سد النيل الإثيوبي يزيد من التوترات مع مصر والسودان

الاثنين 9 مايو 2022 05:32 ص

مع تركيز العالم الغربي على الأزمة في أوكرانيا في أعقاب الغزو الروسي، تصاعدت التوترات على طول نهر النيل، مما أعاد إشعال المخاوف من اندلاع حرب على المياه بين حلفاء الولايات المتحدة في أفريقيا.

وفي 19 فبراير/شباط، بدأت إثيوبيا في توليد الكهرباء من واحد من 13 توربينا في مشروع السد الجاري على طول نهر النيل، بطاقة 375 ميجاوات. وافتتح رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" هذا الحدث.

ونقلت وكالة "أسوشييتد برس" عن "أحمد" قوله: "من الآن فصاعدا، لن يكون هناك شيء يوقف إثيوبيا".

ومستشهدا بالفوائد المزعومة، أضاف "أحمد": "نريد تصدير الكهرباء الخالية من التلوث إلى أوروبا عبر السودان ومصر، لذا فإن الطريق إلى الأمام هو التعاون فيما بيننا. لا تريد إثيوبيا أو تنوي إيذاء أي شخص آخر".

وأضاف مدير مشروع السد "كيفل هورو": "لقد بدأنا للتو في توليد الطاقة، لكن هذا لا يعني أن المشروع قد اكتمل. سوف يستغرق الأمر من عامين ونصف إلى 3 أعوام لإكماله".

ومع ذلك، حذرت مصر والسودان من أن استكماله سيهدد وصولهما إلى مياه النيل. وحذرت وزارة الخارجية في القاهرة من أن تصرفات إثيوبيا تشكل "خرقا" آخر لاتفاق 2015 بشأن نهر النيل بين الدول الثلاث.

ولمواجهة إثيوبيا، بدأت مصر في تعميق علاقاتها مع السودان، بما في ذلك التعاون العسكري والتدريب المشترك. والتقى رئيس أركان الجيش المصري "أسامة عسكر"، في 16 مارس/آذار، بنظيره السوداني "محمد عثمان الحسين"، خلال الاجتماع الـ8 للجنة العسكرية المصرية السودانية.

تصاعد التوترات

وبدأت إثيوبيا في بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير بكلفة 4.6 مليار دولار في عام 2011، وهو ما بدأ الخلاف مع جيرانها في اتجاه مجرى النهر. وعند اكتماله، سينتج السد ما مجموعه 6 آلاف و500 ميجاوات من توربيناته الـ13.

واحتوت البحيرة الواقعة داخل سد النهضة على نحو 7.2 مليار متر مكعب من المياه منذ عام 2020. وتتوقع إثيوبيا أن يوفر السد الكهرباء لأكثر من 60% من سكانها البالغ عددهم 110 ملايين نسمة.

وتزود أجزاء من النيل التي تمر عبر إثيوبيا، بما في ذلك النيل الأزرق، النيل بأكثر من 85% من المياه التي تتدفق فيه. وبالتالي، فإن بناء السدود في إثيوبيا سيخلق بالتأكيد قيودا على وصول المياه إلى كل من مصر والسودان.

وبالرغم من هذا الوضع الحرج، فشلت جهود الوساطة؛ حيث أشارت إثيوبيا بوضوح إلى أنها تسعى لضمان نجاح المشروع. وفشل الاتحاد الأفريقي في حل الخلاف، حيث توقفت جهود الوساطة في أبريل/نيسان 2021 بعد أن عجز عن إيجاد حل مفيد للطرفين.

وفي صيف 2021، قدمت القاهرة والخرطوم مخاوفهما بشأن سد النهضة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وأصدر المجلس في وقت لاحق بيانا دعا الدول الـ3 إلى مواصلة المفاوضات بتوجيه من الاتحاد الأفريقي. ومع ذلك، نظرا لأن الاتحاد الأفريقي أظهر عجزه بشأن الخلاف بشأن سد النهضة، فمن الواضح أن المجتمع الدولي يتجاهل هذا النزاع الخطير.

ويمكن القول إن سعي إثيوبيا لإكمال سد النهضة هو أكبر تهديد للسلام طويل الأمد على نهر النيل، نظرا للتهديدات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها كل من مصر والسودان. وقد تضيف خططها لاستكمال المرحلة الثالثة من ملء السد بنهاية صيف 2022 مزيدا من الوقود إلى النار.

"السيسي" يطلب الدعم الأفريقي

وبصرف النظر عن السودان، حاولت مصر تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية الأخرى، بعد فشل الاتحاد الأفريقي المتكرر في المساعدة في التوسط لتسوية النزاع. وفي 26 مارس/آذار، التقى الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" بنظيره الرواندي "بول كاجامي"، لبحث تعزيز العلاقات بين البلدين.

