذلك، كما أن قصف بوتين لحلفاء تركيا التركمان في سوريا ينسجم تماماً مع سلوكه في المرات السابقة.

غير أن بوتين قد يتصرف على نحو مختلف بعض الشيء هذه المرة، إنْ كانت قصة رويترز تمثل مؤشراً، فقد أفادت الوكالة بأن الرئيس فلاديمير بوتين صرح يوم الجمعة بأن روسيا تدعم الجيش السوري الحر المعارض، إذ تقدم له الدعم الجوي والسلاح والذخيرة، في عمليات مشتركة مع الجنود السوريين ضد المقاتلين الإسلاميين.

وقد مثّل تصريحه هذا المرة الأولى التي تعلن فيها موسكو أنها تدعم معارضي الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب ضد قوات داعش، وبالمقابل، كان بوتين قال الشهر الماضي إن القوات الجوية الروسية تضرب عدداً من الأهداف «الإرهابية» التابعة للجيش السوري الحر، والواقع أنني أشك كثيراً في قدرة إدارة أوباما على تحويل مشاعر الاستياء الروسية في سوريا إلى حل سياسي بناء.

كما أن ذلك يتطلب تعاوناً روسياً تركياً؛ والحال أنه لا يوجد أي مؤشر على حدوث ذلك قريباً، ومع ذلك، فعندما يطالب الصقور الأميركيون بقدر أكبر من التدخل الأميركي في سوريا، فإنه من المهم أن نتذكر أن هؤلاء لم يجيبوا بعد عن سؤال إلى أي حد يمكن أن يساهم التدخل الأميركي في تحسين الوضع، ثم إن مغامرة بوتين في سوريا تشير إلى أن القوى الكبرى تتدخل في حروب الشرق الأوسط الأهلية على مسؤوليتها الخاصة!

  كلمات مفتاحية

بوتين روسيا التدخل الروسي العسكري سوريا إسقاط الطائرة الروسية تركيا العلاقات التركية الروسي

هل تتحول سوريا إلى فيتنام الروسية؟

«فورين بوليسي»: لماذا سيغرق «بوتين» في سوريا؟

«التعاون الخليجي»: التدخل الروسي في سوريا هدية للإرهاب

«الأسد» يلتقي «بوتين» في موسكو ويعرب عن امتنانه لـ«المساعدات الروسية»

«ديفينس نيوز»: التدخل الروسي في سوريا يعمق التقارب بين الرياض وأنقرة

البيت الأبيض: «بوتين» قد يكون بحاجة لعلاجٍ نفسي

«بوتين»: لم أتخذ بعد قرارا بشأن مشاركتي في الانتخابات الرئاسية المقبلة