ووقعت كل من مصر ورواندا مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال التدريب الدبلوماسي والشباب والرياضة والمتاحف وتكنولوجيا المعلومات.

وحاولت مصر أيضا تعزيز علاقاتها في أماكن أخرى في شرق أفريقيا لحشد الدعم لقضيتها بشأن النيل. وفي 7 فبراير/شباط، زار رئيس جيبوتي "إسماعيل عمر جيله" القاهرة للقاء "السيسي"، وأعلن الرئيسان إنشاء منطقة تجارة حرة، مع وعد بزيادة استثمارات القاهرة في جيبوتي وحجم التجارة بين البلدين.

ومن الواضح أن "السيسي" يحاول القيام بدور قيادي في الاتحاد الأفريقي للدفع باتجاه دعم قضيته بشأن النيل. وفي عام 2019، كانت مصر زعيمة الاتحاد الأفريقي، وفي ذلك الوقت، استغلت القاهرة دورها كمتحدثة باسم أفريقيا. والآن، تحاول القاهرة تحقيق هذا المستوى نفسه من النفوذ من خلال تدابير أخرى، مثل رئاسة مؤتمر الأمم المتحدة المقبل لتغير المناخ 2022 "كوب 27"، الذي من المتوقع أن يلعب "السيسي" فيه دورا مركزيا في تلبية احتياجات أفريقيا.

وبالرغم من أن "السيسي" يسعى بشكل واضح إلى كسب دعم أفريقيا، إلا أن هذا لن يكون كافيا للتأثير على إثيوبيا. فبعد كل شيء، أظهرت أديس أبابا عزمها على المضي قدما في مشروع سد النهضة وتأمين وصولها المتصور إلى مياه النيل.

دبلوماسية متعثرة

وحاولت القوى الإقليمية والدولية ممارسة نفوذها على القرن الأفريقي ودول النيل، وقد يكون لذلك نتائج متباينة بالنسبة لقضية سد النهضة. وفي نهاية المطاف، قد يؤدي ذلك إلى تراجع الآمال في الحلول الدبلوماسية، خاصة وأن هذه القوى انحازت إلى حد ما إلى جانب إثيوبيا.

وفي 12 مارس/آذار، وصل المبعوث الصيني الخاص للقرن الأفريقي، "شيو بينج"، إلى إثيوبيا كجزء من جولة أفريقية في ذلك الشهر. وشملت الجولة إريتريا وجيبوتي والصومال وكينيا وأوغندا وجنوب السودان.

ومع توسعها في القارة الأفريقية، تبنت الصين موقفا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مثل استخدامها حق النقض ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتحقيق في الانتهاكات الإثيوبية في مقاطعة تيجراي في البلاد. ومع ذلك، وبغض النظر عن الامتناع عن الانحياز لأي طرف في نزاع سد النهضة، فقد ساهمت بكين أيضا في تمويل السد.

علاوة على ذلك، فشلت الإمارات والسعودية، وهما لاعبان إقليميان رئيسيان في القرن الأفريقي، في توفير حل فعال لنزاع سد النهضة، بالرغم من محاولات الوساطة بين الأطراف. ومن منظور القاهرة، انحازت أبوظبي إلى إثيوبيا، بالرغم من تحالفها التقليدي مع نظام "السيسي".

ونظرا لأن هذه الجهات الفاعلة المؤثرة عززت على ما يبدو تطلعات إثيوبيا في السد، ومع انهيار المفاوضات التي يدعمها الاتحاد الأفريقي، أصبح الوضع على طول نهر النيل أكثر توترا.

وبينما يمكن للغرب أن يلعب دورا أكثر نشاطا في التعامل مع دول النيل، يمكن للمفاوضين الأوروبيين والأمريكيين أيضا المشاركة بنشاط في الجهود التي يقودها الاتحاد الأفريقي لإيجاد حل. ومع ذلك، في حين أن هناك ضغطا محدودا على إثيوبيا لقبول حل وسط، فإن فرص نشوب نزاع في المستقبل قد تكون حقيقية للغاية.

المصدر | جوناثان فنتون هارفي - إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سد النهضة الصراع على المياه حرب المياه النزاع المصري الإثيوبي الاتحاد الأفريقي

لبحث ملف سد النهضة والتطورات الإقليمية.. البرهان يزور مصر للقاء السيسي

بـ3 محاور.. مصر تستعد لمواجهة الملء الثالث لسد النهضة